بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالفيديو.. عودة تجار ملابس "القوقو" لمباشرة البيع بمنطقة شرق النيل بالخرطوم وشعارهم (البيع أبو الرخاء والجرد)    شاهد بالصور.. "سيدا" و"أمير القلوب" يخطفان الأضواء على مواقع التواصل السودانية والمصرية بلقطة جميلة والجمهور: (أفضل من أنجبتهم الكرة العربية)    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. حكم راية سوداني يترك المباراة ويقف أمام "حافظة" المياه ليشرب وسط سخرية الجمهور الحاضر بالإستاد    شاهد بالصورة والفيديو.. ناشطة سودانية حسناء: (بحسب قرار ترامب الجديد قد تُمنع من دخول أمريكا إذا كنت سمين أو ما بتنوم كويس)    شاهد بالفيديو.. مودل مصرية حسناء ترقص بأزياء "الجرتق" على طريقة العروس السودانية وتثير تفاعلا واسعا على مواقع التواصل    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    وقفة احتجاجية في أديلايد ولاية جنوب استراليا تنديداً بالابادة الجماعية والتطهير العرقي في الفاشر    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بالصور.. أشهرهم سميرة دنيا ومطربة مثيرة للجدل.. 3 فنانات سودانيات يحملن نفس الإسم "فاطمة إبراهيم"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    وزير المعادن: المرحلة المقبلة تتطلب رؤية استراتيجية شاملة تعزز استغلال الموارد المعدنية    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    إعفاء الأثاثات والأجهزة الكهربائية للعائدين من الخارج من الجمارك    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    صحف عالمية: تشكيل شرق أوسط جديد ليس سوى "أوهام"    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي السوداني أمير تاج السر: الرواية بيت شاسع يتسع لكل الفنون الكتابية
نشر في الراكوبة يوم 19 - 03 - 2013

أمير تاج السر، مبدع تدرج في مراقي الكتابة ليصبح أسيرا للرواية، بدأ شاعرا يكتب بالعامية قصائد تغنى بها المغنون، وكان يطبع نصوصه بنفسه ويوزعها على أصدقائه ممن أصابتهم لوثة الشعر، واستمر معه الشعر بتمثلاته المختلفة إلى حدود 1985، حيث نضجت نصوصه الشعرية، وبدأ شعره ينشر في كبريات المجلات الأدبية.
وتوج مساره بديوان شعري 'أحزان كبيرة'، لكنه سيفاجئ الجميع حينما سيصدر روايته الأولى 'كرمكول' سنة 1987، تلك الرواية التي كلفته رهن ساعته النفيسة، ويبرر الكاتب انتقاله من الشعر إلى الرواية باعتباره مصادفة محضة، أي أنه لم يخطط لكي يصبح روائيا، حيث لاحظ أصدقاء المبدع أنه يكتب بنفس سردي عميق، ليرتحل الكاتب إلى بيت الرواية ويقيم فيه، لكن الكاتب سيتوقف عن الكتابة لمدة فاقت ست سنوات، وهي المدة التي جعلته يفكر مليا في أنساق رواياته.
وتمثل مرحلة الاستقرار في الدوحة، المرحلة الأكثر عطاء وانتاجا، حيث سيقرر سنة 1993 السفر إلى قطر ليستقر هناك، ليبدأ سفره نحو عوالم الرواية، ففي سنة 1996 سينشر روايته الثانية 'سماء بلون الياقوت' ثم رواية 'نار الزغاريد' و'مرايا ساحلية' و'سيرة الوجع' و'صيد الحضرمية' و'عيون المهاجر' و'إيبولا76' و'توترات القبطي' و'مهر الصياح' و'زحف النمل' و'صائد اليرقات'.. إنه متن روائي غني يفوق 18 رواية، وهي روايات غنية ومتنوعة في أشكالها الجمالية وأنساقها البنائية، حيث يوظف الكاتب في أعماله التاريخ باعتباره متخيلا، والمعرفة الشعبية والطبية وغيرها من المعارف، كما يلون الأحداث بأبعاد شعرية تزيد من قوة درامية العمل الروائي.
