أخيراً انتقلت عدوى الانشقاقات إلى حركة مناوي التي أصبحت خلال الأيام القليلة مثار حديث في الخرطوم حينما خرجت صحفها الموالية والمعارضة بخبر يفيد بتجميد عدد من قيادات حركة وجيش تحرير السودان الموقعة اتفاقا للسلام مع الحكومة بأبوجا صلاحيات رئيسها وهذا يعني انقلابا داخليا بأسلوب ناعم بعيداً عن قرقعة السلاح بين الرفاق. ورغم ان الانقلاب الداخلي عدد القائمون به عدداً من الاسباب التي قادتهم للقيام به إلا ان الخطوة وفي هذاالتوقيت اثارت الكثير من التساؤلات خاصة في ظل اعتصام مناوي بجوبا والتي قيل انه يحاول ان يجمع قادته العسكريين ورفاقه السابقين من أمثال أبو القاسم امام رئيس تحرير حركة السودان الأم المغضوب عليه ايضا من اجل العودة للمربع الاول مربع الحرب ولذلك فكان لابد من قطع الطريق امام مناوي من داخل حركته ومن مقربين سابقين بحجة حماية اتفاقية أبوجا التي لا يلتف إليها أحد إلا عندما يثور مناوي ويهدد بالعودة للحرب. فالانقلاب الداخلي ضد مناوي رغم انه فشل في ابعاد الرجل إلا انه كرس لانشقاق داخل الحركة وأصبح واقعاً معاشاً بخلق حركة سياسية جديدة يقودها علي حسين دوسة ربما بدعم من المؤتمر الوطني الذي اثاره مناوي بوضع شروط صعبة للعودة لمنصب كبير مساعدي الرئيس الذي يعلم الجميع ومن بينهم مناوي نفسه انه منصب شرفي لا يقدم بل يؤخر حلحلة أزمات دارفور. الواقع الجديد الذي خلقته حركة علي حسين دوسة التصحيحية لن تضر مناوي كثيرا لان الاسباب التي قادها المنشقون غير مقنعة حتى لشريكهم المؤتمر الوطني الذي يريد القضاء على مناوي عسكرياً وسياسياً بوسائل أكثر نجاعة من اسلوب الانقلاب، خاصة بعدما خاب رهانهم عليه بعد أبوجا لان سياسة لي الذراع اثبتت فشلها في مواجهة الرجل فالشريك الاكبر يصر على رهن مشاركة مناوي في السلطة الجديدة التي تمخضت بعد الانتخابات التي قاطعتها حركته بطي ملف الترتيبات الأمنية متخطيا بذلك باقي الملفات الأخرى المهمة وهذا في رأي الحركة ومناوي طمس الوجود العسكري للحركة وفق مزاج المؤتمر الوطني برغم ان الجميع يدرك أن الوجود العسكري للحركة يشكل الضامن الوحيد للمضي قدما في تنفيذ جوهر اتفاقية أبوجا ومصفوفاتها. فمناوي من خلال المناورة الجديدة ورفضه منصب كبير مساعدي الرئيس اثبت انه كان ذكيا ومدركا بنوايا وخفايا ما وراء الستار لذلك رفض الرضوخ والإذعان للشروط القهرية ونأى بجلده عن القصر الجمهوري والسلطة الانتقالية الصورية زاهدا عن الغانم وبريق عدسات الكاميرات ومتمسكا بكرامته وعزته والمبادئ الثورية كما يقول رفاقه الداعمون له بقوة ولذلك وجد التأييد من كافة العسكريين الذين رفضوا دعم حركة دوسة التصحيحية التي ستجد نفسها في محور الخرطوم فقط وليس في صحاري وتلال دارفور. السؤال الذي يطرح نفسه لماذا ثار مناوي على شركائه من اهل المؤتمر الوطني ولماذا الذهاب لجوبا وليس لصحاري وتلال دارفور حيث يوجد قواته ولماذا قام دوسة بالحركة التصحيحية ومن الذي يقف خلفه.؟ من الواضح ان هناك معطيات عديدة تضافرت وساعدت في استفحال الاوضاع وتباعد المواقف ما بين مناوي والخرطوم، خاصة بعدما اثبت الرجل زهده في السلطة ورفضه كل الإغراءات لتصفية جيشه وكشف ظهره امام شريك غير موثوق فيه ولذلك كان لابد من للبحث عن بدائل لهذا الواقع المحفوف بالشكوك، فالمؤتمر الوطني لديه اهداف خفية ونوايا مبيتة ليس ضد مناوي فقط وانما ضد جميع حركات دارفور الموقعة لاتفاقات السلام والرافضة وما وقع لجيش أبوالقاسم امام بغرب دارفور لخير دليل. فمناوي ايضا كان لابد له ان يبحث عن بدائل لمواجهة هذا الواقع المتشعب، خاصة وانه يدرك مدى شكوك شريكه فيه، ومدى خبث ودهاء هذا الشريك، ولذلك اختار جوبا بدلا من الميدان واختياره لجوبا هو السبب الرئيسي الذي أوعز لقيام المناوئين له بما اسموها بالحركة التصحيحية لانهم يدركون انه لن يعود من جوبا وان الساحة بالخرطوم خالية لهم باعتباره ان نائبه ليس له طموح للانقلاب عليه وان الانقلاب لابد أن يأتي من ذات البيب ومن نفس القبيلة ليكون مقنعا للجيش الذي يتكون معظم أفراده من الزغاوة. السبب الرئيسى للهواجس والشكوك بين المؤتمر الوطني وحركة مناوي هو عدم التزام المؤتمر الوطني بتنفيذ اتفاقية أبوجا التي استفرد بسببها بمناوي وحركته، فالحكومة تريد مناوي ولا تريد تنفيذ الاتفاقية ولاتريد تغيير الاوضاع على الارض بدارفور خاصة بعدما ادركت ان ابوجا لم تحقق لها اى انجاز بل ازدادت الاوضاع سوءا ولذلك اخضعت ابوجا للمناورة ولحسابات سياسية تكتيكية عند الشروع في التنفيذ وإنزالها على ارض الواقع لذلك اقترن الاتفاق بالمماطلة والتلكؤ والالتفاف حول بنوده وخاصة البنود الجوهرية التي تساهم في إحداث تغيير ملموس في هيكل الدولة ومؤسساتها الموروثة وهذا الواقع قاد مناوي لاتخاذ موقف صارم عندما نأى بنفسه من القصر الجمهوري ورفضه منصب كبير مساعدي الرئيس الأمر الذي اثار الهلع لدى منظري النظام وبرهن بقراره ذلك انه لم يكن مجرد قائد عسكري ميداني مغمور لم يدرس العلوم العسكرية بل أثبت انه سياسي بارع ومناور يعرف كيف يصيب الشريك في مقتل ويجعله يبحث عن طوق نجاة بحركة تصحيحية. فالسؤال المطروح هل يشعل مناوي الحرب في دارفور من جديد؟ لا أحد يمكنه الاجابة الان لا الحركة ولا مناوي ولكن كل التوقعات تشير الى احتمال العودة للمربع الاول مربع الحرب ولكن من الذي يبدأ هذا هو السؤال لكن الحكومة تتهم مناوي بالاستعداد للحرب من خلال استدعاء قادة جيشه لجوبا والميدان ورفضه الترتيبات الامنية واتصاله بالحركات غير الموقعة على السلام بأبوجا «حركة تحرير السودان بزعامة عبدالواحد والعدل والمساواة التي يقودها خليل ابراهيم والتنسيق مع ابوالقاسم امام الموجود ايضا بجوبا التي اصبحت محطة لكل قادة الحركات الدارفورية الغاضبة من الشريك الاكبر ولكن هل جوبا تسمح لمناوي بأي عمل عسكري ضد الخرطوم انطلاقا من أراضي الجنوب.؟ فالواقع ان الحرب بدارفور لم تنته بعد، فرغم محاولات الحكومة التقليل من تدهور الاوضاع الامنية إلا ان كل الحركات خاصة الرافضة للتوقيع تحاول بقدر الامكان أن توسع دائرة تأثيرها على الارض بالتمسك بمناطق نفوذها والتي تسميها بالاراضي المحررة وحركة مناوي ايضا لديها مواقع كثيرة تسيطر عليها خاصة في شمال دارفور وهي مناطق لم تتمكن الحكومة من استعادتها وانه في ظل التوتر الحالي فمن الصعب جدا مجرد التفكير في الدخول إليها لان ذلك سيقود لحرب جديدة. فالخرطوم تدرك واقع دارفور المعقد وتدرك مدى خطورة عودة مناوي للحرب ولذلك فقد أصبحت الترتيبات الامنية هي هاجسها الاول وحتى ان قادة الحركة التصحيحية ضد مناوي اعلنوا صراحة ان دافعهم للثورة ضده هو الهاجس الامني ورفض مناوي الترتيبات الامنية وهذا يعني انهم متفقون مع الشريك الاكبر في الخرطوم، فالواقع ان المجموعة المنشقة عن مناوي هدفها الاساسي المشاركة في السلطة وفقا لترتيبات اتفقوا عليها من المؤتمر الوطني ورفضها مناوي ولذلك تلاقت رؤاهم مع رؤى المؤتمر الوطني الذي اصبح يتفرج على مسرح حركة مناوي ويصفق لعلى حسين دوسة ومجموعته لعلهم ينفذوا له ما يريد بمعزل عن مناوي ولكن باسم حركته. ولكن يبدو ان الرجل استفاد من قراءته للواقع السوداني بعد اتفاقية ابوجا، الذي استطاع المؤتمر الوطني ان يشق الجميع، فكان اول الضحايا حزب الامة بقيادة الصادق المهدي الذي شقه مبارك الفاضل قبل أن يتخلص منه ويشق حزبه الأمة الاصلاح والتجديد الى اربعة احزاب جميعها مشاركة في الحكومة وثانيها الحركة الشعبية التي قاد الانشقاق فيها لام اكول وجورج تور وقبريال تونق وغيرهما ولذلك فان ما حصل لحركة مناوي كان متوقعا ولن يكون الاخير في سماء السودان ناهيك عن سماء دارفور. فما حصل لمناوي ربما يشكل بداية النهاية لاتفاقية ابوجا التي يبدو ان جميع موقعيها يريدون التخلص منها لانها لم تحقق لهم اهدافهم المرسومة، فمناوي ظل هاجس الخوف يسيطر عليه بعدما تلكأ الشريك في تنفيذ الاتفاقية ومصفوفاتها بعد مرور اكثر من خمس سنوات ونصف منذ توقيعها والخرطوم التي هدته ازمات دارفور تريد البحث عن بدائل لمناوي الذي وضح انه ليس اللاعب الوحيد في صحاري وسهول دارفور ولكن قبل ذلك لابد من ترتيب اوضاع حركته بالطريقة التي تضمن عدم عودتها للحرب وهذا الترتيب تطلب القيام بحركة تصحيحية وضع قادتها شروطا لمناوي طالبوها بتنفيذها خلال ساعات. الموقف الجديد الذي أظهره مناوي من جوبا يجب ألا ينظر إليه بانه ربما أراد به أن يلفت الأنظار إليه وإلى قضيته وهي قضية دارفور والتي عجز على مدى الفترة الماضية في حلها لاسباب عدة فهو هذه المرة لايقول للجميع "نحن هنا"، كما ظل يفعل في المرات السابقة لان عودته هذه المرة مرهونة بحلحلة قضايا عدة وهذا يتطلب من الشركاء القيام بعمليات جراحية كبيرة ليس لتجميل الوجوه بل لاستئصال كل الاورام التي تقود للعودة للمربع الاول، فحركة دوسة التصحيحية لن تحل ازمة الثقة بين الشريكين بل تزيدها اشتعالا. خاصة وان كل حركات دارفور الرافضة لابوجا ترى ان مكان مناوي بسهول وتلال وصحاري دارفور لا يزال شاغرا وانهم رهن إشارته. فهل يفعلها الرجل هذه المرة بعدما ذاق مرارة تصرفات شركائه الذين ضلوا طريقهم إليه عبر علي حسين دوسة.؟ بقلم : حامد إبراهيم حامد (كاتب من أسرة الراية) ..