اعفاءات من رسوم السكن والتسجيل بالداخليات لأبناء الشهداء والمشاركين في معركة الكرامة    والي النيل الأبيض يزور نادي الرابطة كوستي ويتبرع لتشييّد مباني النادي    حميدان التركي يعود إلى أرض الوطن بعد سنوات من الاحتجاز في الولايات المتحدة    الكشف عن المرشحين للفوز بجائزة الكرة الذهبية 2025    لجنة أمن ولاية الخرطوم تشيد باستجابة قادة التشكيلات العسكرية لإخلائها من المظاهر العسكرية    عزيمة وصمود .. كيف صمدت "الفاشر" في مواجهة الهجوم والحصار؟    مناوي يُعفي ثلاثة من كبار معاونيه دفعة واحدة    فترة الوالي.. وفهم المريخاب الخاطئ..!!    نادي الشروق الأبيض يتعاقد مع الثنائي تاج الاصفياء ورماح    بالصور.. تعرف على معلومات هامة عن مدرب الهلال السوداني الجديد.. مسيرة متقلبة وامرأة مثيرة للجدل وفيروس أنهى مسيرته كلاعب.. خسر نهائي أبطال آسيا مع الهلال السعودي والترجي التونسي آخر محطاته التدريبية    شاهد بالفيديو.. بالموسيقى والأهازيج جماهير الهلال السوداني تخرج في استقبال مدرب الفريق الجديد بمطار بورتسودان    شاهد بالفيديو.. جمهور مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان يسخر من الفنان محمد بشير بعد إحيائه حفل "ختان" بالعاصمة المصرية القاهرة    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    شاهد بالصورة والفيديو.. سيدة سودانية تطلق "الزغاريد" وتبكي فرحاً بعد عودتها من مصر إلى منزلها ببحري    حادث مرورى بص سفرى وشاحنة يؤدى الى وفاة وإصابة عدد(36) مواطن    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس يصل مطار القاهرة الدولي    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور يوليو حرارة على الأرض    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    يؤدي إلى أزمة نفسية.. إليك ما يجب معرفته عن "ذهان الذكاء الاصطناعي"    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    عمر بخيت مديراً فنياً لنادي الفلاح عطبرة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    التفاصيل الكاملة لإيقاف الرحلات الجوية بين الإمارات وبورتسودان    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عميد الصحافة السودانية: الإدارة البريطانية للسودان فصلتني من الجامعة وأغلقت في وجهي فرص العمل بالتدريس فرفضت الهجرة ولجأت للعمل بالصحافة
نشر في الراكوبة يوم 22 - 04 - 2013

الصحف انشغلت بالأحداث اليومية عن تأدية دورها في مقاومة انفصال الجنوب... وأرفض نظرية المؤامرة فالغرب يستغل أخطاءنا ولا يفرض أجندتنا الداخلية
حاوره بالخرطوم: علوية مختار
أنا الوحيد في السودان الذي عمل بالصحافة منذ الحكم المصري البريطاني وحتى الآن.. والصحافة كانت الجهاز الشعبي الوحيد الذي قاوم الأحتلال ودعمت الاستقلال
في مكتبه البسيط بصحيفته "الأيام " التي اختار لها موقعا بحي هادئ هرباً من ضوضاء العاصمة ، ألتقت وكالة "PNA" بعميدالصحافة السودانية الأستاذ محجوب محمد صالح عميد الصحافة السودانية جال وصال في بلاط صاحبة الجلالة لما يزيد على نصف قرن، محقاً وكاتب رأي في قضايا الحرب والسلام بالسودان مقاتلاً من أجل الديمقراطية، لتتوج مسيرته في بلاط صاحبة الجلالة بحصده عدد من الجوائز العالمية والاقليمية منها جائزة حرية التعبير في العالمين العربي والإفريقي وجائزة القلم الذهبي .
