السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي السوداني أمير تاج السر: الرواية بيت شاسع يتسع لكل الفنون الكتابية
نشر في الراكوبة يوم 19 - 03 - 2013

أمير تاج السر، مبدع تدرج في مراقي الكتابة ليصبح أسيرا للرواية، بدأ شاعرا يكتب بالعامية قصائد تغنى بها المغنون، وكان يطبع نصوصه بنفسه ويوزعها على أصدقائه ممن أصابتهم لوثة الشعر، واستمر معه الشعر بتمثلاته المختلفة إلى حدود 1985، حيث نضجت نصوصه الشعرية، وبدأ شعره ينشر في كبريات المجلات الأدبية.
وتوج مساره بديوان شعري 'أحزان كبيرة'، لكنه سيفاجئ الجميع حينما سيصدر روايته الأولى 'كرمكول' سنة 1987، تلك الرواية التي كلفته رهن ساعته النفيسة، ويبرر الكاتب انتقاله من الشعر إلى الرواية باعتباره مصادفة محضة، أي أنه لم يخطط لكي يصبح روائيا، حيث لاحظ أصدقاء المبدع أنه يكتب بنفس سردي عميق، ليرتحل الكاتب إلى بيت الرواية ويقيم فيه، لكن الكاتب سيتوقف عن الكتابة لمدة فاقت ست سنوات، وهي المدة التي جعلته يفكر مليا في أنساق رواياته.
وتمثل مرحلة الاستقرار في الدوحة، المرحلة الأكثر عطاء وانتاجا، حيث سيقرر سنة 1993 السفر إلى قطر ليستقر هناك، ليبدأ سفره نحو عوالم الرواية، ففي سنة 1996 سينشر روايته الثانية 'سماء بلون الياقوت' ثم رواية 'نار الزغاريد' و'مرايا ساحلية' و'سيرة الوجع' و'صيد الحضرمية' و'عيون المهاجر' و'إيبولا76' و'توترات القبطي' و'مهر الصياح' و'زحف النمل' و'صائد اليرقات'.. إنه متن روائي غني يفوق 18 رواية، وهي روايات غنية ومتنوعة في أشكالها الجمالية وأنساقها البنائية، حيث يوظف الكاتب في أعماله التاريخ باعتباره متخيلا، والمعرفة الشعبية والطبية وغيرها من المعارف، كما يلون الأحداث بأبعاد شعرية تزيد من قوة درامية العمل الروائي.
إن أمير تاج السر حالة إبداعية فريدة من نوعها، معه كانت لنا هذه الفسحة، حيث مكننا من السفر في بداياته وتحولاته ونضجه، في هذا الحوار يعبر الكاتب عن قضايا آنية منها ما هو إبداعي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو سياسي.
*قضيت زهاء سبع سنوات وأنت محتجز في مختبرات طنطا، تبحث في تخصصات دقيقة: أمراض القلب والجهاز الهضمي والغدد والهرمونات.. وحينما تخرجت طبيبا للأمراض الباطنية، بدأ نتاجك الروائي يطوف العالم، ما علاقة هذه الأمراض التي درستها بالدهشة والمفارقة والتعالي والبطل الإشكالي والعجائبي والمكان..، ما علاقة هذا التخصص الدقيق بجنس أدبي يتيح لك مساحة شاسعة للبوح؟
*ظاهريا لا توجد علاقة مباشرة بين الدراسة الأكاديمية، والكتابة الإبداعية، التخصصات العلمية يمكن مواصلتها ونيل شهاداتها بالصبر والاجتهاد فقط، ولا تحتاج لموهبة صغيرة أو كبيرة. ربما تحتاج إلى حب، وقد أحببتها وأخلصت لها وما زلت أتعلم كل يوم وأعمل في مجال تخصصي. على عكس الإبداع الذي يولد به الإنسان، هنا لا بد من موهبة تظهر في الصغر وتنمو بعد ذلك بنمو الإنسان، وقد كنت منذ صغري أحب الآداب وعلمني والدي القراءة مبكرا وبالتالي نشأ حب القراءة معي، وما زلت أذكر الكتاب الأسبوعي الذي كان يحضره صاحب مكتبة في مدينة بورتسودان، كان يتعامل مع والدي اسمه رفعت ضرار، ويلقيه من فوق حائط البيت، ونتسابق أنا وإخوتي للحصول عليه أولا، من كتب رفعت إلى النبش في المكتبات بعد ذلك، توطدت العلاقة بيني وبين القراءة، وبدأت أكتب قصصا بوليسية وأنا في المرحلة الابتدائية، ثم طرقت الشعر في المرحلة الإعدادية واستمررت معه سنوات طويلة قبل أن أتحول لكتابة الرواية في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. إذن كانت الموهبة أولا ثم حب القراءة، ثم الصبر الذي احتجت إليه في الدراسة وفي الكتابة.