إن أمير تاج السر حالة إبداعية فريدة من نوعها، معه كانت لنا هذه الفسحة، حيث مكننا من السفر في بداياته وتحولاته ونضجه، في هذا الحوار يعبر الكاتب عن قضايا آنية منها ما هو إبداعي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو سياسي.
*قضيت زهاء سبع سنوات وأنت محتجز في مختبرات طنطا، تبحث في تخصصات دقيقة: أمراض القلب والجهاز الهضمي والغدد والهرمونات.. وحينما تخرجت طبيبا للأمراض الباطنية، بدأ نتاجك الروائي يطوف العالم، ما علاقة هذه الأمراض التي درستها بالدهشة والمفارقة والتعالي والبطل الإشكالي والعجائبي والمكان..، ما علاقة هذا التخصص الدقيق بجنس أدبي يتيح لك مساحة شاسعة للبوح؟
*ظاهريا لا توجد علاقة مباشرة بين الدراسة الأكاديمية، والكتابة الإبداعية، التخصصات العلمية يمكن مواصلتها ونيل شهاداتها بالصبر والاجتهاد فقط، ولا تحتاج لموهبة صغيرة أو كبيرة. ربما تحتاج إلى حب، وقد أحببتها وأخلصت لها وما زلت أتعلم كل يوم وأعمل في مجال تخصصي. على عكس الإبداع الذي يولد به الإنسان، هنا لا بد من موهبة تظهر في الصغر وتنمو بعد ذلك بنمو الإنسان، وقد كنت منذ صغري أحب الآداب وعلمني والدي القراءة مبكرا وبالتالي نشأ حب القراءة معي، وما زلت أذكر الكتاب الأسبوعي الذي كان يحضره صاحب مكتبة في مدينة بورتسودان، كان يتعامل مع والدي اسمه رفعت ضرار، ويلقيه من فوق حائط البيت، ونتسابق أنا وإخوتي للحصول عليه أولا، من كتب رفعت إلى النبش في المكتبات بعد ذلك، توطدت العلاقة بيني وبين القراءة، وبدأت أكتب قصصا بوليسية وأنا في المرحلة الابتدائية، ثم طرقت الشعر في المرحلة الإعدادية واستمررت معه سنوات طويلة قبل أن أتحول لكتابة الرواية في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. إذن كانت الموهبة أولا ثم حب القراءة، ثم الصبر الذي احتجت إليه في الدراسة وفي الكتابة.
*بدأت مسارك الإبداعي شاعرا يحلو له أن يقتنص الاستعارات، وتوجت هذا المسار بديوان غارق في الرومانسية 'أحزان كبيرة'، ثم سرعان ما غيرت بوصلتك الإبداعية نحو الرواية، كيف حصل هذا التحول؟ ما هي مبرراته؟ أيعود ذلك إلى تراجع قوة الشعر لصالح الرواية أم أن الشعر لم يسعفك في بناء متخيل مغاير كما هو الحال في رواياتك؟
*نعم بدأت بالشعر، ولكن ليس 'أحزان كبيرة'، فقد كتبت قصائد بالعامية أو أغنيات تغنى بها عدد من المطربين، و'أحزان كبيرة' جزء من حصيلة قصائد كتبتها وأنا في الجامعة وما زلت أملك قصائد تصنع عدة مجموعات شعرية. لقد كان لجوئي للرواية، مصادفة بحتة، حين لاحظت ولاحظ أصدقاء لي أنني أكتب قصيدة مليئة بالحكي، وشجعوني على طرق الرواية، وفعلا كتبت رواية اسمها كرمكول، صدرت عن دار الغد التي كان يملكها الشاعر الراحل كمال عبد الحليم، وأظنني ذكرت مسألة رهني لساعتي الرولكس من أجل نشرها، كثيرا، وبعد أن نجحت كرمكول، لم أكرر المحاولة إلا بعد ست سنوات، ثم وجدت نفسي مع الرواية وإنها بالفعل بيت شاسع المساحة يمكن أن يؤوي كل الفنون الكتابية، وها أنا ذا كما تعرفني.
