هل تستعد الحكومة الأميركية للرد على اعتداء كبير بالأسلحة البيولوجية أم على انتشار فتاك للأمراض في هذا البلد؟ عند النظر إلى أحد الجهود المبذولة (تنام تدريجي للمخزون الوطني من اللقاحات والعلاجات بالأدوية لمجابهة أهوال مثل الجمرة الخبيثة وإنفلوانزا الطيور)، لا شك أن الجواب هو نعم. كارل فرانزين أضاء على الوقائع التالية في «ذي فيرغ». وكالة أميركية في الولاياتالمتحدة، مسؤولة عن بناء المخزون الوطني من اللقاحات والعلاجات، تموّل ابتكار عدد إضافي من أنواع إنفلونزا الطيور الفتّاكة والمُعدية فضلاً عن أمراض أخرى تنقلها الحيوانات ويمكن أن تتكاثر على نحو خطير إذا لم يتم التعامل مع المشكلة بالطريقة المناسبة. أدت هذه المفارقة إلى دق ناقوس الخطر في أوساط بعض الباحثين في أنحاء البلد، فقد حذروا من أن الحكومة تُضعف على الأرجح استراتيجية الدفاع البيولوجي التي تطبقها. وقّع الرئيس الأميركي باراك أوباما في شهر مارس قانوناً يمنح تمويلاً بقيمة 2،8 مليار دولار لمشروع دفاعي بيولوجي يمتد على عقد من الزمن اسمه {مشروع الدرع البيولوجي}، وقد مدّده لخمس سنوات إضافية. {مشروع الدرع البيولوجي} هو الاسم العام لعدد من البرامج المختلفة، وقد تم إطلاقه أساساً في عهد الرئيس جورج بوش الابن في عام 2004 مع تمويل بقيمة 5.6 مليارات دولار على فترة عشر سنوات، وقد كاد المشروع يُستنزَف هذه السنة لو لم يصدر قرار بإطالة مدته. تهدف تلك الجهود بشكل أساسي إلى مساعدة الحكومة الأميركية على بناء مخزون وطني من الأدوية بطريقة سريعة وجماعية باعتبارها {تدابير طبية مضادة} (لقاحات وترياقات وعلاجات أخرى) يمكن إعطاؤها سريعاً إلى الناس قبل حصول هجوم بيولوجي إرهابي أو عند وقوع هجوم مماثل. هكذا يعمل «مشروع الدرع البيولوجي» حتى الآن: تستعين وزارة الأمن الداخلي بتقارير استخبارية لتحديد الأمراض والتهديدات البيولوجية التي تُعتبر «ملموسة» أو التهديدات الواقعية على الأمن الأميركي، ثم تحيل النتائج إلى وزارة الخدمات الصحية والبشرية التي تحدد مدى حاجة الحكومة إلى طلب أدوية جديدة من شركات الأدوية لمحاربة التهديدات. لحث الشركات على تطوير الأدوية بسرعة كافية، تعرض وكالة تمويل ضمن وزارة الخدمات الصحية والبشرية، تُدعى «هيئة الأبحاث البيولوجية الطبية المتقدمة والتنمية» («باردا»)، عقوداً مربحة ويمكن دفع كلفة جزء منها مسبقاً. تقدم أيضاً وسائل لتسريع عملية المصادقة على الأدوية وتضمن كميات معينة من المشتريات. على مستويات كثيرة، حققت هذه العملية النجاح وقد أمّنت وكالة «باردا» 17 تدبيراً طبياً مضاداً ومختلفاً بقيمة تفوق ما مجموعه مليارَي دولار، بما في ذلك أدوية تُستعمل لتجنب ومعالجة تهديدات مثل الجمرة الخبيثة والجدري وإنفلونزا الطيور أخيراً. في تقييم نُشر حديثاً عن «مشروع الدرع البيولوجي»، كتب روبرت كادليك الذي ساهم في قيادة جهود الدفاع البيولوجي في عهد الرئيسين بوش الابن وأوباما: «توسعت المنافع وتجاوزت نوايا المهندسين الأصلية». كذلك، صرّح ريتشارد إيبرايت، أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة روتجرز في نيو جيرسي ومدير معهد واكسمان لعلم الأحياء الدقيقة، في مجلة The Verge: {كان للدرع البيولوجي أثر إيجابي}. إخفاقات لكن مقابل نجاحاته، سُجل أيضاً بعض الإخفاقات السابقة والثغرات التي لا تزال موجودة حتى اليوم. تم إبطال أول عقد صدر في عام 2004 حول الدرع البيولوجي بعدما فشلت شركة الأدوية التي فازت بالعقد في إنتاج 25 مليون جرعة من لقاح الجمرة الخبيثة خلال مهلة السنتين التي حددتها وزارة الخدمات الصحية والبشرية، علماً أن تلك المهلة {كانت لتبقى غير واقعية حتى بالنسبة إلى أهم شركة تصنيع} بحسب استنتاج تقرير من إعداد {مكتب محاسبة الحكومة}. استنتج التقرير أنّ وزارة الخدمات الصحية والبشرية ما كان يجب أن تمنح العقد في المقام الأول وأنّ {غياب المتطلبات الواضحة هو مصدر قلق بالنسبة إلى الشركات التي طُلب منها مشاركة الحكومة في مشروعها}. ثمة مشكلة كبيرة أخرى