على مشارف المدخل الجنوبي للعاصمة السودانية الخرطوم يقع معسكر سوبا لإيواء النازحين الجنوبيين بقاطنيه الذين يربو عددهم على 20 ألفا. تبدو داخل هذا المعسكر المترامي الأطراف حركة نشطة هذه الأيام مع بدء برنامج إعادة توطين النازحين في مناطقهم الأصلية بجنوب السودان. وتتسارع وتيرة تفويج هؤلاء النازحين، إذ يبدو أن الجهات المنظمة لهذه العمليات تسابق الوقت لنقلهم قبل الاستفتاء المقرر في التاسع من يناير المقبل والذي سيحدد مصير الإقليم إما بالوحدة مع الشمال أو الانفصال عنه. الصمت هو سيد الموقف داخل هذا المعسكر المقسم إلى عدة أحياء حسب القبائل التي ينتمي إليها النازحون. غالبية قاطني المعسكر أميون فيما الفئة القليلة المتعلمة تعتبر أن الوقت قد فات "للحديث بشأن السودان الموحد". وتعكس قناعات وآراء عدد من سكان المعسكر مزيجا من الترقب والقلق والآمال والمخاوف تجاه العودة للجنوب. وفيما يتطلع البعض "لحياة رغدة بعد المعاناة في الشمال"، يقف البعض الآخر متوجسا أمام "تجارب غير سارة" لعدد من الذين سبقوهم بالعودة إلى الجنوب. ويبدو أن النازحين من قبيلة الدينكا، وهم من القلة المتعلمة داخل المعسكر، الأكثر رغبة في العودة للجنوب ويحملون آمالا كبيرة في مستقبل زاهر ينتظرهم في "جنة الجنوب الموعودة". وتبدو هذه الأحلام الوردية في حديث عدد من النازحين الذين يعولون بشكل كبير على "الوعود الأوروبية والأميركية بدعم دولتهم الناشئة بعد الانفصال". وفي المقابل يبدي أبناء قبيلة النوير بالمعسكر مخاوفهم من المجهول، ويعتبرون أن وجودهم بالشمال، رغم المعاناة التي يكابدونها، أكثر أمانا لهم ولأسرهم. ويوافقهم أبناء قبيلة الشلك وغالبيتهم من المسلمين الذين أكدوا أنهم لن يذهبوا إلى الجنوب "بسبب الخوف من تسيد القبائل التي تسيطر على حكومة الجنوب الآن ومعظمها من فروع قبائل الدينكا". يقول ميوم دينق ( 35 عاما) وينتمي لقبيلة الدينكا ويعمل حدادا، إنه "ينتظر بفارغ الصبر أن يحين دوره في السفر إلى بلده بالجنوب وهي منطقة ليريا توريت". وتعهد حزب الحركة الشعبية الحاكم بالجنوب بتحمل كافة نفقات ترحيل هؤلاء النازحين، وتوفير الغذاء والمأوى لهم في بداية وصولهم إلى مناطقهم. ويحلم دينق الذي أمضى 20 عاما في الشمال، بالهجرة إلى أميركا والتي ستكون – حسب اعتقاده- متاحة بسهولة من الجنوب الجديد بعد الانفصال. ويبدي لول مجاك شول (20 عاما) طالب بالمرحلة الثانوية، من قبيلة دينكا نوق في منطقة أبيي، رغبة شديدة في العودة لدياره "لأن المسؤولين الحكوميين بالجنوب وعدوهم بالعمل في مشاريع البترول بعد انتهاء الاستفتاء وانفصال الجنوب". وفي المقابل يروي سلطان النوير (وهو رجل يتسم بالحكمة) في حديث جزءا من تاريخ نزوح قبيلته إلى الشمال بسبب الحرب في ثمانينات القرن الماضي. وقال إنه ضد فكرة الانفصال والعودة إلى الجنوب في هذا الوقت، مستصحبا شرور الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من 20 عاما. يقول السلطان إنه مرتبط بتعليم أبنائه في المدارس الجنوبية بالشمال "ولا يريد الانتقال إلى الجنوب لأن مقومات الدولة معدومة هناك وليس هناك ضامن للأمن". وأضاف أنه يشجع أفراد قبيلته على عدم العودة للجنوب مهما كانت نتائج الاستفتاء. وفي المقابل تبدي تيريزا دينق (45 عاما) وهي من قبيلة الزاندي وتعمل عاملة نظافة بمستشفى بالخرطوم، حماسا كبيرا للعودة للجنوب "للمساعدة في إعماره". وقالت إنها تريد أن تعمل بالزراعة في منطقتها. زاهر الخاتم الوطن اونلاين