*لم تشف من الشعر بدليل عبوره إلى رواياتك، حيث اهتديت إلى لغة يتقاسمها السردي والشعري، وكأنك تصر أن تكون شاعر الرواية الذي يكتب بذهنية شعرية، وهذا الاختيار يجعلك تفكر في خلق معجم شعري يحمل الدلالات التي تود إيصالها للقارئ، ويحضر الشعر كذلك في نصوصك باعتباره موضوعة كما هو الحال في رواية 'زحف النمل' التي عمدت فيها إلى تكسير رتابة السرد بمقطوعات غنائية هي من إبداعك، ألا تخاف وأنت القادم من حقل غامض هو حقل الشعر أن تشوش على قارئ قد لا يجتهد في فهم استعاراتك؟
*كانت ذهنية الشعر سائدة في البدايات، بها كتبت 'كرمكول' و'سماء بلون الياقوت' و'نار الزغاريد'، و'صيد الحضرمية'، لكني وصلت لتلك المصالحة الكبرى بين الشعر والسرد وأسلوبي لم يعد يزعج أحدا، هناك من يحبه وهناك من لا يحبه، لكنه أسلوب واضح، رأيي أن الكتابة بلغة جيدة، تشد القارئ كثيرا، وأنا تناسبني اللغة اشعرية لكن الواضحة، وليست مجرد نزيف وصور بلا دلالات، ومؤخرا أعدت كتابة روايتي 'صيد الحضرمية'، المنشورة من قبل مرتين، وأعتقد أنها سابقة لم تحدث وهي أن يقوم أحد بإعادة كتابة نص منشور، لقد كتبتها بأسلوبي الحالي وسأنشرها مؤخرا، ولا أخشى من المقارنة بين النصين.
*إلى جانب الشعر، نجدك تعزف في أعمالك الروائية على قيثارة التاريخ كما هو الحال في رواية 'توترات القبطي'، وتعزف على إيقاع الحكاية الشعبية وموروثها كما في رواية 'مهر الصباح'، وتعزف على المعرفة الطبية كما في رواية 'إيبولا 76'، ثم نلمس في هذه الأعمال وغيرها اشتغالا قويا على العواطف والمشاعر. وأنت تفتح رواياتك على حقول معرفية متنوعة، ألا تخشى السقوط في فخ التاريخ، أو الأنثروبولوجيا أو المعرفة الطبية.. وعوض أن تكون روائيا، ستصبح مؤرخا أو أنثروبولوجيا أو عالما، أم أنك تهدف إلى تحصين أعمالك بمعرفة مؤطرة؟ لماذا هذا الاشتغال على مجالات وحقول معرفية تبدو بعيدة عن مجال الرواية باعتبارها متخيلا؟
*كتابة الرواية التاريخية، أعشقها، لكني لا أكتب تاريخا يحتاج إلى أدلة ووثائق، أنا أكتب تاريخا متخيلا، بمعنى أنني أدرس فترة ما من التاريخ، بكل ما فيها مثلا: الحكم الذي كان موجودا، المجتمع، شكل العمران، الأكل والشرب، المواصلات، ثم أقوم بزرع شخصياتي في تلك الفترة، وهذا حدث في 'توترات القبطي'، و'رعشات الجنوب'، و'مهر الصياح'، بالنسبة للموروث فهذا شيء مشروع أن يكتب داخل نص متخيل، وبالنسبة للعلم، فلا مانع من كتابة رواية عن مرض. هنا أشير لأعراض المرض ومضاعفاته، ولكني أكتب شخصيات ومجتمع وعلاقات إنسانية، من دون أن أتدخل كثيرا بمعرفتي الطبية، وأزعم أنني فعلت ذلك في رواية إيبولا، هنا لم أرد أن أزهو بمعرفتي الطبية، ولم تظهر بصمتي كطبيب كثيرا في الرواية، وسعيد أن إيبولا قد نجحت، وحتى الذين أحسوا بالقشعريرة وهم يقرأونها، لم ينكروا أنهم استمتعوا بالحكاية. ترى إن كتابة الرواية ليست عملا سهلا، إنه عمل مضن للغاية.
