ترجمة: بابكر فيصل بابكر نقلا عن : نيويورك تايمز الأحداث التي تجري في السودان كبيرة للغاية ، و قد ظلت عالقة في ذهني منذ بدايتها, فمن المستحيل الا يشغلك هذا النوع من الأحداث و الذي يستبطن تغيير مسار التاريخ السوداني, ومع ذلك فإنَّ المهم هو أن نركز على ما تعنيه هذه الأحداث للسودانيين أنفسهم. يبدو أن وسائل الإعلام أيضاً وجدت نفسها منغمسة في تشريح الوضع على المستوى الكلي كي تلفت الانتباه إلى ما يجري على الأرض من تفاصيل, وبذلك أضحت كمن يركز على ذرات الرِّمال ويتجاهل الصورة الكاملة للصحراء. عند التفكير في مشاكل السودان الجارية، من المهم أن نتذكر ثلاثة أشياء: أولاً، الناس لا يتصرفون مثل كرات البلياردو، وبالتالي فإنَّ محاولة مُعاملتهم على هذا النحو ( أى مثل كرات البلياردو) هي مضيعة للوقت. كرات البلياردو لا تفجر نفسها فجأة على الإطلاق. ثانياً، السودان مزقتهُ عقودٌ طويلة من الحرب الأهلية والكراهية العرقية، لذلك فإنَّ عقلية السلام والاستقرار تبدو غريبة عليه. ثالثاً، الحُرية فكرة قوية للغاية : إذا كان الإستبداد ستار حديدي للسودان، فإنَّ الحرية هي بالتأكيد وعاء الرياحين بالنسبة له. عندما كنت في السودان في أغسطس الماضي، دهشتُ لتنوع المأكولات المحلية،وهذا يوحي لي بأمرين : أنَّ السودانيين لا ينقصهم وجود المبدعين من أصحاب روح المغامرة في مجال الأعمال والتجارة ، وهذا يشكل بداية طيبة يُمكن البناء عليها. ثانياً، أنَّ الناس في السودان هم تماماً مثل الناس في أي مكان آخر على ظهر البسيطة. إذاً ماذا ينبغي أن نفعل تجاه الفوضى الجارية في السودان؟ حسناً، من الأسهل أن نبدأ بما لا ينبغي لنا أن نفعله. لا ينبغي لنا أن نتجاهل المشكلة و نتظاهر بأنها سوف تحل من تلقاء نفسها, أبعد من ذلك، نحن بحاجة إلى أن نحرص على رعاية بذور المجتمع المعتدل (غير المتطرف) والحديث. الفرصة متاحة، ولكن أخشى القول أنَّ الطريق إلى الاستقرار ضيقة بحيث سيتعين على السودان السير فيه ببطء شديد, وبالطبع تحتاج الخرطوم للشعور بأنها جزء من هذه العملية. تحدثتُ مع صاحبة أحد المشاريع التجارية الصغيرة من أهل السُّنة الذين لا يحظون بشعبية هنا، سألتها إذا كانت هناك أي رسالة تريدني أن أحملها لأمريكا, فكَّرت لبرهة، ثم ابتسمت وقالت لي بلغة عامية مثل محلي يعني تقريباً " كل فرع في الشجرة يرمي بظله الخاص". أنا لا أعرف كيف سيكون حال السودان بعد بضع سنوات من الآن، لكني أعرف أنه سوف يظل وفياً لتراثه الثقافي، حتى لو كان يبدو مختلفاً جداً من البلد الذي نراه الآن. أنا أقول ذلك لأنهُ على الرغم من كل الإضطراب الذي يشهده السودان إلا أنَّ الناس لم يفقدوا التركيز على أحلامهم.