كشفتها تقارير لاحقة ترتكز على أبحاث الكونغرس وهي تتعلق بانتهاء صلاحية الأدوية المُخزّنة. مثل معظم الأدوية، ثمة تواريخ محددة لانتهاء صلاحية هذه المنتجات، لكن لم يتضح بعد مدى صوابية أن تنخرط وكالة {باردا} في تمويل {مشروع الدرع البيولوجي} لسد النقص في المخزون حين تسوء حالة الأدوية أو مدى صحة أن تلجأ إلى الشركات نفسها التي صنّعت الدواء في المقام الأول. ذكر إيبرايت أن تلك المسألة {لم يتم التطرق إليها بشكل علني طبعاً}. وفق أنباء مقلقة أخرى، لاحظ تقرير صدر عن {مكتب محاسبة الحكومة} في شهر فبراير عدم وجود تقديرات موثوقة حول عدد المختبرات الأميركية التي تستطيع هندسة مسبِّبات أمراض جديدة وفتاكة وما من محاسبة فدرالية لنوع الإجراءات الأمنية التي تطبقها. قالت لورا كان، باحثة في جامعة برنستون ومتخصصة بالدفاع البيولوجي والأوبئة: {أظن أننا زدنا وضعنا سوءاً عبر بناء مختبرات كثيرة لا تخضع لإشراف واسع}. أشارت كان إلى أن المشتبه به الأساسي لاعتداءات الجمرة الخبيثة التي لم يتم حلّها منذ عام 2001 كان خبيراً سابقاً في علم الأحياء الدقيقة ضمن الجيش وكان يستطيع الوصول إلى تلك الأنواع من المختبرات. إذا نجحت أي أبحاث من تمويل وزارة الخدمات الصحية والبشرية في ابتكار مسببات أمراض جديدة وأكثر خطورة، قد يؤدي ذلك إلى نتائج يمكن تصنيفها في خانة التهديدات على الأمن الداخلي، وقد يدفع هذا الوضع بوكالة {باردا} إلى إنفاق الأموال على الأدوية للاحتماء من النتائج التي ساهمت منظمتها الأم في تمويلها. تحدث إيبرايت عن استئناف الأبحاث عن إنفلوانزا الطيور وأبحاث حديثة أخرى من تمويل وزارة الخدمات الصحية والبشرية حول عنصر مغاير من الجمرة الخبيثة، بما يشبه بعض الأمثلة عن نوع التهديدات التي قد تؤدي إلى هذه الآثار التفاعلية (مع أن أحداً لم يفعل ذلك حتى الآن). تعليقاً على المخاوف، اعتبرت وزارة الخدمات الصحية والبشرية أن الجهدين (الأبحاث عن الأمراض وتخزين الأدوية) لن يؤثرا على بعضهما البعض. قال روبن روبنسون، مدير وكالة {باردا} الحائز شهادة دكتوراه، في رسالة إلكترونية إلى مجلة The Verge: {لن يتأثر نوع الأبحاث التي تدعمها {باردا} باستئناف الدراسات عن إنفلوانزا الطيور. ما من تداخل بين هذه النشاطات وبرامج تطوير التدابير الطبية المضادة التي ترعاها وكالة {باردا} تحت راية {مشروع الدرع البيولوجي} وخطة {التأهب لمواجهة الإنفلونزا الوبائية}. بغض النظر عن الموقف السائد من الوضع الراهن للدفاع البيولوجي الأميركي، يتّضح من خلال الوثائق المتوافرة (بما في ذلك الوثائق التي أصدرتها وزارة الخدمات الصحية والبشرية نفسها) أن النظام قد يصبح أكثر فاعلية وتنظيماً وأماناً بنسبة معينة. يشتكي إيبرايت وكان من تراجع عدد المنظمات المستقلة التي تراجع عمل الحكومة في هذا المجال المهم، ما يعني أن الحكومة تتحقق من أفعالها بنفسها. يظن إيبرايت من جهته أن الولاياتالمتحدة ستبلي حسناً إذا قررت تعيين {قيصر للتأهب البيولوجي المركزي} كي ينسّق بين هذه الجهود المتفاوتة مع الحرص على ألا تلغي تلك النشاطات بعضها البعض. حاولت وكالة {باردا} حل واحدة من مشاكلها الخاصة (وحدها الشركات الصغيرة حاولت تنفيذ العقود لملء مخزون الأدوية) من خلال ابتكار شركاء جدد من القطاعين العام والخاص بهدف تكثيف إنتاج الأدوية خلال السنوات الخمس المقبلة. «حبذا لو تحقق تغيير كبير بعد استبدال إدارة بوش!» صرّح إيبرايت في مجلة The Verge: {حبذا لو تحقق تغيير كبير بعد استبدال إدارة بوش. أطلقت حملة أوباما جميع الوعود الصائبة عن السياسة المبنية على العلوم. من المؤسف أن نلحظ الآن أنها تحتفظ بالبنى والبرامج الشائبة نفسها في مجال التأهب البيولوجي}. في نهاية المطاف، يأمل الباحثون الذين يدقون ناقوس الخطر أن يحصل تغيير في السياسات المطبقة بحلول عام 2016 أو قبل ذلك... أي قبل أن يظهر تهديد لا نكون مستعدين لمواجهته. يوضح إيبرايت: «الطريقة الأخرى التي تضمن حصول تغيير معين هي الطريقة التي نأمل عدم حدوثها مطلقاً».