*في رواياتك نلمس احتفاء بالمهمش الذي تختزله في المكان، فمنذ روايتك الأولى 'كرملول' مكان الولادة والنشأة مرورا برواية 'سماء بلون الياقوت' التي تحكي قصة قرية مهمشة هي قرية 'الشكينات' شمال السودان، ورواية 'أبيولا 76' التي تحتفي بجروح حي كرتوني في منطقة 'أنزارا' جنوب السودان، وصولا إلى 'رعشات الجنوب' والصراع حول الأرض (شمال/ جنوب) إلى جانب أعمال أخرى تتنوع فيها حكاية المكان.. ربع قرن والمكان يسافر في حقيبتك، يصر أن يسكن ذاكرتك، لنقل إن تاريخك هو تاريخ الأمكنة بتنوعاتها. ماذا تمثل لك هذه الأمكنة؟ وكيف تتعامل معها، أ باعتبارها امتدادا جغرافيا يحمل تاريخا أم باعتبارها إشكالا وجوديا؟ ألم تنه حسابك مع الأمكنة التي تسكنك؟
*أكتب عن تلك الأمكنة لأنني خبرتها، فأنا برغم اغترابي الطويل ما زلت كاتبا سودانيا، وما زال المكان حتى في أعمالي التاريخية، مكانا سودانيا، لقد كتبت عن شمال السودان باستحياء، لأنني لم أعش فيه ولم أخبره جيدا، وكتبت عن شرق السودان لأنني نشأت فيه، وكتبت عن الجنوب بعد أبحاث مضنية. المكان هنا هو بيت الرواية، والأمكنة تسكن الكاتب ما دام قد عشقها، لكنني لا أقع غالبا في فخ انجراف النص نحو المكان المحلي فقط، أكتب شخصيات من العالم كله، داخل المكان المحلي. بالنسبة للمهمشين والفقراء، هؤلاء أصدقائي، عشت بينهم وعالجتهم من الأمراض، وكانت عياداتي التي أنشأتها في السودان، في أحياء فقيرة للغاية، لذلك تجدني أنجذب نحو تلك الشخصيات في الغالب بحكم معرفتي لها، ومعظم الشخصيات التي وردت في رواياتي، مستوحاة من شخصيات حقيقية، مثل شخصية علي جرجار في 'العطر الفرنسي'، وعبد الله فرفار في 'صائد اليرقات'.
