الأخوان يحتاجون السلفيين ليحكموا باسم الإسلاميين دون منغصات. السلفيون يحتاجون الأخوان للتغطية على سمعتهم الملوثة في الغرب. زواج المصلحة لا يمكن أن يخفي جوهر التناقضات. بقلم: عبد الكريم رضا بن يخلف الذي يعرف الحركات الإسلامية جيدا يدرك التنافس الحاد الذي يقع بين مختلف جماعاتها وتياراتها، إلى حد التبديع والتخوين والتكفير وحتى استحلال الدم في بعض الأحيان، أقول هذا وأنا أنظر إلى الخريطة الجديدة للإسلاميين العرب، وميزان القوة الجديد بعد الربيع العربي، حيث يظهر أن التيار السلفي بفصيله السياسي، أو فصيله العلمي، أو فصيله الجهادي يكون الآن أكثر انتشارا من تيار الإخوان المسلمين سواء أكانوا منضوين تحت مظلة التنظيم العالمي، أو غير منضوين. لن نقف طويلا أمام ملاحظة هيمنة التيار السلفي على الساحة الإسلامية العربية، قد نبحث عن أسباب ذلك في موضع آخر، الذي يهمنا اليوم هو هذا التحول غير "الطبيعي"، من حيث المبادئ والإيديولوجية، في العلاقة بين تيار الإخوان وتيار السلفية، من التضاد إلى التعاون والتلاحم. السلفية ترى في كل أدبياتها، أن الإخوان المسلمين، هم الإخوان الشياطين مثلما يصرح بذلك الشيخ مقبل اليمني، وأنها رمز الفرق الضالة المبتدعة مثلما يعلن ذلك جهارا علماء السلفية المعاصرون أمثال الشيخ الألباني أو الشيخ أبو إسحق الحويني وغيرهما، يكفي أن تسأل أي سلفي، مهما علا أو دنا مقامه (على الأقل في مناطقنا الغربية من العالم العربي، من المغرب العربي) عن الإخواني، لكي يجيبك بدون تردد أنه ضال مضل مبتدع، الإخوان أيضا إلى أمد جد قريب، يرون أن السلفية تنظيم مصنوع في مخابر الغرب لتمزيق الحركة الإسلامية وإضعافها وشرذمتها، وانها أخطر على الدين من كثير من التنظيمات اليسارية أو العلمانية. كنت أظن من قبل، أن استيلاء جيل من الإخوان المسلمين الذين درسوا بالغرب وعاشوا فيه، مثلما هو الحال بتونس وليبيا ومصر وحتى سوريا، سيعمق الاعتقاد بأن السلفية ستعيق قيام دولة ذات مرجعية إسلامية في ضل أحوال العالم الجديدة، سيما أن المثال التركي، الذي يعد مرجعية لكل إسلاميي الربيع العربي يخلو تقريبا تماما من التشريعات "الإسلامية" التي تعتبر قلب التحرك للحركات الإسلامية، لكن الواقع يظهر أنهم على العكس من "الإخوان الميدانيين"، الذين كانوا في المسجد في الصفوف الأولى في مواجهة التيار السلفي وتطرفاته، أيام التضييق السياسي عليهم، قد سارعوا للتقارب مع السلفيين، والسهر على الدفاع عن حقوقهم السياسية، علما أنهم سيكونون أول الضحايا إذا استولى هؤلاء عن السلطة، مثلما كان يردد الشيخ الغزالي باكيا في إحدى الندوات المنعقدة لدراسة المستقبل الإسلامي سنة 1990 بالجزائر: "إنني على يقين أننا سنكون أول المشنوقين لو استولى هؤلاء (السلفيون) على الحكم"، لا بد من التذكير أننا هنا لسنا ضد الحقوق السياسية لأي مواطن عربي، لكن ضد استعمال تلك الحقوق مطية لإلغائها تماما بعد سيطرتهم على السلطة. ما الأسباب الموضوعية إذن من هذا التقارب، والتفاهم الظرفي، الذي يبدو لكثير من الملاحظين والعارفين بالشؤون الإسلامية، علاقة غير طبيعية لتناقض الوسائل والأولويات، واستحالة ديمومتها حتى وإن وقعت؟ 