في أعقاب الثورات والتغييرات السياسية او الاجتماعية الكبرى غالبا ما تظهر مجموعة من الامور او التصرفات، لتعبر عن حجم ذلك التغيير الذي أصاب المجتمع مما ينعكس بشكل مباشر على سلوك الأفراد والجماعات، ففي مصر وبعد اندلاع ثورة 25 يناير برزت ظاهرة «الاحتجاج بالتعري العلني»، ومع ان تلك الظاهرة معروفة في أوروبا منذ العصور الوسطى كأسلوب للاعتراض السياسي، كما ان الجملة نفسها تستخدم في الثقافة الشعبية الدارجة لدى المصريين للتعبير عن الغضب او الضيق من أمر معين كأن يقول احدهم «اشق هدومي» او «اقلعلك ملط» اي اتجرد تماما من ملابسي، الا ان ظاهرة «الملط» أصبحت في الفترة الأخيرة احدث صرعات الاحتجاج على الأوضاع السياسية او الاقتصادية، وباتت فيما يبدو احدى وسائل الضغط لتحقيق المطالب الفئوية والخاصة، وتحولت مقولة الفيلسوف سقراط الشهيرة «تكلم حتى أراك» الى «اخلع ملابسك حتى أراك» لتعبر تماما عن واقع التظاهر والاعتراض في مصر. وايا كانت الأسباب التي تدفع الشخص للقيام بخلع ملابسه قطعة قطعة امام أعين الجميع، سواء اليأس من امر ما او الرغبة في الشهرة او التحرر من القيود، وفي ظل تزايد تلك الحوادث فيمكن القول ان ظاهرة «الزلط ملط» ربما تتحول الى ثقافة شعبية تنذر ببوادر انحلال اخلاقي في نسيج المجتمع المصري، ويتساوى في تلك الظاهرة الذكور والاناث، ومع ان المرأة بحكم تركيبتها الأنثوية المجبولة على الحياء هي الأكثر تحفظا من الرجل، الا انها ومع الأسف كان لها السبق في ابتكار ذلك الأسلوب الاحتجاجي، وكانت الاكثر تأثيرا واثارة للرأي العام عند القيام بالتعري، وفيما يلي نرصد ابرز حوادث التعري منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن. علياء المهدي كانت الطالبة الجامعية علياء المهدي اول فتاة مصرية تنشر صورها العارية في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت في اكتوبر 2011، وقد حققت تلك الصور ملايين المشاهدات واثارت ردود افعال متباينة في مصر والعالم العربي، وقد بررت المهدي (22) عاما فعلتها تلك قائلة «انها تحررت من حاجز نفسي بداخلها»، مضيفة «اثبت ان جسدي ليس فقط اداة جنسية، واشعر اني افضل من قبل» واشارت الى انها تعرت دفاعا عن المرأة المصرية المضطهدة والتي ينظر اليها كأداة للجنس فقط على حسب قولها، اما حادثة تعريها الثانية والتي كانت اشد وقعا من الأولى فقد اقدمت المهدي في ديسمبر الماضي على خلع ملابسها بالكامل والتظاهر عارية مع اثنتين من الناشطات في السويد احتجاجا على مسودة الدستور المصري الجديد، وقد كتبت على جسدها العاري كلمة القرآن ولا للشريعة. لاعب يحتج وفي يونيو 2011 شهدت ساحة النادي الاولمبي المصري واقعة مؤسفة بطلها لاعب كرة القدم بالنادي اسلام شتا الذي قام بخلع ملابسه كاملة في حضور جميع الأعضاء احتجاجا منه على عدم قيده ضمن قائمة الفريق خلال فترة الانتقالات الشتوية الاستثنائية، كما وجه وابلا من السباب لمجلس الإدارة والقائمين عليه، وهو الأمر الذي دفع اعضاء النادي الى رفع مذكرة للإدارة العامة