*بدأت مسارك الإبداعي شاعرا يحلو له أن يقتنص الاستعارات، وتوجت هذا المسار بديوان غارق في الرومانسية 'أحزان كبيرة'، ثم سرعان ما غيرت بوصلتك الإبداعية نحو الرواية، كيف حصل هذا التحول؟ ما هي مبرراته؟ أيعود ذلك إلى تراجع قوة الشعر لصالح الرواية أم أن الشعر لم يسعفك في بناء متخيل مغاير كما هو الحال في رواياتك؟
*نعم بدأت بالشعر، ولكن ليس 'أحزان كبيرة'، فقد كتبت قصائد بالعامية أو أغنيات تغنى بها عدد من المطربين، و'أحزان كبيرة' جزء من حصيلة قصائد كتبتها وأنا في الجامعة وما زلت أملك قصائد تصنع عدة مجموعات شعرية. لقد كان لجوئي للرواية، مصادفة بحتة، حين لاحظت ولاحظ أصدقاء لي أنني أكتب قصيدة مليئة بالحكي، وشجعوني على طرق الرواية، وفعلا كتبت رواية اسمها كرمكول، صدرت عن دار الغد التي كان يملكها الشاعر الراحل كمال عبد الحليم، وأظنني ذكرت مسألة رهني لساعتي الرولكس من أجل نشرها، كثيرا، وبعد أن نجحت كرمكول، لم أكرر المحاولة إلا بعد ست سنوات، ثم وجدت نفسي مع الرواية وإنها بالفعل بيت شاسع المساحة يمكن أن يؤوي كل الفنون الكتابية، وها أنا ذا كما تعرفني.
*لم تشف من الشعر بدليل عبوره إلى رواياتك، حيث اهتديت إلى لغة يتقاسمها السردي والشعري، وكأنك تصر أن تكون شاعر الرواية الذي يكتب بذهنية شعرية، وهذا الاختيار يجعلك تفكر في خلق معجم شعري يحمل الدلالات التي تود إيصالها للقارئ، ويحضر الشعر كذلك في نصوصك باعتباره موضوعة كما هو الحال في رواية 'زحف النمل' التي عمدت فيها إلى تكسير رتابة السرد بمقطوعات غنائية هي من إبداعك، ألا تخاف وأنت القادم من حقل غامض هو حقل الشعر أن تشوش على قارئ قد لا يجتهد في فهم استعاراتك؟
*كانت ذهنية الشعر سائدة في البدايات، بها كتبت 'كرمكول' و'سماء بلون الياقوت' و'نار الزغاريد'، و'صيد الحضرمية'، لكني وصلت لتلك المصالحة الكبرى بين الشعر والسرد وأسلوبي لم يعد يزعج أحدا، هناك من يحبه وهناك من لا يحبه، لكنه أسلوب واضح، رأيي أن الكتابة بلغة جيدة، تشد القارئ كثيرا، وأنا تناسبني اللغة اشعرية لكن الواضحة، وليست مجرد نزيف وصور بلا دلالات، ومؤخرا أعدت كتابة روايتي 'صيد الحضرمية'، المنشورة من قبل مرتين، وأعتقد أنها سابقة لم تحدث وهي أن يقوم أحد بإعادة كتابة نص منشور، لقد كتبتها بأسلوبي الحالي وسأنشرها مؤخرا، ولا أخشى من المقارنة بين النصين.
