وجه الزنجية في 'نساء جزائريات' لا يخلو من ملاحة، ولا يخلو منظرها العام من بعض التأنق بدا من خلال الحلي التي تزين يدها وأذنها وذراعها. إعداد: أحمد فضل شبلول تعد هذه اللوحة التي استلهمها الفنان الفرنسي دولاكروا من وحي زيارة له للجزائر من أشهر أعماله الفنية، بل من أشهر لوحات الاستشراق الفني بصفة عامة، وقد اعتمد الفنان على رسومات أولية وتخطيطات أعاد صقلها عند عودته إلى باريس، وأضفي عليها الكثير من وحي حنينه إلى الجزائر، واشواقه له. وما يستوقفنا في اللوحة وضعية جلوس النساء، التي نلاحظ أنها تتدرج من الاستلقاء المضطجع في أقصى يسار اللوحة، إلى التربع في وسط اللوحة، إلى الإقعاء في يمين اللوحة. بينما نلاحظ أن الشخص الوحيد الواقف فيها هو الخادمة الزنجية في أقصي اليمين. إن انطباع (الفراغ) هو ما يخرج به الناظر إلى هذه اللوحة، فنحن أمام نسوة لا عمل لهن سوى الاسترخاء بكسل والثرثرة والتدخين، حيث نلاحظ النرجيلة في يد المرأة الثالثة يمينا، كما نخرج بانطباع آخر هو أن نساء اللوحة الثلاثة ينتمين إلى الطبقة الارستقراطية، ولذا من الطبيعي جدا أن يجدن الفراغ الكافي للاسترخاء والتدخين. إذن ماذا عن المرأة الزنجية التي تقوم على خدمتهن وتلبية طلباتهن، وهل كان حضورها في هذه اللوحة بريئا، جارى فيه دولاكروا ما دأب عليه غيره من استعمال هذا العنصر البشري موتيفا جماليا يحيل إلى عجائبية الشرق وإدهاشه؟ أم أن لحضورها غاية خفية تنصب بشكل أو بآخر ضمن مصلحة المحتل وأغراضه، حيث كانت فرنسا تحتل المغرب العربي في الوقت الذي رسم فيه دولاكروا هذه اللوحة عام 1932 وغيرها من لوحات الاستشراق؟ تقول الباحثة والأكاديمية الجزائرية بهاء بن نوار في محاولة الإجابة عن مثل هذا السؤال: إذا علمنا أن من بين الحجج الكثيرة التي ساقها الفرنسيون لاحتلال الجزائر: قضية الرقّ حيث قالوا: إن الجزائر لم تطِع أمر المبعوثين البريطانيين والفرنسيين بإلغاء نظام الرق، وقالوا أيضا بأنها أي الجزائر قد استرقت ضباطا كانوا قد أسروا على بواخر تحمل علم روما التي كانت عندئذ تحت الحماية الفرنسية، لعرفنا أهمية إثبات المرأة الزنجية في اللوحة. ومن الناحية الفنية نجد أن وجه الزنجية في اللوحة التي أمامنا لا يخلو من ملاحة، ولا يخلو منظرها العام من بعض التأنق بدا من خلال الحلي الجميلة التي تزين يدها وأذنها وذراعها والتي تنم عن ذوق رفيع خال من البهرجة والإسراف، مما يرجح الغرض الجمالي على سواه في توظيف عنصر الزنوجة في لوحات دولاكروا. إن هذه اللوحة تبقى تحفة بديعة مزج فيها الفنان الألوان بدقة متناهية. وبحرص شديد خطَّ التفاصيل الدقيقة لجلسة النساء، وبكل ما يحيط بهن من الصواني والدمالج، وإماءات الوجه، والإكسسورات الذهبية من خواتم وأساور، كادت أن تكون صورة فوتوغرافية. المرأتان الجالستان في يمين اللوحة تتهامسان، والمرأة الجالسة على يسار اللوحة نرى نظراتها ساهية ممتلئة بالمعاني والأيقونات. ويبقى مصدر الضوء في اللوحة لغزا كبيرا للفنان الفرنسي، حيث لم يجد النقاد التشكيليون مصدره داخل التحفة الفنية، ولو أن أكبر ما شد الفنانين الغربيين في الجزائر هو الضوء الطبيعي، فالشمس لم تكن شبيهة بأي شمس في مكان آخر، لذا تبدو الألوان مضيئة في لوحاتهم، وكانت عاملا فنيا ساعد على جمالية اللوحة. ذلك الضوء المحير على وجوه نساء دولاكروا يجعلهن مشرقات رغم وجودهن داخل غرفة من غرف القصبة ذات النوافذ الصغيرة الجانبية المتماشية مع تقاليد مجتمع محافظ. إن هذا الغموض الفني هو ما روج لتحفة الفنان الفرنسي الذي كانت نساء الجزائر بملامحهن البربرية والموريسكية وأثوابهن وتفاصيل حياتهن السر الحقيقي في روعة ما رسمه دولاكروا.