نيروبي اذاع تلفزيون جنوب السودان مساء الاثنين الماضي مرسوما جمهوريا بتوقيع رئيس دولة جنوب السودان سحب بموجبه كافة الصلاحيات والسلطات التنفيذية التي سبق وان منحه هذه الصلاحيات بمرسوم جمهوري بعد استقلال جنوب السودان في 2011 .وبمثل ما اثارت قرارات الرئيس سلفاكير في ذلك الوقت بمنح نائبه سلطات كبيرة بمرسوم جمهوري بعد استقلال جنوب السودان ،اثار المرسوم الدستوري الذي صدر امس ردود فعل واسعة من قبل جنوبيين ،اعتبروا ان ثمة ترتيبات تجري لابعاد نائب الرئيس رياك مشار من مارثون الترشيح في 2015 ،والذي سيحدده الحزب الحاكم في الجنوب خلال مؤتمره العام في مايو المقبل . المرسوم الجمهوري الذي صدر امس الاول ،لم يوضح اسباب سحب تلك الصلاحيات الواسعة الممنوحة لنائب الرئيس بمرسوم دستوري ، واشار القرار الجمهوري الي ان الدكتور رياك مشار سيظل ينوب عن الرئيس في حال غيابه وسيحتفظ ايضا بموقعه في مجلس الوزراء ومجلس الامن القومي حسب الدستور .لكن صدور هذا القرار في هذا الوقت جعل باب التكهنات مفتوحا في جنوب السودان وغيره . اتيم قرنق عضو البرلمان في جنوب السودان قال لليوم التالي "ان القرار طبيعي اذا نُظر اليه في سياق دستور جنوب السودان " واضاف ان "ان الرئيس سبق وان منح نائبه سلطات بمرسوم دستوري والان قرر ارجاع هذه السلطات " ونفي اتيم ان تكون هناك اي استنتاجات خارج سياق الدستور للمرسوم الجمهوري الذي صدر امس من سياسيين ورسميين في جنوب السودان .لكن جنوبيون كثر علي مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروا ان خطوة سحب كافة الصلاحيات الاستثنائية الممنوحة لنائب الرئيس بمثابة مواجهة مبكرة بين الرئيس سلفاكير ونائبه او بين الدينكا والنوير . ما لم يكن للناس دواعي تفسيرات اخري تتعلق بتوقيت المرسوم الدستوري الذي اصدره رئيس جنوب السودان امس بسحب صلاحيات نائبه التنفيذية ،فان منطق ما حدث بالفعل يحدده دستور جنوب السودان ،وبذلك تعود العلاقات الحاكمة بين الرئيس ونائبه كما نص عليها الدستور .اما القصة في جوانبها المتعلقة بالصراع المستتر في الجنوب حول مستقبل السلطة هناك فتلك قصة تتداخل حيثياتها الي قديم الزمان ،ليس علي اساس التنافس التاريخي بين النوير والدينكا ،او بين رجل وضعته حسابات كثيرة ليكون نائبا لرئيس الحزب الحاكم ونائبا لرئيس الدولة بعد استقلالها في 2011 . رياك مشار الذي انفصل عن الحركة الشعبية في 1991 ،اعتذر مؤرا في حوار اجراه مع صحيفة المصير الناطقة بالعربية في جنوب السودان عن تلك الذكريات الدموية التي خلفها انشقاقه عن الحركة الشعبية في 1991 ،لكن رياك عاد الي الحركة الشعبية قبيل اتفاقية السلام الشامل ووجد موقعا متقدما ايام الراحل قرنق كواحد من نوابه الثلاث وقتها ،وفي 2004 قبيل التوقيع علي اتفاقية السلام كنت في رحلة عمل صحفية الي رومبيك "العاصمة الادارية "للحركة الشعبية قبل السلام وكانت ملاحظة الكثيرين ان رياك مشار هو تقريبا المسؤول الاول عن الشئون الاقتصادية والمدنية في "المناطق المحررة وقتها ،فيما منحت صلاحية نائب الرئيس سلفاكير ميارديت كمسؤول عن الجيش وجيمس واني ايقا كمسؤول عن الحزب . ببعد اداء القسم للدكتور جون قرنق في 2005 كنائب اول للرئيس السودان وفقا لاتفاقية السلام وحاكما للجنوب ،كان اول قرار اتخذه هو تعيين مشار مشرفا اداريا لاحدي الولايات .