*إلى جانب الشعر، نجدك تعزف في أعمالك الروائية على قيثارة التاريخ كما هو الحال في رواية 'توترات القبطي'، وتعزف على إيقاع الحكاية الشعبية وموروثها كما في رواية 'مهر الصباح'، وتعزف على المعرفة الطبية كما في رواية 'إيبولا 76'، ثم نلمس في هذه الأعمال وغيرها اشتغالا قويا على العواطف والمشاعر. وأنت تفتح رواياتك على حقول معرفية متنوعة، ألا تخشى السقوط في فخ التاريخ، أو الأنثروبولوجيا أو المعرفة الطبية.. وعوض أن تكون روائيا، ستصبح مؤرخا أو أنثروبولوجيا أو عالما، أم أنك تهدف إلى تحصين أعمالك بمعرفة مؤطرة؟ لماذا هذا الاشتغال على مجالات وحقول معرفية تبدو بعيدة عن مجال الرواية باعتبارها متخيلا؟
*كتابة الرواية التاريخية، أعشقها، لكني لا أكتب تاريخا يحتاج إلى أدلة ووثائق، أنا أكتب تاريخا متخيلا، بمعنى أنني أدرس فترة ما من التاريخ، بكل ما فيها مثلا: الحكم الذي كان موجودا، المجتمع، شكل العمران، الأكل والشرب، المواصلات، ثم أقوم بزرع شخصياتي في تلك الفترة، وهذا حدث في 'توترات القبطي'، و'رعشات الجنوب'، و'مهر الصياح'، بالنسبة للموروث فهذا شيء مشروع أن يكتب داخل نص متخيل، وبالنسبة للعلم، فلا مانع من كتابة رواية عن مرض. هنا أشير لأعراض المرض ومضاعفاته، ولكني أكتب شخصيات ومجتمع وعلاقات إنسانية، من دون أن أتدخل كثيرا بمعرفتي الطبية، وأزعم أنني فعلت ذلك في رواية إيبولا، هنا لم أرد أن أزهو بمعرفتي الطبية، ولم تظهر بصمتي كطبيب كثيرا في الرواية، وسعيد أن إيبولا قد نجحت، وحتى الذين أحسوا بالقشعريرة وهم يقرأونها، لم ينكروا أنهم استمتعوا بالحكاية. ترى إن كتابة الرواية ليست عملا سهلا، إنه عمل مضن للغاية.
*في رواياتك نلمس احتفاء بالمهمش الذي تختزله في المكان، فمنذ روايتك الأولى 'كرملول' مكان الولادة والنشأة مرورا برواية 'سماء بلون الياقوت' التي تحكي قصة قرية مهمشة هي قرية 'الشكينات' شمال السودان، ورواية 'أبيولا 76' التي تحتفي بجروح حي كرتوني في منطقة 'أنزارا' جنوب السودان، وصولا إلى 'رعشات الجنوب' والصراع حول الأرض (شمال/ جنوب) إلى جانب أعمال أخرى تتنوع فيها حكاية المكان.. ربع قرن والمكان يسافر في حقيبتك، يصر أن يسكن ذاكرتك، لنقل إن تاريخك هو تاريخ الأمكنة بتنوعاتها. ماذا تمثل لك هذه الأمكنة؟ وكيف تتعامل معها، أ باعتبارها امتدادا جغرافيا يحمل تاريخا أم باعتبارها إشكالا وجوديا؟ ألم تنه حسابك مع الأمكنة التي تسكنك؟
*أكتب عن تلك الأمكنة لأنني خبرتها، فأنا برغم اغترابي الطويل ما زلت كاتبا سودانيا، وما زال المكان حتى في أعمالي التاريخية، مكانا سودانيا، لقد كتبت عن شمال السودان باستحياء، لأنني لم أعش فيه ولم أخبره جيدا، وكتبت عن شرق السودان لأنني نشأت فيه، وكتبت عن الجنوب بعد أبحاث مضنية. المكان هنا هو بيت الرواية، والأمكنة تسكن الكاتب ما دام قد عشقها، لكنني لا أقع غالبا في فخ انجراف النص نحو المكان المحلي فقط، أكتب شخصيات من العالم كله، داخل المكان المحلي. بالنسبة للمهمشين والفقراء، هؤلاء أصدقائي، عشت بينهم وعالجتهم من الأمراض، وكانت عياداتي التي أنشأتها في السودان، في أحياء فقيرة للغاية، لذلك تجدني أنجذب نحو تلك الشخصيات في الغالب بحكم معرفتي لها، ومعظم الشخصيات التي وردت في رواياتي، مستوحاة من شخصيات حقيقية، مثل شخصية علي جرجار في 'العطر الفرنسي'، وعبد الله فرفار في 'صائد اليرقات'.
