كان ذلك في خمسينات القرن الماضي حينما ظهرت تلك الفتاة الفارعة البارعة الجمال والصوت في حلبة الغناء يزينها وقار وشلوخ متقنات على جانبي وجهها الوسيم ، إيذانا بقدوم موهبة ستملأ المكان والزمان. جاءت آمنه خير الله التي عرفت لاحقا ب (منى الخير) من براري الخرطوم مجيدة لغناء البنات والسباتة بموهبة لا تخطئها الأذن الفنانة والوجدان الطروب ولم يكن غريبا بعد ذلك أن تصبح نجمة بيوت الأفراح بلا منازع خاصة بعد إستقرارها في منطقة السجانة التي كانت تعج بالفنانين والملحنين تماثل في ذلك (حي العرب) في أمدرمان ، لذا لم يتردد الملحن البارع (خليل أحمد) في التعرف عليها حينما سمع ذلك الصوت الشجي الحنون ينبعث من إحدى بيوت الأفراح فأدرك أنه أمام موهبة حقيقية يوم كانت أبواب الفن مشرعة فقط أمام أصحاب المواهب الفعلية والأصوات الشجية . سأل عنها (خليل أحمد) فقالوا له إنها (منى الخير) بعدها تم التعارف بينهما وبدأ (خليل أحمد) في تدريب هذه الموهبة القادمة بقوة على طريقة أداء الأغاني الحديث التي لم يكن يربط بها سوى أغنية (مارأيت في الكون ياحبيبي أجمل منك) التي كانت تغنيها بالدلوكه . تعترف (منى الخير ) لاحقا في إحدى حواراتها الصحفية بأن (خليل أحمد) بذل معها مجهودا كبيرا حتى عجم عودها وأصبحت قادرة على الإنطلاق في ساحة الغناء الحديث والحق أن (خليل أحمد) عليه رحمة الله هو صاحب الفضل في تقديم منى الخير إلى الساحة الغنائية لا تخيب (منى الخير) لاحقا ظن معلمها وتبهر الجميع بصوت شجي حنون يتوغل إلى الدواخل بلا إستئذان صوت يجتمع فيه حنين القماري وبكاء الكمان فتغني لإسماعيل حسن من إلحان خليل أحمد(عشان هواك حبيت قمرية فوق الدوح) فتبهر الجميع ثم تغني من الحان الراحل (علاء الدين حمزه) أغنية (الحمام الزاجل) فتتفوق على نفسها ، إذ كان إدخال الوقفات هو أمر جديد على الأغنية السودانية وبعد ذلك كرّت المسبحة فتغنت للسر أحمد قدور بأغنية (أعملك أيه) وهي واحدة من أعذب الأغنيات التي غنتها حيث تتجلى فيها موهبة منى الخير بشكل كبير وفي أغنية (أمي) تغني غناء يستدر الدموع وتغني للشاعر (نعمان على الله) أغنية (من بعيد لبعيد) فيما حققت أغنيتها (الليله يانعومه) رواجا وصدى كبيرا خصوصا في أغاني الأفراح ومثلما لحنّ لها (خليل أحمد) فإن علاء الدين حمزه شكل معها أيضا ثنائيا رائعا وغنت كذلك الثنائيات أو ما يعرف اليوم ب (الدويتو) مع كبار الفنانين إضافة إلى الكثير من الأغاني التي هي حبيسة مكتبة الإذاعة وبفضل موهبتها وذكائها إستطاعت منى الخير أن تنافس من سبقوها مثل عائشة الفلاتية وفاطمه الحاج ومع التسليم بريادة عائشه الفلاتية لساحة الغناء النسائي في السودان لكونها أتت بما لم تأت به الأخريات ، إلا إن (منى الخير ) إستطاعت بموهبتها وذكائها أن تزاحم عائشه حتى بدتا في بعض الأوقات كفرسي رهان فلا تكاد تذكر عائشه إلا وتذكر معها منى ويكفي للتدليل على ذلك أن وردي رحمة الله عليه قال في إحدى الحوارات التلفزيونية أنه لم يأت بعد منى الخير صوت يستدعي التوقف عنده ظلت منى الخير مثالا للفنانة الخلوق شكلا ومضمونا تحترم فنها ومحبي فنها وظلت وفيه لأغاني البنات حتى بعد أن أصبحت مشهورة وكانت مثالا يحتذى في التعامل مع الأخرين. أصابها المرض لوقت ليس بالطويل ولزمت البيت ، كان ذلك في أوائل يناير عام 1980 ثم نقلت لاحقا إلى مستشفى الخرطوم لتفيض روحها الطيبة إلى بارئها في 26/1/1980 الذي يصادف اليوم ذكرى رحيلها ال 33 .إن مايؤسف له حقا أن ذكرى رحيل هذه الرائعة يمر مرور الكرام وكأن شيئا لم يكن حيث رفدت هذه الفنانة مكتبة الإذاعة باجمل الأغاني وأسعدت المشاعر والوجدان بحلو الأداء وكان حريا بالجهات الفنية والإعلامية أن تلتفت مجرد إلتفاتة لهذا الصوت الشجي بلمسة وفاء ، كتيب ذكريات ، تقييم لتجربتها الفنية ، أو على الأقل إحياء لذكراها الطيبة فلا زالت قمرية منى الخير تنوح على دوح الغناء تذكر بأن صوتا شجيا قد مر من هنا ترسل أشواقا من قلبها المكلوم [email protected]