وكالة "بي أن أيه" ألتقت العميد في حوار خاص وحصري للوكلة، ومع رجل عاصر الأحداث ويملك التجربة ، فهو الصحفي الوحيد في السودان المتبقي على قيد الحياة- أمد الله في عمره- الذي عمل صحفياً منذ أن كانت السودان تحت الحكم الثنائي المصري البريطاني والذي عاصر حكام السودان المتعاقبين، كانت الفرصة سانحة لنغوص معه في عمق قضايا الصحافة السودانية قديمها وحديثها، منذ نشأتها ومروراً بتحدياتها وما يعوق حريتها، فكانت أرائه الثرية ومعلوماته المتدفقة والصادمة أحياناً للكثيرين فإلى نص الحوار :
= بداية حدثنا عن نشأتك في بلاط صاحبة الجلالة ؟
- بدأت النشاط الصحفي في اواخر سبتمبر من العام 1949م وانا طالب في كلية الآداب "جامعة الخرطوم " ، وقتها كانت كلية الخرطوم الجامعية وكنت الأداب بجامعة لندن القسم الخارجي وفي السنة ما قبل النهائية تقلدت منصب السكرتير العام لاتحاد طلاب الجامعة وقدنا وقتها اضراباً سياسياً في ابريل 1949 ، واصطدمنا مع الادارة البريطانية فقررت الإدارة فصلي بجانب رئيس الاتحاد ونائبه ورفض مقترحات وضغوط تدفعني للهجرة للخارج وقررت أن أواصل العمل بالداخل، فكانت الفرصة الأولى المتاحة لي أن أعمل معلماً في مصلحة المعارف والتي تعرف حاليا بوزارة التربية في المدارس التي أنشأها مؤتمر الخريجين تحديداً ، ولكن الإدارة البريطانية منعت كل المدارس من تعييني فاتجهت للصحافة التي كانت بالنسبة لي منذ البداية الخيار الثاني فعملت محرراً في صحيفتين عربية وانجليزية احداهما كانت «صحيفة السودان الجديد العربية اليومية» والصحيفة الثانية "سودان استار " وهي صحيفة انجليزية اخبارية موجهة لغير المتحدثين تهتم بأخبار السودان وما يدور فيه، وكان سبقني بالعمل فيها محمد ابراهيم خليل "رئيس وزراء سابق " وبشير محمد سعيد، لكن في 1949 محمد ابراهيم خليل تخلى عن الصحافة وألتحق مرة اخرى بالجامعة ليدرس القانون فحللت محله ، هذه كانت بداية عملي الصحفي.
= إذن الصحافة جائتك مصادفه فلم يكن لك ميول تجاه الصحافة منذ الصغر ؟
- انا ظللت متابعاً للصحافة منذ دخولي المدرسة الوسطى في العام 1939 ، فكنا نقرأ الصحف المصرية التي ترد بالقطار عبر وادي حلفا ، وكان لدي أحد اقربائي يجلبها للمنزل، كما كنا نطالع الصحف السودانية، ففي السنة التي دخلنا فيها الوسطى كانت هناك صحيفتان تصدران في الخرطوم يوميتان "النيل" الناطقة بلسان طائفة الانصار و"صوت السودان" الناطقة باسم طائفة الختمية، وكانت كلا الصحيفتين تحاولان استقطاب الطلبة بتخصيص صفحة اسبوعية لهم، وكتبت للمرة الاولى في صفحة الطلبة في نوفمبر 1940 بصحيفة صوت السودان وكان عمري وقتها 12 سنة وانا طالب في السنة الثانية "وسطى " ، ولذلك عودتي للصحافة كانت لها خلفية ولم تأت من فراغ .
= قضايا طرحتها عبر مسيرتك الصحافية ولازالت عالقة بذهنك ؟
- أنا الان الشخص الوحيد الموجود في السودان الذي عمل في الصحافة تحت الحكم الثنائي المصري الانجليزي وتحت كل الانظمة التي تعاقبت على حكم السودان ، ووقتها القضايا التي كانت مهمة بالنسبة لنا القضايا التي كانت تهم الحركة الوطنية والتي قادها في طورها الحديث مؤتمر الخريجين، في اغلبها الذي تشكل من السودانيين المتعلمين من خريجي المدارس الوسطى والمعهد العلمي والكليات، وتأسس في فبراير 1938 في جمعية عمومية تنادى لها الخريجون من كافة انحاء السودان ، فلما دخلنا المدرسة الوسطى كانت الصحف حافلة بأخبار مؤتمر الخريجين ونشاطه إلي أن ظهرت الأحزاب السودانية سنة 1945 ، وظهرت المدارس الفكرية المختلفة ممن تنادي بالوحدة مع مصر، والداعية للاستقلال، وبعد ذلك نحن جئنا للصحف في سنة 1949والحركة الوطنية وقتها اشتدت بجانب الدعوة لجلاء القوات البريطانية وما إلي ذلك والتي كانت قوية جدا ، وهذا كان المعترك الذي عملنا فيه بالصحافة واصبحنا جزءاً من هذا الصراع الدائر ، واقتصر العمل في تلك الفترة على التوعية بالقضية الوطنية، وشهدت تلك الفترة صراعاً مابين الصحافيين و البريطانيين وزج بالصحافيين في السجون، واستمر الوضع كذلك الي ان جاء الحكم الذاتي وتقاصر حكم البريطانيين وحدث اهم حدث بتوقيع الاتفاقية المصرية البريطانية حول مستقبل السودان ، واهتمت الصحف بها فكل ذلك الزخم السياسي اوحى لنا كشباب صحفيين، واتاح لنا ان نفكر في انشاء صحيفة ، ففكرت انا ومحمد بشير سعيد ومحجوب عثمان في اصدار "جريدة الايام"، والفكرة تبلورت اكثر بعد توقيع البريطانيين والمصريين لاتفاقية في 12 فبراير 1953 تمنح السودان الحكم الذاتي ومرحلة انتقالية لمدة ثلاثة اعوام يتم خلالها سودنة الوظائف في الخدمة المدنية والاحلال وجلاء الجيوش المصرية والانجليزية من السودان، على ان يقرر السودانيون بعدها مابين الوحدة مع مصر او الاستقلال، وفي تلك المرحلة اصدرنا اول عدد من صحيفة الايام في الثالث من اكتوبر 1953 لتنضم لكوكبة الصحف التي سبقتها للصدور للعمل في معركة الاستقلال .
