كتاب استثنائي مادة نوعية جديدة يقدمها "كتاب العربي" الذي يعرض لنا عشرات اللوحات العالمية بتقديم وتحليل موجز للناقد الفنان اللبناني عبود عطية. وذلك من واقع المقالات الشهرية التي كتبها الناقد بمجلة العربي منذ عام 2002 ولاقت استحسانا وقبولا لدى القارئ العربي على مدى السنوات السابقة، ومن هنا قررت إدارة "العربي" أن تهدي قراءها هذا المعرض الفني تحت عنوان "معرض العربي" حيث يقدم عطية لوحة فنية مختارة أو أكثر لأحد الفنانين العالميين المرموقين ومعها إشارة تعريفية مكثفة بالفنان الذي قام برسمها. سنلتقي في هذا الكتاب، أول ما نلتقي، بلوحة "الممرضة النبيهة" لجان باتيست شاردان، وفيها نرى ممرضة تحضر طعام أحد المرضى على ما يبدو، ونلاحظ كما يرى الناقد البساطة القصوى في محتويات الغرفة التي تقف فيها الممرضة. وقد عرضت هذه اللوحة للمرة الأولى عام 1747 وسارع إلى شرائها أمير ليختشتاين، وبقيت ضمن ممتلكات أسرته وورثته حتى العام 1952 تاريخ انتقالها إلى متحف الناشيونال جاليري في واشنطن. وتمر علينا صورة إميل زولا التي رسمها إدوار مانيه عام 1868 حيث برز اهتمام الفنان بصور الناس المعاصرين التي كانت أفضل تعبير وأصدقه عن موهبته وشخصية أعماله ككل. ومن خلال سرد عبود نعرف سر رسم هذه اللوحة البديعة للكاتب إميل زولا، كما نقرأ تفكيكا لرموز تلك اللوحة. ومن أعمال رمبرانت نلتقي مع لوحة "السيدة حاملة الريشة" التي رسمها الفنان في أواخر عمره، ونرى فيها منطق الألوان الذي ساد أعماله وقد صار توقيعا خاصا به، الأسود، البني الداكن، والبرتقالي الدافئ، والقليل من الأبيض الذي يروي اللوحة كاملة. وفي مقال "ثلاث قارئات" نلتقي مع ثلاثة مبدعين: ماتيس وفراجونار وموريزو، حيث يصبح الفعل الواحد (القراءة) ذا أوجه عدة ومختلفة لا تمت إلى بعضها بصلة، فهناك ثلاث نساء قارئات في ثلاث لوحات من ثلاثة عصور مختلفة، ولكن لم يعرض لنا "كتاب العربي" سوى لوحة واحدة فقط هي لوحة كوانتان ماتسيس، ولكي تكتمل متعة قراءة هذا المقال لا بد من العودة إلى العدد 563 من مجلة "العربي" الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2005 والذي أتصور أنه عرض اللوحات الثلاثة. ومع ليوناردو دافنشي نلتقي بصورة جنيفرا دي بنشي التي بيعت في العام 1967 بمبلغ 26,5 مليون فرنك فرنسي (وهو رقم قياسي تاريخي آنذاك). ويبدو أنه كان هناك شك ما حول نسبة هذه اللوحة إلى دافنشي، حيث يقول عبود عطية: أجمع الخبراء على أنها تعود من دون شك إلى أستاذ النهضة الإيطالية ليوناردو دافنشي (1452 1519) فكيف تم التأكد من ذلك دون أي اعتراض يذكر؟ صورة جنيفرا دي بنشي المنسوبة لدافنشي ويفند عطية بعض الأقاويل والردود والآراء مثل تقنية رسم الوجه، وهذا الانتقال اللطيف ما بين الضوء والظل في تقاسيمه الذي يكاد يكون توقيعا خاصا بهذا الفنان دون غيره. فضلا عن التحاليل المخبرية الحديثة التي أكدت إنتاج هذه اللوحة في عصر دافنشي، وغير ذلك من الأسباب. وهكذا نجد أن لكل لوحة حكاية وتاريخا فنيا، ولكل فنان بصمته ورؤيته وألوانه وخطوطه، وهو ما يجعل كتاب "معرض العربي" كتابا اسثنائيا في سلسلة "كتاب العربي" التي انطلقت عام 1984 بكتاب "الحرية" للدكتور أحمد زكي أول رئيس تحرير للمجلة. وقد تم اختيار لوحة "العالمة" للألماني ناتانايل سيشل لتكون لوحة غلاف الكتاب، وهي لوحة يقول عنها عبود عطية إنها "تمثل نموذجا معبرا عما يمكن لفنان أن ينجزه بالاعتماد فقط على قدرته الذاتية وذوقه وخياله وثقافته العامة، بعيدا عن الواقع المرئي والمعيش". و"العالمة" هنا ليس من العِلم، ولكنها المرأة التي تعتاش من الغناء والرقص في حفلات الأفراح والمناسبات، وقد عرف الأوربيون "العوالم" من خلال كتابات بعض المستشرقين. ويتوقع عبود عطية أن الرسام الألماني لم ير عالمة حقيقية في حياته وأن اللوحة من بنات خياله، ويحلل ذلك بقوله إن الآلة الموسيقية (الجنك) التي تعزف عليها العالمة هي آلة الصالونات الأوروبية، وليست أبدا من آلات عوالم الأفراح والمناسبات، وكأنه يريد أن يقول إن الآلة ليست من آلات شارع محمد علي بالقاهرة، وهو الشارع الذي كان يجمع "عوالم" القاهرة في زمن فات. ويدقق الناقد في الزخارف الوردية المستوحاة من زهرة اللوتس والتي تزين قماش ثوب المرأة، لافتا إلى أنها هي نفسها على الجزء الخشبي من الجنك، وأن زخارف السجادة تتكرر داكنة حتى السواد على الجدار، وغطاء الرأس يتخذ الشكل نفسه عند المرأة وعند أبوالهول الصغير في الجنك. وإلى جانب لوحة "العالمة" سنجد لوحات "الحيوانات البحرية" لهنري ماتيس، و"الغابة الاستوائية" لهنري روسو، و"تمارين الباليه" لإدغار ديغا، ولوحات أخرى لجويا، وبول سيزان، وكارافاجيو "قارئة الأخبار الجميلة"، وبيتر دي هوك "فناء بيت هولندي"، وروبنز ولوحته "ديبوراكيب وأولادها"، ورينوار و"الجسر الجديد"، ورافاييل و"صورة بيندو التوفيتي"، وبيكاسو وصورته الذاتية، وغير ذلك من لوحات وفنانين، يقوم الناقد عبود عطية من خلال رؤية عربية بتقديمها لنا. إن عبود عطية يرى ويدقق ويحلل ويلفت انتباهنا إلى أشياء ومنمنمات وتفاصيل وألوان وزخارف قد تغيب للوهلة الأولى عن أنظار المشاهد والناظر للوحة، ما يجعل القارئ والمتفاعل مع المقال والكتاب أكثر استمتاعا به. فالكتاب ليس مجرد لوحات ومقالات عنها، وإنما هو تاريخ فني وثقافي، أو كما يقول د. سليمان العسكري رئيس تحرير مجلة "العربي" "إنه يعد متحفا فنيا مصغرا وسجلا توثيقيا نقديا ومعرفيا لعدد من أبرز وأشهر اللوحات الفنية لكبار الفنانين الغربيين في العالم". إن "معرض العربي" يسهم في تربية ذائقة فنية لمن ينشد تربية فنية رفيعة المستوى، وعليه اقترح تدريس مادة هذا الكتاب "معرض العربي" الصادر في أبريل/نيسان 2011 على أبنائنا في المدارس والجامعات ليعرفوا كيفية قراءة اللوحة وكيفية التفاعل معها، فضلا عن معرفة تاريخ عدد من الفنانين العظماء في تاريخ الفن التشكيلي العالمي، ومدارسه العالمية من خلال تحليل اللوحة وقراءتها وفك شفراتها اللونية والجسدية أو التشريحية. ميدل ايست أونلاين