بعد وفاة الدكتور قرنق اختار المكتب السياسي للحكرة الفريق سلفاكير رئيسا للحزب ونائبا اول للرئيس وحاكما للجنوب وتم تعيين مشار نائبا له . في مايو 2008 شهدت مدينة جوبا المؤتمر العام الثاني للحركة الشعبية لاختيار رئيسها ونوابه وسكرتيرها العام واعضاء المكتب السياسي .كانت الاجواء في كل مدن جنوب السودان تشهد ان تحولات كبيرة حدثت خلال السنوات الماضية لكن ذاكرة الناس لم تنسي قادة المنشقين من الحركة في 1991 فتكتلت مجموعات لابعاد رياك مشار من موقعه كنائب لرئيس الحزب .لكن ذلك لم يكن عملا يسيرا فقد اقتضي الامر ان يتحدث الداعين لابعاد مشار عن هيكلة جديدة للحركة الشعبية تستبعد وجود نائبين للرئيس كما كان الحال قبل المؤتمر العام .مشار وقتها اعلن عن نيته منافسة الفريق سلفاكير علي رئاسة الحزب طالما انه غير مرغوب فيه كنائب للرئيس ،وقد ابلغني دكتور قاستيلو قرنق فيما بععد ان مشار وضع خيارين اثنين وقتها اما ان ينافس علي موقع الرئيس او تظل هيكلة الحركة الشعبية كما كانت بوجود نائبين .ما تم وقتها ان اجتماعا عقد في هوم اند اوي بجوبا جمع قادة الحركة الشعبية للتوصل الي حل فيما كان جميع اعضاء المؤتمر في انتظار ما يسفر عنه الاجتماع ،والذي خرج بخلاصة ان الجنوب بحاجة الي فريق عمل موحد لمواجهة اكبر تحدي في تاريخه وهو تقرير المصير فبقي مشار نائبا لرئيس الدولة والحزب بترتيبات تراضي سياسي مفهوم . بعد اعلان استقلال دولة الجنوب ظل رياك مشار نائبا للرئيس لكن الدستور الجديد الذي صادق عليه البرلمان قبل اعلان الدولة الجديدة حدد صلاحيات نائب الرئيس في انه عضو مجلس الوزراء ومجلس الامن القومي وينوب عن الرئيس في حال غيابه .لكن الرئيس بمجرد ادائه القسم اعطي نائبه صلاحيات استثنائية بمرسوم دستوري وجعله مشرفا علي التفاوض مع دولة السودان ومشرفا علي التفاوض مع شركات النفط اضافة الي صلاحيات تنفيذية اخري تعتني ببعض الملفات الداخلية .ظل مشار مشرفا علي هذه الملفات كما كان يفعل من قبل اعلان الدولة ،فمشار ظل نشطا في متابعة ملفات كثيرة اثناء انشغال الرئيس بملفات التفاوض مع دولة السودان وتراس فيما سبق لجنة تنفيذية رفيعة سميت باللجنة التنفيذية السياسية بينه وبين نائب الرئيس لمعالجة كافة الترتيبات المتعلقة باجراء تقرير المصير .