ما أن فتحت الخمسينية أم أحمد، جزائرية الجنسية، فمها أمام الطبيب، حتى ولول حزنا على حالتها: 'وضعك مأساوي يا حجة!! كيف ساكتة كل هالمدة على هالحال!! لو طولتي ما أجيتيني كان سنانك نزلو بأيدك!!!'. تملكها الرعب، من هول وصف الطبيب، لكن رعبها تضاعف حال معرفتها بكلفة العلاج. فقد أوصاها الطبيب في مركز الإسراء لطب الأسنان، بإجراء زراعة بواقع 20 زرعة، وتركيب 28 تاج بورسلان بكلفة 30 ألف دينار، وهو ما أكده تقريره الطبي الذي زود به أم أحمد وحصلنا على نسخة عنه. حَال من تصفهم أم أحمد 'بولاد الحلال' دون استكمال العلاج لدى المركز المذكور، بعد تحذيرها من 'مبالغة المركز في تشخيص حالتها وتقدير كلفة علاجها'. عرضنا تقرير المركز والمبلغ المطلوب على رئيس لجنة الأتعاب والأجور في نقابة أطباء الأسنان الاردنيين الدكتور عماد الزعبي، الذي أكد أن 'إجمالي الحد الأعلى لجميع الإجراءات الطبية المذكورة في التقرير، وفق لائحة أجور النقابة تبلغ نحو 13 ألف دينار، أي أن قيمة الزيادة على فاتورة المريضة بلغت 16.080 ألف دينار. حاولنا الاتصال بالمركز، والطبيب المُوقع على التقرير أكثر من مرة؛ لأخذ رده، كما بعثنا برسالة مكتوبة عبر الفاكس، لإدارة المستشفى الذي يتبع له المركز لمعرفة موقفها من تقرير الطبيب، لكننا لم نتلق أي رد. نتائج استطلاع رأي علّمي مُحكم أجري لصالح التحقيق، أشارت إلى أن 45.2 ' من المرضى تعرضوا لاستغلال مادي من قبل عيادات ومختبرات طبية. وأن 30.7 ' من المرضى تعرضوا لسمسرة علاجية، تقوم على تجيير مرضى بين الأطباء أنفسهم ومختبرات وسائقي تكسي مقابل عمولات مالية. يبلغ عدد أطباء القطاع الخاص في المملكة 4057 طبيباً، يعملون في 2866 عيادة خاصة، و61 مستشفى خاصا، فيما يبلغ عدد المختبرات الطبية الخاصة قرابة 400 مختبر. كشف هذا التحقيق، الذي ينشر على جزئين، وعبر رحلة بحث استمرت قرابة عام، جَشع بعض العيادات الطبية والمختبرات الخاصة، بزيادة أجورها مخالفةً بذلك لائحة الأجور الطيبة الصادرة عن نقابة الأطباء الأردنيين، علاوة على جلب مرضى بالاتفاق مع بعض سائقي التكاسي مقابل عمولة يدفعها لهم بعض الأطباء بعد اقتطاعها من جيوب المرضى بطريقة غير مباشرة، إضافة لإجراء فحوصات طبية، مخبرية، إشعاعية، وتداخلات جراحية، وصرف أدوية لا يحتاجها المرضى، تهدف فقط لتعظيم أرباحهم، وتبادل المنافع بين الأطباء، ما يضر بالمريض مادياً وصحياً، ويضع سمعة الخدمة الطبية الأردنية على المحك. يحدث هذا وسط ضعف رقابة ومتابعة وزارة الصحة، ونقابتي الأطباء وأطباء الأسنان لمخالفات من هذا النوع؛ إذ لم تتجاوز الشكاوى التي وصلت الوزارة بين الأعوام 2008-2012 ، 19 شكوى، غالبيتها تتعلق بمخالفة لائحة الأجور المعتمدة وبفروق وصلت في إحدى الحالات لأكثر من 20 ألف دينار. في حين كان أقصى إجراء اتخذته الوزارة بحق العيادات أو الأطباء المخالفين 'إعادة المبلغ الزائد'، أما نقابة الأطباء الأردنيين، فكان مجموع ما تلقته من شكاوى خلال آخر خمس سنوات 126 شكوى، حفظ أكثر من 80 منها وبنسبة بلغت 68 '. القدس العربي