لوس أنجليس - ليليانا مارتينيث سكاربيلليني - اعتادت هوليوود ألا تترك شيئا للظروف في تناولها لموضوع ما، حيث تحرص على معالجته من كافة جوانبه، بل إن المخرجين هناك قد يقدمون نفس القصة بأكثر من معالجة، كما يمكن تقديم محاكاة ساخرة لأكثر القصص درامية وجدية. وفيما يختص بالحكايات الخرافية وتراث الشعوب الفلكلوري، فقد كان له حظ وافر في التناول على الشاشة منذ السينما الصامتة وصولا إلى مرحلة الأفلام ثلاثية الأبعاد. وتعتبر المعالجة الجديدة لقصة "حبة الفاصوليا العجيبة" الفلكلورية الخيالية والتي يتم تقديمها للسينما تحت عنوان "جاك قاتل العملاق" خير دليل على هذا التوجه التقليدي الهوليوودي الممتد. جدير بالذكر أن هوليوود قدمت معالجات سينمائية لعدد لا حصر له من قصص الأطفال الشعبية الفلكلورية التي تصلح للسرد في كل زمان، ومع تقدم التكنولوجيا، يزداد الإبهار في المعالجات الجديدة، مثلما رأينا في آخر نسخة من "سندريلا" و"بيضاء الثلج" أو "سنووايت"، و"هانزل وجريتل وبيت الحلوى" وغيرها كثير، يساعد على ذلك تقد تقنيات العرض من خلال شاشات ثلاثية الأبعاد أو الIMAX. ولهذا يعتبر تراث الحكايات الخرافية الذي دونه كتاب مثل هانز كريستيان أندرسن والأخوان جريم، معين لا ينضب ومنجم ذهب لا ينفد بالنسبة لهوليوود. بعد انقضاء موسم الأوسكار ومعه نوعية الأفلام التي تبحث عن الجوائز، يبدأ موسم الأفلام التي تبحث عن الترفيه والتسلية بصورة بحتة، ومن بينها هذا العمل، الذي تكاد قصته تكون مجهولة تماما بالنسبة للأجيال الجديدة. وبالرغم من ورود إشارة لقصة "الفاصوليا العجيبة" في فيلم "القط ذو الحذاء" بطولة أنطونيو بانديراس وسلمى حايك، إلا أن هذه المعالجة مختلفة تماما. يشار إلى أن قصة "الفاصوليا العجيبة" منسوبة من باب الخطأ الشائع للأديب الدنماركي هانز كريستيان أندرسن ( القرن الثامن عشر ) فيما تشير الدراسات والأبحاث إلى أن القصة لها جذور هندية وتعرف في الشرق بقصة "ناروتو وحبة الفاصوليا العجيبة". تتناول قصة أرملة فقيرة قالت لولدها الوحيد بعد رحيل والده: لم يبق لدينا سوى هذه البقرة فبعها ولما ذهب إلى السوق لبيعها اشتراها منه ساحر وبدلا من أن يعطيه نقود أعطاه ثلاث حبات فاصوليا، لما رأتها الأم حزنت جدا وشعرت بأن ولدها أضاع كل ما يملكون حتى البقرة، وألقت بالحبوب من النافذة، في اليوم التالي كبرت الحبوب ونمت بصورة سحرية عجيبة وأصبحت شجرة في غاية الضخامة فتسلقها الفتى ولما بلغ قمتها رأى قصرا من ذهب فاقترب ودق بابه، فخرجت له فتاة حسناء قالت له إنها زوجة الغول، وحذرته إن عاد ورآه فسوف يأكله، وخبأته في سرداب وبعد أن رجع الغول إلىالبيت قال: أشم رائحة طفل فنفت زوجته ذلك وبعد أن تناول وجبة الغداء نام وبعدها طلعالفتى من السرداب فرأى قيثارة من ذهب فأخذها ولما استيقظ الغول حاول مهاجمته ولكنه هرب منه ونزل من الشجرة وقطعها بسرعة قبل ان ينزل الغول وعاشوا بأمان وسلام. في سيناريو المعالجة الهوليوودية الذي أعدته دارين لوماك، نجد نفس فكرة حبات الفاصوليا ولكن هدف الشاب، الذي أطلق عليه جاك ويلعب دوره نيكولاس هولت، يصبح أكثر رومانسية، فنجده يسعى لإنقاذ أميرة مخطوفة من قبضة العملاق بعد