*شكل 'الربيع العربي' مادة خصبة تحولت تدريجيا إلى فعل إبداعي، حيث انخرط الروائي العربي في الحدث، وحاول أن يلامس خطوطه العريضة، قصد بناء عمل روائي يتوزع بين التخييلي والواقعي، هكذا اعتنق موجة الكتابة عن الربيع العربي عدد من الروائيين منهم واسيني الأعرج وابراهيم الكوني والطاهر بن جلون وغيرهم، وهناك من النقاد من اتهم هذه الكتابة بالتسرع، واعتبرها غير قادرة على فهم ما يجري في الواقع في ظل غياب معطيات دقيقة، مما يؤجل تأسيس موقف صحيح. ألم تغريك الكتابة عن الربيع العربي؟ وهل ترى أن دور المبدع هو التفاعل مع قضاياه الإقليمية والقطرية أم أن دوره هو فتح المجال لكتابته نحو الإنسانية؟ ألا ترى أن الكتابة عن الربيع العربي تقتضي البحث عن صيغ ملائمة للتعبير حتى لا يسقط في التأريخ الفج؟
*لقد قلت رأيي كثيرا في الكتابة عن الربيع العربي، وأنا نفسي كتبت شيئا من ذلك في روايتي 'تعاطف' الصادرة العام الماضي. رأيي الذي أكرره هو أن نتريث جميعا قبل تأثيث كتابة تخص هذا الحدث الكبير، نحن ما زلنا لم نستوعب الحدث جيدا، ولم نصل للاستقرار الذي يعطي قراءة صحيحة، وكل ما يكتب الآن، أعتبره استثمارا متعجلا لحقول ما زال نباتها بذورا. كل ما أخافه، هو انتشار الأعمال التي يظن كتابها أنها أعمال جيدة، لمجرد أنها تحدثت عن الربيع العربي، ما زالت الرواية التي كتبت عن الأزمات السابقة، هي الأجود في رأيي.
*انضممت إلى الموقع الاجتماعي الفايسبوك بتاريخ 17 أكتوبر 2007، لكن حسابك ظل معطلا لسنوات، وفعلته في ديسمبر 2010، لماذا انتظرت كل هذا الوقت لتفعل حسابك؟ هل الأمر متعلق بموقف تحول مع مرور الزمن أم أن عوالم رواياتك جذبتك ولم تتح لك الفرصة لتساير الفايسبوك علما أن هذا الأخير يستنزف الوقت والطاقة؟ هل تتابع أدب الفايسبوك؟ وما رأيك فيه؟
*في البداية كانت المسألة، تلبية لدعوة من الناشرة الصديقة فاطمة البودي، ولم أكن أعرف ما هو الفيسبوك، بعد ذلك سنوات قمت بتنشيط حسابي، وكنت مستمتعا بلقاء الأصدقاء، والتواصل مع بعض الذين قرأوا لي أعمالا، الآن أصبح الأمر صعبا للغاية، أصبح مزعجا جدا من ناحية سهولة العثور علي لدى من يريدني، وبذلك ازدادت أعبائي، فكثير من الكتاب يرسلون لي روايات مخطوطة، وقصصا، وأنا لا أملك الوقت لتقييم كل شيء، كما أنني أواجه بأشخاص وأمزجة وطوائف من كل نوع، وصعب علي التأقلم معها، وفكرت كثيرا في تركه أو الإقلال من الظهور، أنت ذكرت أنه يستنزف الوقت، وأنا ليس لدي أي وقت حقيقة.
