الأمر الواقع هو إن الميزانية سقطت وتوفت إلى رحمة مولاها قبل أن تخرج من المجلس الوطني إلى غرفة الإنعاش . صحيح ، المجلس الوطني أجازها بالأغلبية الساحقة فعلاً، ولكنه في الواقع اجاز جثة هامدة لا تقوى على تغطية احتياجات ما يسيَر جهاز الدولة، ناهيك عن رفع المعاناة عن الجماهير أو عمل تنمية في البلاد صناعية كانت أو زراعية أو تقديم الخدمات الضرورية لمعيشة المواطن اليومية. والدلائل التي لا حصر لها تخرص أصوات السلطة ونوابها وتفقأ أعينهم التي لا تنظر أبعد من مصالحهم الذاتية. فسعر الصرف في ارتفاع يومي حتى بعد اجازة الموازنة وسيصل إلى عشرة جنيهات للدولار قبل منتصف الشهر القادم حسب المعلومات الرسمية من بعض المتنفذين في النظام والتضخم سيتجاوز ال(22%) التي ذكرها وزير المالية في خطابه أمام المجلس وكذبه تقرير المراجع العام الذي أكد إن التضخم (60%) في نهاية العام 2012 . ولهذا نؤكد أن الموازنة بنيت على أرقام غير أصيلة، ولهذا ستكون النتيجة الحتمية لذلك الفشل التام ولهذا طلب بعض النواب وعلي رأسهم وزير المالية وبعض رؤساء اللجان في المجلس الوطني أن يعاد النظر في بعض البنود في الموازنة بإدخال تعديلات عليها. بل ذهب نافع علي نافع نائب رئيس الحزب الحاكم إلى أبعد من ذلك مطالباً بمراجعة البرنامج الاقتصادي للدولة بأكمله ، وهيا يعني ليس فشل البرنامج الثلاثي أو الموازنة وحسب بل فشل نظام الرأسمالية الطفيلية في حل الأزمة الشاملة للبلاد التي تكاد تطيع بالنظام نفسه. وذهب اتحاد العمال الحكومي بعيدا عندما ذكر أن وزير المالية يقود البلاد إلى التهلكة وليس هذا مستغرباً بأن وزير المالية أكد أنه من المستحيل إزالة التجنيب، رغم أن المراجع العام بل والمجلس الوطني نفسه قد طالبوا بأن التجنيب يجب أن يحرم لأنه تسبب في اضرار اقتصادية بالغة. وماذا بقى لهذا النظام من قيادة مالية واقتصادية عندما يقول وزير ماليته بكل هذا الاصرار على عدم التجنيب. ويتحول بنك السودان إلى مضارب في سوق النقد الأجنبي ويحول السيولة والاحتياطي النقدي لشراء الذهب ويخسر في نهاية المطاف(22) مليار جنيهاً كفرق تحويل وعمولات خلال هذا العام. وصار بذلك الفعل أحد الأسباب الآساسية في تزايد اتساع الفرق بين سعر الصرف الرسمي للدولار والسعر الموازي. وهذا هو أحد الأسباب الأساسية في انسحاب بنك السودان من المضاربة في سوق الذهب، تاركاً العاملين فيه مكشوفين وعارين في الخلاء يقاسون مر المعاناة. ماهو خطير حقاً إن موازنة 2013 وضعت الذهب بديلاً للبترول كأحد خياراتها لسد العجز ورفع التضخم وأصبح هو عصاة العز التي تهز بها وتتوكأ عليها الانقاذ. ولكن تكسرت بكل أسف ، وهذا ما جعلنا نقول أن المجلس اجاز جثة هامدة. وأصبحت السلطة أمام خيارين لا بديل لهما. زيادة الضرائب والجبايات والحرص على تحصيلها بكل الأساليب الغير إنسانية مثل دمج الماء مع فاتورة الكهرباء قسراً لإجبار المواطن على الدفع أوالموت عطشاً . ولم تقف المعاناة عند حد الأكل والماء بل تختها إلى الخدمات، كل الخدمات وعلى رأسها الصحة والعلاج. ووصل الحال حداً مأساوياً فمن كان يتوقع وبعد(57) عاماً من استقلال السودان وقرابة ربع قرن من حكم الانقاذ أن تخصخص المستشفيات. ويتم تأجير مستشفى البقعة التخصصي لشركة بروقرس ثم تقوم الشركة المذكورة بتأجيرها من الباطن إلى شركة أخرى تسمى سابينا. فتراكمت الديون عليها ووصلت مديونيتها لمستشقى امدرمان مليار جنيها وخمسمائة ألف جنيها. وأكد المدير العام لمستشفى المدرمان التعليمي بأن هناك جهات بالدولة وراء ما حدث(راجع الانتباهة 17/12/2012). ولهذا هدد مدير مستشفى امدرمان بإغلاق المستشفى في حال عدم إلتزام وزارتي المالية والصحة بعدم توفير المال اللازم.