لاتخاذ الاجراءات اللازمة حيال تلك التصرفات التي تتنافى مع الأخلاق الرياضية. متسولة تتعرى وفي واقعة شديدة الغرابة فقد قامت متسولة في إحدى عربات المترو المخصصة للنساء بالقاهرة في ديسمبر 2011، بخلع ملابسها ما عدا بلوفر بالكاد يغطي عورتها، وبدأت تطلب من النساء المحيطات بها التصدق عليها، وهي تسرد لهم قصصا «من نسج خيالها» عن سبب تعريها، وحين واجهت النساء تلك المتسولة برد فعل سلبي وتجاهلن أمرها، أقدمت على خلع البلوفر الذي كان يستر عورتها، ما دفع إحدى السيدات الى تقديمها «بنطلون» كانت تحمله للمتسولة، لكن الفتاة العارية فاجأت الجميع برفضها ارتداءه، قائلة انها تعرت احتجاجا على سوء معاملة ضابط شرطة منعها من ممارسة التسول! أمام قصر الرئاسة وفي يونيو من العام الماضي قامت إحدى الفتيات بالتجرد من ملابسها أمام قصر الاتحادية (مقر الرئاسة) اعتراضا على رفض رجال الأمن السماح لها بمقابلة رئيس الجمهورية بدون موعد مسبق، على الرغم من أن الحرس سمح لوالدتها بمقابلته، كما قامت الفتاة بسب ضباط الحرس أمام أهالي شهداء ومصابي الثورة الذين قابلهم الرئيس في نفس اليوم، ورغم تلك الإساءات لم يتعرض لها احد بسوء. ملط وفاء بالوعد أما في اول رد فعل على «محاكمة القرن» وعقب اصدار الحكم على مبارك ونجليه والعادلي ومساعديه في قضايا قتل المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير، فقد قام احد المواطنين بالنزول الى ميدان التحرير عاريا «ملط» احتجاجا على تلك الأحكام التي صدت ضد المتهمين، وقد قام نشطاء حينها بنشر صورة المواطن على مواقع التواصل الاجتماعي واصفين اياه بأنه اول من يفي بالوعد الذي قطعه البعض على انفسهم بخلع ملابسهم في حال صدور أحكام مخففة على مبارك ومن معه. عري جماعي وفي احدى التظاهرات الفئوية نظم عمال شركة «النيل لحليج الأقطان» في اغسطس من العام الماضي وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء، اعتراضا على سياسات الشركة التي تتبعها نحوهم وتأخر صرف مستحقات العاملين فيها عدة شهور، واستهل العمال الوقفة بخلع ملابسهم في الشارع أمام المارة، تعبيرا منهم عن اعتراضهم على ما يحدث معهم من مسؤولي الشركة، إلا أن المارة استنكروا ذلك وضغطوا عليهم لارتداء الملابس فارتدوها مرة اخرى. تهديدات بالملط أما حالات التهديد بخلع الملابس فكثيرة جدا مارستها النخبة والعامة سواء لأهداف سياسية او فئوية خاصة، ومن اشهرها تلك الحملة التي اطلقتها مجموعة من المصريات دفاعا عن الإعلامي المثير للجدل توفيق عكاشة، حيث هددن بالتظاهر عاريات «ملط» في حال لم يتم الإفراج عن عكاشة عقب التحقيق معه في قضايا خاصة بقناته الفضائية «الفراعين». أما أحدث التهديدات ب «الملط» فكانت الأسبوع الماضي حيث هددت مجموعة من الناشطات السياسيات بخلع ملابسهن في ميدان التحرير والاعتصام به حتى رحيل الرئيس مرسى عن الحكم، واشارت إحداهن الى ان كل سيدات مصر سيتجردن من ملابسهن «ظلط ملط» لإجبار الرئيس الذي لم يف بأي من وعوده على التنحي عن الحكم. ميدل ايست اونلاين