مشهد من السودان تحت الإدارة المصرية البريطانية
= هل تعتقد ان الصحافة السودانية لعبت دوراً أساسياً في استقلال السودان سنة 1956م ؟
- الصحافة كانت تلعب دوراً مبكراً في هذا المجال وفي التوعية ايضا لان قدرها ان تصبح الجهاز الوحيد في المجتمع الموكول له مهمة بناء الرأي العام والتعبير عنه، لانها سبقت في الوجود الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية والمجالس المحلية ، وبالتالي أصبحت مؤسسة المجتمع الاساسية التي تعبر عن رؤى الشعب وافكاره وتخلق وتدعم الرأي العام، واصبحت تلعب هذا الدور على المستوى الاجتماعي والثقافي منذ وقت مبكر من خلال اغلبية السودانيين الذين كتبوا في صحيفة السودان التي كانت أجنبية الملكية وأجنبية التحرير، وفي الغالب الأعم كانت أجنبية القراء، ثم انتقلوا لمرحلة تولي تحرير صحف كانت أجنبية الملكية مثل "رائد السودان" التي كانت عبارة عن ملحق ثقافي لصحيفة يومية تصدر بالانجليزية، ثم جاءت المرحلة الثالثة إذ أصدر السودانيون صحيفة "حضارة السودان" التي كانت ملكيتها سودانية وكل محرريها واغلب قرائها سودانيين، والصحافة التي نتحدث عنها في الستينات خلفها هذا التراث وخلفها ايضا تراث المجلات الثقافية والاجتماعية السياسية بدءاً من النهضة ومرورا بالفجر لذلك كان هناك رصيد ايجابي حتى وصلنا به هذه المرحلة ، واعتقد أن صحيفة الايام بالذات لعبت دوراً متميزاً في تحقيق استقلال السودان.
= "مقاطعة " ..كيف بنيت حكمك هذا ؟
- الساحة السياسية السودانية منذ مؤتمر الخريجين بل قبل ذلك أي منذ أحداث حركة اللواء الابيض سنة 1924م وبعد نهاية الحرب العالمية الاولى كان يتجاذبها تياران حول مستقبل السودان ، تيار يطالب بتحرير السودان وجلاء الانجليز وقيام وحدة بين مصر والسودان مع الاختلاف في مفهوم الوحدة ودرجاتها متدرجا من الاندماج الكامل في مصر حتى الاتحاد الكونفدرالي، ولذلك قامت احزاب مختلفة تدعو للاتحاد بدرجات مختلفة ، وفي المقابل كان هناك تيار اخر تشكل بعد الحرب العالمية الاولى وقاد التعبير عنه جريدة حضارة السودان، والمعسكر الاخر لم تكن لديه صحيفة كما ان البريطانيين لم يسمحوا له بالتعبير عن رأيه بصورة علنية وانما كانوا يكتبون اراءهم في الصحف المصرية او في منشورات ، وتطور هذا الصراع الي مابعد الحرب العالمية الثانية وانفجر في احداث سياسية بدأت في مصر خلال النصف الثاني من الاربعينات، وهنا اشتد قوام الحركة الوطنية واصبحت هنالك مدرستان تتصارعان: مدرسة تؤيد التعاون مع البريطانيين بجانب خطة متدرجة نحو الحكم الذاتي والاستقلال بالاتفاق مع بريطانيا، وآخرى تطالب بالجلاء الفوري للقوات البريطانية ونوع من الوحدة بين مصر والسودان، ودون خوض في تفاصيل تلك المرحلة فان الأمر الذي احدث نقلة سياسية هو اندلاع الثورة المصرية في يوليو من العام 1952 والاطاحة بالنظام الملكي بمصر وتبني الثورة المصرية مبدأ ان يقرر السودان مستقبله سواء بالوحدة أو الاستقلال وهذا فتح الطريق لمفاوضات جادة بين مصر وبريطانيا حول الجلاء من مصر والسودان وحول تمكين السودان من تقرير مصيره، هذه كانت خطة توحد حولها السودانيون سواء