أقلام كثيرة تناولت هذا القانون بالنقد وفي نقاطٍ شتي وكلٌ أدلي بدلوه إلا الواجب يبقي مزيداً من الطَرق والطَرق المتواصل حتي نتوافق جميعاً حول قانون يلبي التطلعات ويحفظ للمرأة حقوقها نصاً وفعلا. هذا وما يجدر ذكره أن هذا القانون هو أول قانون ينظم المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين فقبل ذلك عملت المحاكم وفقاً للمنشورات الشرعية والمذكرات القضائية والتعليمات التي كانت تصدر من حينٍ لأخر إضافةً لما نصت عليه المادة 16 من الجدول الثالث من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م وبعد صدور القانون الحالي وسريانه تم إلغاء ما ذُكر وفقاً للمادة الثالثة من القانون. وما يجدر ذكره أن الزواج هنا إن تم فسخه فيأخذ حكم الزواج الفاسد ويرتب أثاره التي نصت عليها المادة 64 من القانون وذلك في حالة تم الدخول بالزوجة قبل إجازة العقد . ذهب القانون أبعد من ذلك عندما نص في المادة 32(4) منه علي الأتي (يصح العقد بإجازة الولي الخاص إذا تزوجت إمراة بالولاية العامة مع وجوده في مكان العقد أو في مكان قريب يمكن أخذ رأيه فيه فإن لم يجز فيكون له الحق في طلب الفسخ مالم تمض سنة من تاريخ الدخول) فالمرأة هنا التي تتزوج بالولاية العامة مع وجود وليها الخاص يصبح عقدها أيضاً موقوفاً علي إجازة الولي الخاص بل لوليها هذا الحق في طلب فسخ عقد الزواج بشرط أن لا يكون قد مضي عام علي الدخول والذي به يسقط هذا الحق ولكم أن تتخيلوا ما يمكن أن ينتج جراء هذا التدخل الذكوري خاصةً أن الولي يملك هذا الحق حتي بعد الدخول بالزوجة إلي ما قبل عام علي ذلك وهو ما يعني إمتلاكه لذلك (الحق) حتي وإن حبلت الزوجة!! فالقانون هنا لم يقيد (حق) الولي الخاص بالإنجاب أو بظهور الحمل حسب ما جاء بالمادة 24 التي تناولناها سابقاً بل قيد ذلك بعام كامل غض النظر إذا نتج عن هذا الدخول مولود أو حملٌ حتي! -هذا مع العلم أن القانون رتب آثار لذلك وفقاً للمادة 64 منه وذلك بعد أن يقوم الولي الخاص بفسخ عقد الزواج وهي أن المهر الواجب للزوجة هنا يكون أقل من المهر المُسمي ومن مهر المِثل أيضاً! ويثبت النسب وتحرم المصاهرة مع وجوب العدة – والسؤال المطروح والذي لا أملك الإجابة عليه هو لماذا يُعطي هذا الولي الخاص هذا الحق؟ولكل هذه المدة رغم أنه موجود في مكان العقد أو في مكان قريب يمكن أخذ رأيه فيه؟! هذا مع أنه في نظري من الإستحالة بمكان أن تقوم المرأة بالزواج بالولاية العامة مع وجود وليها الخاص إن لم يكن هنالك عائق ما بسبب هذا الولي أو غيره أو هناك عادات وتقاليد أكل عليها الدهر وشرب تقف حائلاً أمام تمتُعِها وممارستها لحقوقها, ثم لماذا بعد كل ذلك يكون مهر الزوجة الواجب هنا أقل من المهر المُسمي؟ بل وأقل من مهر المِثل أيضاً؟! وهي هنا البالغة العاقلة المختارة كاملة الأهلية! أليس في كل ذلك مايحط من كرامة المرأة؟ كما أن فيه تمسكاً بموروثات ومفاهيم سائدة ناتجة عن تفسيرات عقدية جامدة لا تتماشي والحداثة. زواج المميزة : نصت المادة 40/2 من القانون علي أن التمييز يكون ببلوغ سن العاشرة ونصت الفقرة الثالثة منها علي أن لولي المميزة عقد زواجها إن أذن القاضي بذلك لمصلحة راجحة بشرط كفاءة الزوج ومهر المثل! هذه الفقرة تتضمن إنتهاك واضح لحق المرأة ولحق الطفولة إن كنا أكثر دقة كما أنه ليس فيما تنص عليه الفقرة من إذنٍ وشروطٍ موجبة ما يقوم سبباً للقول بأن في ذلك ضمان وحماية لحقوق هذه الطفلة(الزوجة) فأي مصلحة راجحة تلك التي تعود بالزواج من طفلة قاصر؟! هذا إلا إذا كانت المصلحة عائدة لوليها فكيف تحمي الدولة حقوق الطفل كما وردت في الإتفاقيات الدولية والإقليمية التي صادق عليها السودان (المادة32/5) من الدستور الإنتقالي والقانون يتضمن مثل ذلك النص؟! أليس في ذلك إنتهاكاً صريحاً لحقوق الطفل ومخالفة للمواثيق والمعاهدات الدولية المُصادق عليها خاصة إتفاقية الطفل إضافةً للمبادئ العامة التي تضمنتها المادة الخامسة من قانون الطفل لسنة2010م. ويبقي السؤال كيف تكفل الدولة للرجال والنساء الحق المتساوي في التمتع بكل الحقوق المدنية والسياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية وكيف تعمل علي محاربة العادات والتقاليد الضارة التي تقلل من كرامة المرأة ووضعيتها والقانون يتضمن مثل تلك النصوص وغيرها ومعبراً عن سلطة أبوية لمجتمع ذكوري؟! الإجابة ليست تكمُن فقط في توافقنا علي دستور مدني ديمقراطي يكفل الحقوق المدنية والسياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية للمرأة وفي صياغة قانون جديد ذي طابع مدني يكفل الحقوق ويحترمها بل أيضاً في إنعكاس النصوص علي أرض الواقع فلابد من أن يري المواطنين بأعينهم تلك النصوص التي تكفل الحقوق والحريات مترجمة عملياً من خلال معايشتها والإحساس بها وإلا فما جدوها كما يجب ألا تُقيد نصوص الدستور بعبارات من شاكلة وفقاً للقانون وغيرها من العبارات والكلمات التي بموجبها يصبح القانون فوق الدستور وبذلك تُقيد الحقوق والحريات بموجب ذلك القانون. إن إضطلاع الدولة بحماية المرأة ووقايتها من الظلم وتعزيز المساواة بين الجنسين يتم من خلال إبطال النصوص والقوانين التي تشكل تمييزاً ضد المرأة وبسن تشريعات وقوانين جديدة تكفل الحقوق والحريات وبالعمل علي محاربة الجهل والحد من الممارسات و(الثقافات) والأعراف المتجذرة التي تكرس للظلم والقهر والنظرة الدونية للمرأة وهذا مايتطلب نشراً للوعي من خلال إهتمام الدولة بالتعليم وإعمال ثقافة الحوار وإتاحة الحرية لوسائل الإعلام المختلفة للقيام بدورها المنُوط بها في التثقيف ونشر ثقافة حقوق الإنسان وأيضاً من خلال الدعم لمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني التي تلعب دوراً في ذلك فكل ذلك وغيره يساهم في رفع الوعي ونُشدان التغيير الإجتماعي. في الختام تبقي هذه محاولة ليس الهدف منها صياغة أجوبة لأسئلة وإشكالات وحسب بل أيضاً الحث علي طرح أسئلة وإشكالات أخري تستدعي حِراكاً قانونياً في شتي المواضيع والقضايا. الميدان