1) من جانب الإخوان المسلمين: الإخوان المسلمون بدأوا يدركون أنهم لا يستطيعون ولن يستطيعوا أن يحققوا مغانم سياسية، دون غيرهم من الإسلاميين أو غير الإسلاميين. ففي الجزائر أو في تونس، حيث السلفية المنتشرة هنالك، هي السلفية "العلمية" بالنسبة للجزائر، والسلفية "الجهادية" بالنسبة لتونس، يعرف الإخوان هنالك أن السلفية هنالك لا يؤمنون بالعمل السياسي، بل يرونه "بدعة"، فهم بالنسبة للأستاذ الغنوشي في تونس، أو للأستاذ أبو جرة سلطاني بالجزائر، يريدان أن يغتنما الفرصة السانحة لكي يزيدوا من وعائهم الانتخابي لأي استحقاقات انتخابية مستقبلية، الأستاذ الغنوشي يعرف أكثر من غيرهم استحالة نهج السلفيين الجهاديين أو المتعاطفين معهم انتهاج السياسة والعملية الانتخابية، فهو بتصريحاته، الراغبة في تكوين هؤلاء لحزب سياسي، هي أكثر تصريحات تصب في خانة الدعاية السياسية لقواعد السلفية، منها اعتقادات راسخة في القلب، وأما في الجزائر، فالمناورة الغريبة التي أطلقها الأستاذ أبو جرة سلطاني من تأييده اعتماد حزب سلفي، ومساعدة تنظيم طلابي منضوي تحت الإخوان المسلمين، وهو الاتحاد العام الطلابي الحر، على تبني مؤتمرا للسلفيين الجزائريين بجامعة سيدي بلعباس الجزائرية، هذه الأحداث يمكننا وضعها في خانة التودد الانتخابي، ليس إلا. أما في مصر، فكلنا يعرف أنه لولا التفاف الإسلاميين في وحدة سياسية، يجد كل طرف مصلحته في ذلك، في الانتخابات الرئاسية، لما كانت النتائج لصالحهم في ظل انقسام الشارع المصري إلى نصفين. 2) من جانب السلفيين: لا بد أن السلفيين يدركون أن سمعتهم مع الغرب أولا ثم مع الشعوب العربية، ملطخة نوعا ما مع تواجد اسمهم مع كل الأعمال الإرهابية التي وقعت في العالم، من تنظيمات عالمية على شاكلة تنظيم القاعدة إلى التنظيمات المحلية الجهادية، لذلك كانوا بحاجة ملحة إلى البحث على عراب سياسي قريب من قناعاتهم، ومساعد فكري لتحقيق أهدافهم السياسية، وإنجاح عملية التجميل السياسية المرغوب فيها، لكي لا يفوتهم القطار مثل غيرهم، وقد لوحظ في الكثير من المرات أن تواجد قيادات سلفية، كانت بالأمس القريب قيادات إخوانية، قد ساهم في هذا التقارب السياسي الإستراتيجي، بقصد أو بغير قصد؟ هذا أمر آخر. على كل حال، لا يمكن لهذا التحالف أن يستمر، لأنه ببساطة غير طبيعي، إيديولوجيا أولا، ومبني على تناقضات جوهرية ثانيا، وثالثا لأن الأجندات السياسية لهما ولعرابيهما مختلفة إلى حد التضاد، ورابعا لأنه بين قواعدهما الكثير من الضغائن والحساسيات لإنجاح مثل هذا المشروع، وخامسا وأخيرا، لأن الربيع العربي بحد ذاته (على نظرية أنه مفتعل)، من أهدافه المتوسطة المدى إزالة خطر الإسلاميين والحد من خطرهم بالنسبة للغرب ولمصالحه، عبر التشويه والتحجيم والتوريط. عبد الكريم رضا بن يخلف كاتب صحفي [email protected]