رغم كل هذا لم تكترث وزارة المالية ولم تضع في موازنة 2013 الأموال المناسبة لتسيير المستشفى ووضع أكبر مدن السودان في حالة مأسوية للغاية خاصة بعد إغلاق مستشفي أم بدة وبعد خفض ميزانية الحوادث من 650 مليون جنيها إلى 250 مليون جنيهاً في الشهر. رغم الزيادة المضطردة في عدد المشردين الذي فاق ال(150) ألف عامل، وبعد اجازة الموازنة 2013 تم تشريد(2500)عاملاً من هيئة الطيران المدني والعديد غيرهم من المؤسسات الأخرى، ناهيك عن ما يجري دون ضوضاء في ما تبقى من مؤسسات القطاع الخاص. ولم تشر الموازنة الحالية إلى أية زيادة في المرتبات والأجور، بل هدد وزير المالية للبرلمان نفسه بأن الإصرار على ذلك يعني فرض رسوم جديدة على المحروقات. وفي الواقع نقد الوزير الحالتين . فلا زاد المرتبات ولم يوقف المطالبة بزيادة المحروقات التي اجازها البرلمان. أبشع من ذلك وصل سوء الحال أن يعلن تجار السوق الكبير بمدينة ودمدني إنهم أدوا القسم على الموت داخل محلاتهم لمنع السلطة من إزالتها قسراً وتحويلها إلى أبراج وشركات خاصة لأثرياء الرأسمالية الطفيلية . لقد قدمنا في هذه الصحيفة مئات البدائل التي تساعد في رفع المعاناة عن الشعب وتسهم في التنمية الزراعية والصناعية والخدمات وتعيد الاقتصاد إلى أفضل مما كان عليه. لقد أعلن الحزب الشيوعي منذ دخولهم المجلس الوطني بعد اتفاقية السلام الشامل . رأيهم في أول موازنة بعد الاتفاقية وهي موازنة 2006م. ذكرنا منذ ذلك الوقت، إن ميزانية 2006 هو مشروع موازنة لأول ميزانية بعد التوقيع على اتفاق السلام واتفاق القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي . غير أن مشروع الموازنة المطروح أمامنا ينبغي أن يحمل في طياته جوهر تلك الاتفاقيات ويسهم في خلق الأرضية الملائمة للتحولات الكبرى التي طال انتظار جماهير شعبنا لها. في مقدمة هذه القضايا التحول الديمقراطي في كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الميزانيات السابقة لهذه الميزانية لعبت دوراً كبيراً في تعميق حدة التفاوت بين الشرائح اللاجتماعية المختلفة وكرست الفقر ووسعت دائرته كما نؤكد إحصائياتها الرسمية. إن إطفاء نور التوتر الاجتماعي يبدأ بتخفيف معاناة الأغلبية الساحقة من الجماهير في المدن والأرياف وخلق الشروط الملائمة لتمكينهم من الحصول على الغذاء والعلاج والتعليم دونما عنت ومشقة ويشكل ذلك أحد أركان التحول الديمقراطي الذي ناضلنا سنين من أجل جعله واقعاً ملموساً، نحن نقف ضد موازنة 2006 لأنها سارت على ذلك النهج القديم: تحرير الاقتصاد، الخصخصة، التجنيب للأموال ، الفساد ،الاعفاء الضريبي، وهيكلة أسبقيات الموازنة ليكون أغلب صرفها على القطاع الأمني والسيادي والجيش والشرطة. وهذا يؤدي إلى إستقطاب الثروة والسلطة في يد حفنة أو شريحة من المجتمع يتواصل صغر حجمها مع مرور السنين ومع مزيد من تراكم ثرواتها( راجع كتيب ( الهيئة البرلمانية للحزب الشيوعي – رأيها في موازنة 2006م) غير أن نظام الرأسمالية الطفيلية المتدثر بالإسلام زوراً، يعملون عن قصد ومع سبق الإصرار كل البدائل التي قدمتها مختلف القوى الوطنية الحادبة على مصالح الوطن والشعب . وهذا ديدنهم منذ توليهم السلطة بقوة السلاح وحتى يومنا هذا .ولهذا ، فإننا في الحزب الشيوعي السوداني ، نقولها بكل الصراحة والوضوح والجدية ، إننا نعمل بكل ما تيسر لنا من قدرات لإسقاط هذا النظام . وليس هذا سراً أو خافياً على أحد. ونؤكد أننا مع جماهير شعبنا ، سنفعل ذلك، ليس عبر الانقلاب العسكري ،بل عبر تجميع أكبر جبهة واسعة من جماهير شعبنا في كافة انحاء البلاد ، كل الذين ذاقوا الأمرين في ظل هذا النظام ، ليخرجوا للشارع ، أو بالإضراب السياسي أوالعصيان المدني ، أو الانتفاضة الشعبية، مستفيدين من كل التجارب السابقة في اكتوبر ومارس ابريل المجيدة وتجارب شعوب العالم العربي في انتفاضات الربيع بكل سلبياتها وايجابياتها. وهذا سيحدث حتماً، بإرادة الشعوب التي لا تقهر وهي الغالبة أبداً. الميدان