لم يعد هنالك اختلاف كبير بين صيوانات الافراح والاتراح الا الزينة، فقد اصبحت صيوانات البكاء تزدان بالكراسي الفاخرة والمكيفات المتحركة، وبات البعض يستجلب طاقماً من الصفرجية وموظفي الخدمات لاستقبال وخدمة الضيوف وتوزيع الاكل والشرب التى يهتم بها اهل المتوفى قبل دفنه، فلم يعد التمييز بين البكاء والزواج الا في رفع الايدي لقراءة الفاتحة او بتعالي بعض الاصوات النسائية بالبكاء بين الحين والآخر. رحتى دلالات الاسماء اخذت في التغيير، فمثلاً في السابق كان يطلق عليها بيوت الفراش وتجاوزتها الى بيت البكاء ثم بيوت العزاء، لأن تسمية بيت الفراش كانت دلالة على افتراش الارض عندما كانت توضع السباتات المصنوعة من «السعف» طوال الاربعين يوما التى تراجعت ايامها الى اسبوعين ثم اسبوع وثلاثة ايام الى يومين في الغالب حالياً، بينما يكتفي البعض بيوم واحد. وهناك مجموعة من الظواهر السالبة اخذت طريقها الى بيت البكاء، وتحدثت ل «الصحافة» عرفة الماحي عما يحدث في بيوت البكاء حالياً من تباهٍ وتظاهر لا يتماشى مع القيم والاخلاق والاعراف، مبينةً ما يحدث من بذخ فى المأكل والمشرب، وتحكي عما يحدث منذ وفاة الميت بأن الهم الاكبر صار هو تحضير ما يلزم الاكل، وليس أكلاً عادياً بل يشبه اكل الافراح الذي تعددت اصنافه، فى وقت كانت فيه وجبة بيت البكاء فى اليوم الاول على الجيران ومكونة من صحن واحد، اضافة الى البوبار بين النساء بالثياب الفاخرة والتحلى الحلي ووضع العطور النفاذة. وتقاطعها الاستاذة نجوى فرج الله معلقة بأنه لم يعد في القلوب ادنى حزن وتألم على فقد الاموات بخلاف ما كان في الزمن الماضي، عندما كان كل الاحباب والجيران يحزنون، وإن كان هناك بعض الايجابيات مثل اختفاء الاصرار على الحداد لفترة طويلة وبصورة مفرطة ومبالغ فيها، والبكاء بتوصيف الميت وتعديد محاسنه حتى ما لم تكن فيه.. وهناك نساء عرفن بذلك على مستوى العائلات، لدرجة ان البعض يسأل عن حضور فلانة وغيابها، ومن الناس من يحضر لسماع وصفها للميت، وهن متخصصات وقادرات على تحريك القلوب المتحجرة، وتقول كذلك إن مشاركة الحداد او البكاء على الميت كانت تبدأ بوضع الرماد على هامة الرأس والسير حافية القدمين، لكن الآن اختلفت الصورة، فالنساء يتجمعن وتتعالى اصواتهن بالضحك والحديث عن آخر الصيحات فى الملابس والاكسسوارات والحناء وتغيير اثاثات المنزل، ولا يضعن اى اعتبار لأهل المتوفى. وتحكي لنا الحاجة سكينة أن «طشت» من الرماد كان يوضع عند مدخل بيت البكاء، وكل امرأة داخلة يجب عليها ان تكشف رأسها وتضع كمية من الرماد فيه، وتحكي ان امرأة كانت تبدو مجاملة بعض الشيء شاركت احدى جاراتها فبكت وكالت الرماد على رأسها، ولكن عندما توفي اخوها جاءتها جارتها لتعزيها بدون ان تضع الرماد على رأسها، وهنا اقتادتها الى مكان الطشت وكشفت رأسها وكالت عليه الرماد. وقالت نحمد الله أن انتهت هذه المظاهر الجاهلية، لكنها رجعت وقالت إن ما يحدث الآن فى بيوت البكاء من بوبار ومظاهر سالبة لا يرضيها. وعن صيوانات العزاء يقول الشاب أسامة عثمان إن ثقافة العصر الحالي لا تتماشى مع الجلوس أرضاً، كما أن اختيار الكراسي المريحة وجلب المكيفات لا علاقة له بالترف إطلاقاً، وهو نوع من إكرام الضيوف وإنزالهم أحسن منزل. ولكن لم يفت عليه أن ينتقد المناقشات السياسية وأحاديث الرياضة، ووصف أولئك بالجالسين في المجالس فكرية أو منابر الرأي. الصحافة