ويعتقد كثير من الجنوبيين انه لعب دورا بارزا في اعداد صفقة مع الشمال ضمن بها الجنوبيون حق تقرير المصير. القرار الذي اصدره الرئيس سلفاكير الاثنين "امس الاول "يرتكز علي ذاكرة ملئية بالاحداث دائما رياك مشار حاضرا فيها كواحد من مراكز القوي في الجنوب ،ويقول جورشول وهو واحد من المثقفين الجنوبيين الذين خدموا في الجيش الشعبي من منطقة البحيرات "ان الناس تخطئ حينما ترمز الي رياك مشار في اطار صراع تقليدي بين الدينكا والنوير ،ويري ان مشار لديه رؤية تختلف عن رؤية الذين يسيطرون علي الامور في الجنوب الان ،وينظر كثيرين اليه علي انه رجل دولة يمتاز بنشاط وحيوية كما انه واقعي ومستعد دوما للنظر الي مشاكل الجنوب بعيدا عن التحيزات الايدلوجية . صادف ان الخرطوم ايضا تنظر الي رياك مشار كرجل واقعي يمكن الوصول معه لتفاهمات حول مستقبل العلاقة مع جوبا .الدكتور قاستيلو قرنق واحد من ابرز المؤيدين لمشار في الجنوب وله علاقة طويلة تمتد من ايام انقسام الناصر 1991 ،يري ان مشار ليس متفقا بالكامل مع الخرطوم في تصوراتها للحل ،ونقل لي في مقابلة معه ان مشار كان رافضا مثلا للاتفاق الذي تم مؤخرا بين الجنوب والشمال خاصة حول منطقة الميل 14 .لكن عدا عن هذا هناك موضوعات كثيرة يري رياك مشار انها تعرقل الوصول الي اتفاق معقول مع الشمال ،ومعظم هذه الموضوعات تتعلق بمراكز القوي حول اولويات الجنوب في علاقته مع الشمال ،ويدخل ضمن تلك المعادلات الترتيبات الامنية بين الشمال والجنوب وقضية ابيي . لم ار انشغالا للراي العام الجنوبي في مواقع كثيرة بقضية تلت اهتمامهم بتقرير المصير والاستفتاء كقضية سحب صلاحيات رياك مشار الاستثنائة ،فقد كتب واحد من الشباب الجنوبيين ذوي التاثير الكبير امانويل جال علي تويتر يقول "ان قرارات الرئيس قد تقود الي عدم استقرار في الجنوب " اتفق معه كثيرون وذهب اخرون الي ابعد من ذلك معتبرين ان القرارات تعني ،ابعاد النوير من السلطة وتجريدهم من تلك التي يملكوها .دعا كثير من الناشطين الجنوبيين الي اعادة النظر في القرار فيما نظر اليه الكثيريون علي انه قرار روتيني يعني فقط ان الرئيس استرجع سلطاته التي منحها الي الدكتور رياك في وقت سابق . التفسيرات والتاويلات كثيرة ،وقد كتب برنابا بنجامين وزير الاعلام علي صفحته في الفيس بوك يدعو الجنوبيين للنظر الي القرارات في سياقها الطبيعي دون اجتهاد في تفسيرات غير صحيحة ،ودعا لما اسماه |"النقاش الايجابي للقرارات " متداخلين كثر ردوا علي وزير الاعلام باعتراضهم علي القرارات ،ودعا اخرون الحكومة الي تبصير الراي العام بالمعلومات بدلا من مفاجاته بالقرارات دون تفسير . في سياق عام وجدت ان معظم التفسيرات الجنوبية لقرارات الرئيس مرتبطة بانتخابات العام 2015 ،معتمدين علي تسريبات تقول ان رياك مشار بعد تصريحاته نهاية العام الماضي بنيته الترشح لرئاسة الجنوب في حال رسحه الحزب في مؤتمر مايو المقبل ،والان ربما هو فعلا يتجاوز النية ويعتزم ان يترشح لرئاسة الجنوب 2015 . الخرطوم قد تكون ابتسمت لقرارات سلفا باعتبار انها شواغل جديدة لجوبا ...وقد تكون غضبت لانها تري في مشار رجل مناسب يمكن الاتفاق معه .غدا نري كيف انها مخطئة في الحالتين . [email protected]