دعاة استقلال او وحدة لانه في النهاية يحيل الأمر للشعب السوداني ليحسم هذا الصراع ، ومصر من جانبها وحدت دعاة الوحدة في الحزب الوطني الاتحادي وتشكلت مبادرة وطنية من مندوبي الاحزاب المصرية وفتحت مصر محادثات حتى مع دعاة الاستقلال ووصلت معهم لاتفاقات وبالتاللي المفاوض المصري اصبح مدعوما بالرأي العام السوداني ، ودخلت امريكا على الخط ومارست ضغطاً على بريطانيا لكي تصل لاتفاق مع مصر لان امريكا وقتها كانت تخطط لبناء منظومة للدفاع عن الشرق الاوسط تلعب فيها مصر دوراً أساسياً وكانت تريد ان تدع الخلاف حول قضية السودان خلف ظهر مصر لتضمنها لجانب المعسكر الغربي .
هذه الظروف جعلت المفاوضات المصرية الانجليزية تصل لاتفاق للحكم الذاتي في السودان توقع في القاهرة يوم 12فبراير 1953نص على أن يقرر السودان مصيره بين الوحدة والانفصال، وحملت إجراءات وجداول محددة لتنفيذ الاتفاق، وهنا الوضع السياسي اصبح واضحا والصحف طيلة تلك الفترة كانت تركز علي معالجة القضايا الاساسية للسودان والحكم القادم ونزاهة الانتخابات ومراقبتها ، وأحتدم الصراع حول تقرير المصير وحدة او انفصالاً ، والصحف اخذت مواقف هنا وهناك وجرت الانتخابات ووصل الحزب الاتحادي الديمقراطي الداعي للوحدة مع مصر لحكم السودان باغلبية مكنته لاول واخر مرة في تاريخ البلاد ان تكون لحزب واحد اغلبية مطلقة تمكنه من الحكم دون ان يتحالف مع حزب اخر، وتولى السلطة بالبلاد، واصبح الوضع ان السودانيين اختاروا حزب وحدة وادي النيل لكن كان هناك عدد كبير من السودانيين حتى من اعضاء هذا الحزب أبدوا احساساً على ضرورة التعديل او التخلي عن شعار الوحدة خاصة بعد ان اتيحت لهم الفرصة في الاستقلال ، فنحن في صحيفة الايام كنا نؤيد رأي الاستقلال وهو ايضا كان رأي كثير من قواعد الحزب الحاكم ولذا ابتدرنا حملة صحافية كبيرة تخاطب قواعد الحزب الاتحادي ، توضح ان مفهوم الوحدة كان الغرض منه توحيد الكفاح المصري السوداني لتحريرالبلدين معا من الاحتلال البريطاني وليس الغرض منه ان تندمج سيادة السودان في بلد اخر، وان المطلوب ان نكون دولتين ذاتا سيادة وتقوم بينهما علاقة على اساس العمل المشترك، ونجحنا فعلا في اقناع قواعد الحزب الحاكم لان ينحازوا للاستقلال مع وجود علاقات مميزة مع مصر، طبعا هناك صحف وقفت مع وحدة وادي النيل بشكلها القديم، واخرى وقفت مع الاستقلال، وهذه كانت مرحلة مليئة بالنشاط الفكري والسياسي والتعبوي، والصحف كانت تلعب دوراً مهماً فيها ،وانا في رأيي هذه كانت من اخصب سنوات العمل السياسي بالنسبة للإعلام لانها كانت مرحلة مفصلية في تاريخ السودان الحديث
محجوب محمد صالح
= ألا تعقد أن الصحافة السودانية كانت لديها مسئولية وطنية في ما يتعلق بانفصال جنوب السودان وقصرت فيها ؟
- انفصال الجنوب قضية مختلفة لانه جاء بعد حرب استمرت فترة طويلة جدا وخلقت واقعاً مختلف بدأت منذ اغسطس 1955م لاسباب عديدة لكن التعامل معها اختلف من مرحلة لاخرى ومن نظام لنظام، والحقيقة الاساسية ان كثيرا من المشاكل السياسية العالقة بالبلاد والتي ادت الي انقلابات عسكرية واضطرابات سياسية كانت مشكلة الجنوب من اهم اسبابها.