أن يعثر على مخبأها إثر سلسلة من المغامرات والحوادث العجيبة. ويضم الفيلم وهو من إخراج برايان سنجر، بالإضافة إلى هولت كلا من إليانور توملينسون في دور الأميرة المخطوفة، وستانلي توشي في دور لورد رودريك، والنجم إيوان ماكجريجور في دور إيلمونت كبير حراس الخاصة الملكية الذي سيساعد جاك في معركته ضد العملاق. تم تصوير أحداث الفيلم بالكامل في مواقع تصوير بريطانية، كم تم اختيار الأبطال الرئيسيين والمجاميع من أصول بريطانية لإضفاء المزيد من المصداقية والواقعية على تفاصيل العمل وكذلك سعيا لإبداء المزيد من التقدير للتراث الفلكلوري الإنجليزي. بدأ سنجر تصوير الفيلم في نيسان /أبريل عام 2011 في غابات كوليفورد (Coleford)، وهو نفس الموقع الذي استخدمته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) لتصوير مسلسلات "دكتور هو" و "ميرلين". وبالرغم من ضخامة انتاج العمل الذي أنفقت عليه استديوهات وارنر براذرز بسخاء، حرصت الشركة على تأجيل تاريخ طرح الفيلم للعرض في دور السينما لتجنب الدخول في منافسة مع أفلام موسم الأوسكار وغيرها من الأعمال السابقة مثل أحدث أفلام سلسلة باتمان "عودة فارس الظلام" للمخرج الكبير كريستوفر نولان، ثم فيلم "الهوبيت" لبيتر جاكسون، والذي يتشارك مع فيلم سنجر العديد من الملامح الفانتازية ومشاهد الغابات والأدغال الكثيفة. ومن المقرر طرح فيلم "جاك قاتل الوحش" في نسخة ثلاثية الأبعاد، ستعمل على إبراز المؤثرات السمعية والبصرية المبهرة التي حرص صناع الفيلم على التركيز عليها، وهو ما يعد من ضمن الأسباب التي أخرت طرح الفيلم للعرض. يذكر أن الجانب التقني في الفيلم تطلب ميزانية خاصة كما كلف المخرج جهدا مضاعفا حتى حصل على النتيجة المرجوة. الجديد في هذه المعالجة وأحد أبرز عوامل الجذب أن الفيلم لا يقدم أميرة بالمفهوم التقليدي للبطلة الحسناء، وفي هذا الإطار تقول إليانور توملينسن "حاولت تقديم شخصية جريئة تتمتع بقدرات خاصة على كسر القواعد وتحطيم البرتوكولات. جدير بالذكر أن إليانور شاركت في النسخة التي أخرجها تيم برتون لقصة "أليس في بلاد العجائب" ومن ثم أصبحت تستوعب أسلوب العمل في الاستوديوهات الكبرى. يشار إلى أن الكاتب الدنماركي المنسوبة إليه القصة هانز كريستيان أندرسن (1805-1875) كان يقول في معرض توضيحه لمضمون قصصه: "حكاياتي الخرافية هي للكبار كما هي للصغار في الوقت نفسه، فالأطفال يفهمون السطحي منها، بينما الناضجون يتعرفون على مقاصدها ويدركون فحواها. وليس هناك إلا مقدار من السذاجة فيها، أما المزاح والدعابة فليست إلا ملحا لها"، ويضيف الكاتب: "والراوي يجب ان يسمع صوته من خلال الأسلوب، واللغة يجب أن تقترب من الشفاهة. القص هو للأطفال ولكن الكبار يجب أن يصيبهم نصيب من المتعة أيضا". تدرك هوليوود هذا المعنى وأن أندرسن يكتب لذلك الطفل الكامن في أعماقنا، ولذا تحرص على تقديم القصص الخرافية بصورة مبهرة تتلاءم مع الخيال الذي كان يسعى لتصويره من خلال أعماله القصصية الثلاثة والعشرين المليئة بالتشويق والإثارة والمتعة، مدركة أن هذا الاستثمار سيحقق لها أربحا طائلة نظرا لقدرة هذه الأعمال على جذب جمهور من مختلف الفئات والمراحل العمرية.