*في تغريدتك الأخيرة على الفايسبوك قلت: 'أظنني اجتهدت كثيرا لأصبح عاشقا، حتى أكتب هذه الرواية، لأحس ما كان يحسه المرحوم وهو يكتب رسائله إلى حبيبته أسماء. وأقول بصدق أنني عشقت أسماء التي تخيلتها وكتبتها، كما كان سيكتبها هو. وحين انتهيت منها، وقرأت الألم داخلها، تمنيت لو لم أكتبها أبدا. وعنونت روايتك برقم هو '366'، والرواية ستصدر مطلع السنة المقبلة. روايتك الجديدة ستتخذ منحا عاطفيا، فليس من السهل أن تستنطق مشاعر الشخصيات، وستوظف فيها تقنية الرسائل.هل يمكن إحاطتنا بظروف هذه التجربة؟ ما دلالة رقم '366' الذي جعلته عنوانا لروايتك؟ وهل كتابة الرواية تتم عن وعي أم عن غير وعي، خصوصا أنك تتمنى لو لم تكن كاتب هذا العمل؟
*هي رواية عاطفية بالفعل، لكنها تشتمل على نواح أخرى لا علاقة لها بالعاطفة إلا في توليدها للألم. هي رواية متخيلة بالطبع، والواقعي فيها، هي عثوري مع عدد من زملائي الطلاب في المرحلة الثانوية بمدينة بورتسودان على حزمة من الرسائل مكتوبة بحبر أخضر، ومعنونة برسائل المرحوم إلى حبيبته أسماء، كان ذلك منذ وقت طويل، قرأنا تلك الرسائل وعشقنا أسماء، وتعاطفنا مع كاتبها كثيرا، وبعد ذلك ضاعت الرسائل، ثم فجأة تذكرتها منذ عدة شهور وكتبت ذلك في الفيس بوك لأفاجأ بضغط كبير من الأصدقاء يصرون على كتابتها رواية. في الحقيقة أنا لا أكتب تحت الضغط، ولا قسريا، ولكن عندما تأتيني فكرة أكتبها، وحين جاءت بداية ملائمة للكتابة، كتبتها، وأيضا بعد أن قرأت كثيرا عن العشق. الرواية صدرت بالفعل، وعليها طلب كبير، ربما نوعا من الفضول، وربما أن الناس ما زالوا يهتمون بروايات العواطف التي دائما هي الأعلى مبيعا، ولديك مثال الروائية الأمريكية جانيت إيفانوفيتش التي تكتب الروايات الرومانسية، وتحقق أرقاما فلكية في المبيعات.
*يطرح المبدع دائما سؤال النقد الذي لا يواكب إبداعاته، وتتحول الشكوى إلى امتعاض وأحيانا إلى اتهام متبادل بين المبدع والناقد، وهو ما يوتر العلاقة بينهما، باعتبارك روائيا أصدر حوالي 17 عملا روائيا، هل ترى أن النقد العربي باتجاهاته قد أنصف تجربتك وأعطاها المكانة التي تستحقها؟
*أولا على الكاتب أن يكتب من دون أن يلقي بأنظاره على النقد، لقد كان النقد متخلفا عن تجربة جيلي كله، وبدأ مؤخرا ينبش تجربتي، الناقد معذور حين لا يواكب، لأن الكم الكتابي أكبر من طاقة النقد، وعموما مع ثورة الاتصالات الحديثة، أصبح القارئ متمكنا بشدة، ولم يعد ينتظر الناقد الذي ينير له الطريق.
*تقيم في قطر منذ 18 سنة، ولعل إقامتك في الخليج مكنتك من متابعة الرواية الخليجية، وفي العشرية الأخيرة بدأ الخليج بمماليكه ينتج روايات تتراوح فيها القيمة الجمالية والمعرفية، هل ترى أن الرواية الخليجية صحت من سباتها؟ كيف تقيم الرواية الخليجية؟ أين تكمن نقط القوة والضعف في تجربتها؟ ما الذي تحتاجه هذه التجربة لكي تتطور؟
*الخليج العربي مثل كل الأمكنة، فيه مبدعون حقيقيون، وقد ظلمت هذه المنطقة كثيرا، لكنني سعيد أن الأنظار اتجهت إليها مؤخرا. نعم توجد رواية متمكنة في كل بلدان الخليج، وحيث أقيم في قطر يوجد كتاب متميزون، ولا ينقصهم شيء، وأيضا توجد قاعدة قرائية كبرى، والدليل أن معارض الكتب في الخليج، هي الأكبر مساحة والأكثف جمهورا.
*قضيت سنوات وأنت تبحث في ذاكرتك ومذكراتك ومشاهداتك وتجاربك.. لتنتج رواية، فهل كتبت النص الذي حلمت بها دوما؟
*لن أقول بأنني لم أكتب ما حلمت به، أقول لك بكل طمأنينة بأنني كتبت كل ما تخيلته، وقد قارب مشروعي على الانتهاء بعد كل هذه السنوات، وبعد أن أصبح لي قراء ومعجبون بنصوصي بلغات أخرى، ربما أتوقف قريبا لأنني تعبت.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.