*شكل 'الربيع العربي' مادة خصبة تحولت تدريجيا إلى فعل إبداعي، حيث انخرط الروائي العربي في الحدث، وحاول أن يلامس خطوطه العريضة، قصد بناء عمل روائي يتوزع بين التخييلي والواقعي، هكذا اعتنق موجة الكتابة عن الربيع العربي عدد من الروائيين منهم واسيني الأعرج وابراهيم الكوني والطاهر بن جلون وغيرهم، وهناك من النقاد من اتهم هذه الكتابة بالتسرع، واعتبرها غير قادرة على فهم ما يجري في الواقع في ظل غياب معطيات دقيقة، مما يؤجل تأسيس موقف صحيح. ألم تغريك الكتابة عن الربيع العربي؟ وهل ترى أن دور المبدع هو التفاعل مع قضاياه الإقليمية والقطرية أم أن دوره هو فتح المجال لكتابته نحو الإنسانية؟ ألا ترى أن الكتابة عن الربيع العربي تقتضي البحث عن صيغ ملائمة للتعبير حتى لا يسقط في التأريخ الفج؟
*لقد قلت رأيي كثيرا في الكتابة عن الربيع العربي، وأنا نفسي كتبت شيئا من ذلك في روايتي 'تعاطف' الصادرة العام الماضي. رأيي الذي أكرره هو أن نتريث جميعا قبل تأثيث كتابة تخص هذا الحدث الكبير، نحن ما زلنا لم نستوعب الحدث جيدا، ولم نصل للاستقرار الذي يعطي قراءة صحيحة، وكل ما يكتب الآن، أعتبره استثمارا متعجلا لحقول ما زال نباتها بذورا. كل ما أخافه، هو انتشار الأعمال التي يظن كتابها أنها أعمال جيدة، لمجرد أنها تحدثت عن الربيع العربي، ما زالت الرواية التي كتبت عن الأزمات السابقة، هي الأجود في رأيي.
*انضممت إلى الموقع الاجتماعي الفايسبوك بتاريخ 17 أكتوبر 2007، لكن حسابك ظل معطلا لسنوات، وفعلته في ديسمبر 2010، لماذا انتظرت كل هذا الوقت لتفعل حسابك؟ هل الأمر متعلق بموقف تحول مع مرور الزمن أم أن عوالم رواياتك جذبتك ولم تتح لك الفرصة لتساير الفايسبوك علما أن هذا الأخير يستنزف الوقت والطاقة؟ هل تتابع أدب الفايسبوك؟ وما رأيك فيه؟
*في البداية كانت المسألة، تلبية لدعوة من الناشرة الصديقة فاطمة البودي، ولم أكن أعرف ما هو الفيسبوك، بعد ذلك سنوات قمت بتنشيط حسابي، وكنت مستمتعا بلقاء الأصدقاء، والتواصل مع بعض الذين قرأوا لي أعمالا، الآن أصبح الأمر صعبا للغاية، أصبح مزعجا جدا من ناحية سهولة العثور علي لدى من يريدني، وبذلك ازدادت أعبائي، فكثير من الكتاب يرسلون لي روايات مخطوطة، وقصصا، وأنا لا أملك الوقت لتقييم كل شيء، كما أنني أواجه بأشخاص وأمزجة وطوائف من كل نوع، وصعب علي التأقلم معها، وفكرت كثيرا في تركه أو الإقلال من الظهور، أنت ذكرت أنه يستنزف الوقت، وأنا ليس لدي أي وقت حقيقة.
*في تغريدتك الأخيرة على الفايسبوك قلت: 'أظنني اجتهدت كثيرا لأصبح عاشقا، حتى أكتب هذه الرواية، لأحس ما كان يحسه المرحوم وهو يكتب رسائله إلى حبيبته أسماء. وأقول بصدق أنني عشقت أسماء التي تخيلتها وكتبتها، كما كان سيكتبها هو. وحين انتهيت منها، وقرأت الألم داخلها، تمنيت لو لم أكتبها أبدا. وعنونت روايتك برقم هو '366'، والرواية ستصدر مطلع السنة المقبلة. روايتك الجديدة ستتخذ منحا عاطفيا، فليس من السهل أن تستنطق مشاعر الشخصيات، وستوظف فيها تقنية الرسائل.هل يمكن إحاطتنا بظروف هذه التجربة؟ ما دلالة رقم '366' الذي جعلته عنوانا لروايتك؟ وهل كتابة الرواية تتم عن وعي أم عن غير وعي، خصوصا أنك تتمنى لو لم تكن كاتب هذا العمل؟