القوى السياسية فقدت السلطة بعد اقل من عامين من الاستقلال وهي تعارض النظام كانت تنتقد سياسته تجاه الجنوب والجنوب كان حاضرا في السياسة السودانية بصورة مستديمة ، لكن على الارض هذه الأزمة خلقت مشاكل عديدة وواقعاً مأساوياً زاد من تخلف الجنوب وخلقت مرارات بين الشماليين والجنوبيين من الصعب تجاوزها بسهولة ، لكن العلامة الفارقة كان ان ظهرت حركة تتحدث عن تحرير السودان بشكل عام لان شعارات الجنوبيين وقتها كانت تتراوح مابين الحكم الذاتي والمطالبة بالانفصال ولم تظهر حركة تنادي بالوحدة على اساس جديد سوى الحركة الشعبية ، لكن النتيجة التي وصلنا لها بالانفصال كانت متوقعة لانه لاتوجد حركة متمردة حملت السلاح واتيحت لها فرصة للانفصال واختارت الوحدة .
= "مقاطعه ": لكن الصحافة السودانية لم تقم بدورها لاقناع الجنوب بالوحدة ؟
- الاشكالية أٍن المرحلة الانتقالية التي تلت توقيع اتفاقية السلام الشامل كانت طويلة ومعقدة وجاءت في وقت كان السودان يعاني فيه مشاكل كثيرة ، لذلك الصحافة انتقلت بين الاختلاف اليومي للحاكمين الاثنين "البشير وسلفاكير "خاصة وان اتفاقية السلام لم تكن اصلا شاملة لا من ناحية الموضوع ولا الاطراف المتفاوضين حولها.
فمن ناحية الموضوع عند توقيعها وتنفيذها كان هناك احتقان في شرق السودان وفي غربه وفي دارفور ، ومن ناحية الاطراف الحكومة حكومة عسكرية استولت على السلطة بانقلاب عسكري والحركة الشعبية ايضا عسكرية وهما من انفردا بالتفاوض ولم يشركا الاخرين ، وانفردا ايضا بالسلطة وداخل السلطة عاشوا في صراع مستمر وهذا كان الزاد اليومي للإعلام الذي ظل مهتماً بشجارهم اليومي واختلافاتهم وانسحاباتهم من الحكومة والاضرابات عن الوزارات والانفجارات العسكرية والملشيات والحروب والصراعات القبلية في المناطق الحدودية ، كل ذلك غير الصورة للإعلام واصبحت مسئوليته الاولى متابعة الحدث اليومي فاذا ماعدنا لما نشر في الإعلام خلال تلك الفترة سنجد انه كانت هناك كل يوم تظهر مشكلة تلهيه عن القضية الاساسية ، لذلك الفترة الانتقالية بحكم المنتوج كانت استمرارا للصراع السابق بصورة اخرى وتعميقاً للخلاف ، والإعلام صحيح ما عالج المشاكل الكلية لانها اصلا لم تطرح وانما كان مغرما بالجزئيات والتفاصيل وهي لم تشغل الناس على مدى ست سنوات واصبحت تقيم حواجز تنعكس على الرأي العام .
= هل تعتقد ان ذلك كان جزءاً من مخطط لشغل الإعلام عن القضية الأساسية باقناع الجنوبيين بالوحدة ؟
= أنا شخصياً ضد نظرية المؤامرة ، ولا اعتقد ان الخارج سيحدد لنا اجندتنا ، فالخارج يحدد اجندته استفادة من اخطائنا ونقاط ضعفنا ويتدخل في شؤونا بصيغة لا نقبلها ليس لانه خطط لها ولكن نتيجة لانه وجد من ممارستنا مايشجعه على ذلك .
في الحلقة الثانية: الإعلام لايمكن أن يشعل ثورات بمفردة والقول بذلك مبالغة .. والصحافة العربية مأزومة.. والصحفيين لم يطورون انفسهم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.