تتواصل الاستعدادات في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق لممارسة ما عرف بالمشورة الشعبية، التي تعني أخذ رأي سكان الولايتين عبر مفوضية ينتخبها مجلساهما التشريعيان، حول اتفاقية السلام المبرمة بين الشمال والجنوب ومدى تحقيقها لتطلعاتهم. وتأتي هذه الاستعدادات وسط مخاوف من دخول هذه المناطق المعروفة بولايات التماس في حلقة جديدة من التوتر, إذا فشلت المشورة بتحقيق غايتها, وإذا تحقق انفصال جنوب السودان من خلال استفتاء تقرير المصير المقرر في يناير/كانون الثاني المقبل. ويأخذ المراقبون على إجراءات المشورة الشعبية العديد من الانتقادات، يأتي في مقدمتها اقتصار أمر التقرير بشأنها بين شريكيْ اتفاقية السلام الشامل حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، فضلا عن مشاكل في الإحصاء السكاني الذي تحددت بموجبه دوائر الانتخابات، وبالتالي تشكيل المجلسين النيابيين بالولايتين اللذين تنبثق منهما المفوضيتان المعنيتان بهذا الاستحقاق. كما تظهر مشكلات تتعلق بحقيقة تمثيل حكومات الولايات للشعب فضلا عن أعضاء البرلمان أو المفوضية، وذلك على خلفية اتهامات بتزوير الانتخابات. ولم تفلح زيارة قام بها قبل شهور سلفاكير ميارديت النائب الأول للرئيس السوداني ورئيس حكومة الجنوب إلى جنوب كردفان في تذليل العقبات بشكل نهائي يجنب ولايات التماس توترا محتملا. تأخير وهنا يقول وزير الصحة في الحكومة الاتحادية والقيادي بالحركة الشعبية الدكتور عبد الله تيه للجزيرة نت إن هناك تأخيرا غير مبرر في إعلان نتيجة الإحصاء السكاني والتجهيز للانتخابات بجنوب كردفان. ووصف المشورة بأنها آلية ديمقراطية مهمة للتعبير عن احتياجات الناس وتصحيح العلاقة بين المركز والولاية. وتحدث عن آليات وخطوات قال إنه من الضروري استنفادها قبل الوصول لمرحلة التحكيم, في حالة فشل المشورة في تحقيق طموحات سكان هذه المنطقة, مشيرا لدور مجالس الولايات والمفوضيات البرلمانية. وفي هذا السياق يشار إلى أن الاتفاقية تنص على استصحاب رأي الشعب دون أن تحدد ذلك الأمر الذي يرى فيه مراقبون عبارات فضفاضة لا معنى لها على أرض الواقع، مما يفتح الباب لاحتمالات توتر على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. نصوص غامضة وتعليقا على ذلك, يحذر رئيس الوزراء السوداني الأسبق الجزولي دفع الله من غموض بعض النصوص التي تحدد آلية المشورة, لكنه يشدد على أنها لا تعني حق تقرير المصير, وإنما تتعرض لنوع الحكم وترسم آليات تقاسم السلطة والثروة. كما يحذر دفع الله -في حديثه مع الجزيرة نت- مما سماه سوء النوايا في تفسير النصوص, وتوقع أن يتحقق الاستقرار لهذه المناطق في نهاية المطاف "بالحصول على نوع من الحكم المحلي ونصيب أوفر من السلطة والثروة". ورغم العقبات الموجودة على الأرض, فإن رئيس الوزراء الأسبق يرى أن السودانيين أصابهم الملل من الحروب، ووصلوا إلى قناعة مؤداها أنه "لا مجال للحل إلا من خلال التفاوض والحوار, وأن أي تحكيم أو تدخل دولي ستكون نتيجته الفشل". وبدوره أكد رئيس لجنة ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب عبد الله الصادق للجزيرة نت أن اللجنة انتهت من مهمتها على الورق, "وبقي التنفيذ على الأرض"، وأشار إلى أن رئاسة الجمهورية سوف تصدر توجيهات خلال أيام لوضع النقاط الحدودية, قائلا إن الأمور تسير بشكل جيد. الإحصاء السكاني ومن جهة ثانية، أقر مسؤول التعبئة الشعبية في المؤتمر الوطني الحاكم حاج ماجد بوجود عقبات في طريق المشورة، خاصة بجنوب كردفان التي تعثر فيها إجراء الانتخابات. كما قال إنه يجري حاليا تحليل بيانات التعداد السكاني بجنوب كردفان، تمهيدا للانتخابات التي ستعقبها إجراءات المشورة عبر المفوضيات البرلمانية. وتوقع حاج ماجد أن تتنازل السلطات الاتحادية عن بعض اختصاصاتها لصالح الحكومة المحلية, مشيرا إلى أن الانتخابات المرتقبة بجنوب كردفان هي التي ستحسم ذلك. وفي هذا السياق يرى عميد كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية في جامعة الخرطوم حسن الحاج علي أحمد أن الأمر لا يدعو للقلق، ويقول -في حديثه مع الجزيرة نت- إن "هناك آليات لم تستنفد بعد, والوقت كاف لمفاوضات بين الحكومة وسكان ولايات التماس, الذين يرون أن المشورة لا تلبي طموحاتهم". وأشار إلى أن منطقة مثل جنوب كردفان وما فيها من مناطق جبال النوبة عانت من التهميش فترات طويلة, وتتطلع إلى تصحيح تلك الاختلالات, مشددا على أن الحكومة يجب أن تكون أكثر جدية على هذا الصعيد. أما رئيس اتحاد عام قبائل المسيرية بجنوب كردفان محمد خاطر جمعة, فشدد في حديثه للجزيرة نت على التمسك بحدود 1956, معتبرا أنها الحل الذي يحفظ حقوق القبائل الرعوية العربية في هذه المنطقة. ومع اقتراب موعد الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، وما يصاحبه من مشورة شعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق, تبقى التطورات على الأرض هي الحكم والمحدد الأول والأخير لمستقبل السودان الجديد. فإذا تحقق انفصال الجنوب فقد يكون للمشورة الشعبية بولايات التماس مع الجنوب وجه آخر غير الوجه الذي جاءت به اتفاقية نيفاشا.