*هي رواية عاطفية بالفعل، لكنها تشتمل على نواح أخرى لا علاقة لها بالعاطفة إلا في توليدها للألم. هي رواية متخيلة بالطبع، والواقعي فيها، هي عثوري مع عدد من زملائي الطلاب في المرحلة الثانوية بمدينة بورتسودان على حزمة من الرسائل مكتوبة بحبر أخضر، ومعنونة برسائل المرحوم إلى حبيبته أسماء، كان ذلك منذ وقت طويل، قرأنا تلك الرسائل وعشقنا أسماء، وتعاطفنا مع كاتبها كثيرا، وبعد ذلك ضاعت الرسائل، ثم فجأة تذكرتها منذ عدة شهور وكتبت ذلك في الفيس بوك لأفاجأ بضغط كبير من الأصدقاء يصرون على كتابتها رواية. في الحقيقة أنا لا أكتب تحت الضغط، ولا قسريا، ولكن عندما تأتيني فكرة أكتبها، وحين جاءت بداية ملائمة للكتابة، كتبتها، وأيضا بعد أن قرأت كثيرا عن العشق. الرواية صدرت بالفعل، وعليها طلب كبير، ربما نوعا من الفضول، وربما أن الناس ما زالوا يهتمون بروايات العواطف التي دائما هي الأعلى مبيعا، ولديك مثال الروائية الأمريكية جانيت إيفانوفيتش التي تكتب الروايات الرومانسية، وتحقق أرقاما فلكية في المبيعات.
*يطرح المبدع دائما سؤال النقد الذي لا يواكب إبداعاته، وتتحول الشكوى إلى امتعاض وأحيانا إلى اتهام متبادل بين المبدع والناقد، وهو ما يوتر العلاقة بينهما، باعتبارك روائيا أصدر حوالي 17 عملا روائيا، هل ترى أن النقد العربي باتجاهاته قد أنصف تجربتك وأعطاها المكانة التي تستحقها؟
*أولا على الكاتب أن يكتب من دون أن يلقي بأنظاره على النقد، لقد كان النقد متخلفا عن تجربة جيلي كله، وبدأ مؤخرا ينبش تجربتي، الناقد معذور حين لا يواكب، لأن الكم الكتابي أكبر من طاقة النقد، وعموما مع ثورة الاتصالات الحديثة، أصبح القارئ متمكنا بشدة، ولم يعد ينتظر الناقد الذي ينير له الطريق.
*تقيم في قطر منذ 18 سنة، ولعل إقامتك في الخليج مكنتك من متابعة الرواية الخليجية، وفي العشرية الأخيرة بدأ الخليج بمماليكه ينتج روايات تتراوح فيها القيمة الجمالية والمعرفية، هل ترى أن الرواية الخليجية صحت من سباتها؟ كيف تقيم الرواية الخليجية؟ أين تكمن نقط القوة والضعف في تجربتها؟ ما الذي تحتاجه هذه التجربة لكي تتطور؟
*الخليج العربي مثل كل الأمكنة، فيه مبدعون حقيقيون، وقد ظلمت هذه المنطقة كثيرا، لكنني سعيد أن الأنظار اتجهت إليها مؤخرا. نعم توجد رواية متمكنة في كل بلدان الخليج، وحيث أقيم في قطر يوجد كتاب متميزون، ولا ينقصهم شيء، وأيضا توجد قاعدة قرائية كبرى، والدليل أن معارض الكتب في الخليج، هي الأكبر مساحة والأكثف جمهورا.
*قضيت سنوات وأنت تبحث في ذاكرتك ومذكراتك ومشاهداتك وتجاربك.. لتنتج رواية، فهل كتبت النص الذي حلمت بها دوما؟
*لن أقول بأنني لم أكتب ما حلمت به، أقول لك بكل طمأنينة بأنني كتبت كل ما تخيلته، وقد قارب مشروعي على الانتهاء بعد كل هذه السنوات، وبعد أن أصبح لي قراء ومعجبون بنصوصي بلغات أخرى، ربما أتوقف قريبا لأنني تعبت.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.