تبكير الاتحاد بالانتخابات متعمد مع سبق الإصرار ومحاولة لاستباق القانون الجديد ظللت أدافع عن أهلية وديمقراطية الحركة الرياضية على مدى نصف قرن لكن ذلك لا يعني الوقوف مع الاتحاد في الخطأ حتى يكون الحوار رياضياً رياضياً وليس حكومياً رياضياً … مدخل أول : لقد تابعت كغيري من الرياضيين ما كان يدور في الفترة الأخيرة من حراك حول الجمعية العمومية للإتحاد العام لكرة القدم السوداني … والجدل الذي ثار حول موعد إنعقادها ، ولعله لأول مرة في تأريخ الحركة الرياضية يكون "تأريخ إنعقاد الجمعية العمومية الإنتخابية" في حد ذاته هو المحور الرئيسي للخلاف والإختلاف … ولأول مرة في تأريخ الحركة الرياضية يكون لتقديم موعد الجدول الإنتخابي للإتحاد العام للكرة أو تأخيره دلالات ينقسم الرياضيون حولها بين مؤيد ومعارض … لقد أعلن مجلس إدارة الإتحاد العام ولأول مرة في التأريخ لإنتخابات مبكرة ، نعترف أنها ليست مبكرة جداً ، ولكنه تبكير متعمّد مع سبق الإصرار … لايختلف إثنان من كل الرياضيين أن التأريخ الذي حدده الإتحاد العام كان خطوةً إستباقيةً لسريان قانون هيئات الشباب والرياضة لسنة 2016 … تدخلت الوزارة والمفوضية لتأجيل الجمعية العمومية بدعوى أن القانون الجديد سيقود لتعديلات في النظم الآساسية لمعظم الهيئات الرياضية وأولها اللجنة الأولمبية السودانية والإتحاد العام للكرة.. تم عقد إجتماعات "خجولة" بين الوزارة والإتحاد العام للكرة حول الخلاف.. تارة يتم الإعلان عن إتفاق وتفاهم بين الطرفين ، وأخرى يظهر خلاف بينهما ينذر بالخطر والمواجهة … ثم تدخّلت الفيفا بناء على تقرير من الإتحاد العام حول قيام الجمعية العمومية … وبلغة السياسيين تم تدويل القضية … وكالعادة لوّحت الفيفا بسلاح تجميد النشاط الرياضي بالسودان ما لم يتم تنفيذ جدول الإنتخابات كما أعلنه الإتحاد العام وبالقانون القديم … لأن الفيفا ببساطة شديدة لا تقبل أي تدخل من أي طرف ثالث ، خصوصاً الحكومة ، في الشأن الرياضي … ولعل أخطر ما في الموقف الحالي أن المؤيدين لقيام الجمعية العمومية المبكرة في ظل القانون القديم ، وتدخّل الفيفا أعطوا الإنطباع بأن الصراع أو الإختلاف بين الحكومة والرياضة الأهلية … يعني حوار حكومي – رياضي … ولكن في تقديري أن الصراع والخلاف هنا، وينبغي أن يكون رياضياً – رياضياً ، بعيداً عن الحكومة … والسؤال المحوري هنا : هل نحن كرياضيين ، نمثّل أهلية العمل الرياضي وديمقراطيته ، مقتنعون ومجمعون على أن مصلحة الكرة السودانية في تقديم موعد الإنتخابات أو حتى لو كانت في موعدها ، هل نحن مقتنعون ومجمعون على قيامها في ظل قانون 2003 ؟؟؟ … والإجابة على هذا السؤال الهام ينبغي أن تكون أحد محاور الحوار الرياضي – الرياضي … حتى لا تكون الدولة طرفاً في خياراتنا … مدخل ثان : لقد ظللت كرياضي ولمدة قاربت نصف قرن من الزمان وبقناعة لم يتطرق إليها أدنى شك أدافع عن أهلية الرياضة ، وكنت دائماً منحازاّ لحركتنا الرياضية … رافضاّ للتدخّل الحكومي في الشأن الرياضي … ولم تتغيّر أوتتبدّل قناعتي هذه حتى عندما كنت جزءاّ من الحكومة ، وزيراً أكثر من مرة ، ورئيساً للمجلس التشريعي … ولم يكن رأيي أو ملاحظتي لأي مسئول حكومي ، سواءاّ كان ذلك بصفة رسمية أو شخصية ، في يوم من الأيام مغايراّ أو مناقضاً لهذه القناعة … ولكن هذا لا يعني الوقوف مع الإتحاد العام للكرة في الصواب والخطأ … ولا يعني الوقوف في مواجهة الدّولة حتى إن عمدت لإصلاح العمل الرياضي … وحتى لا يتهمني البعض بأن رأيي الذي أنشره اليوم حول الأحداث الآنية هو وليد لحظة أو رد فعل للأحداث الجارية حالياً ، أرجو أن أرجع بالذاكرة لشهر رمضان قبل الماضي ، أكرر قبل الماضي ، عندما إستضافني الأستاذ/ هيثم كابو في حلقة من حلقات برنامجه التلفزيوني "بدون حصانة" … ومن ضمن حديثي في تلك الحلقة وبالحرف الواحد قلت : "لقد تابعنا كرياضيين الزلزال الذي هزّ عرش الفيفا ، وكان من تداعياته إيقاف جوزيف بلاتر رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم ، وميشيل بلاتيني رئيس الإتحاد الأوروبي لكرة القدم ، بتهم تتعلق بالفساد المالي … وهنا تستحضرني مقولة للحكم الدولي المرحوم حسن عبد الحفيظ التي ردّ فيها على الهجوم العنيف على الحكام وإتهامهم بالرشوة … قال رحمة الله عليه : الرشوة لا يمكن أن تنشأ من طرف واحد ، فإذا كان الحكام مرتشين ، فمن الراشي ؟ ولماذا لا تسألون عمن أفسد الحكام ؟ … وهذا التساؤل يقودني مباشرةً إلى أن الإتحادات الوطنية على مستوى كل العالم أصبحت موضع شبهة فساد مالي … وفي رأيي أن أي إتحاد وطني في العالم مطالب بإبراء ذمّته ، وإصدار صك براءة … وناشدت الإتحاد السوداني أن يكون القدوة ويقدم النموذج لكل الإتحادات بتقديم صك براءته طوعاً وإختياراً …" هذا ما ذكرته في التلفزيون قبل أكثر من عام ، وأكرره اليوم لأني لا أريد لقيادتنا الكروية أن تتورط في أي شبهة … مدخل ثالث : لقد أثار الجدل حول أفضلية قيام الإنتخابات بالقانون القديم أو الجديد غباراً كثيفاً كاد يحجب الرؤية عن القانون الجديد ، وأوحى سلوك الإتحاد العام بالإصرار على قيام الجمعية العمومية بالقانون القديم والخلاف حول تأريخ قيامها ، أن القانون الجديد معيب ، وكأنما قيام الجمعية في ظله فيه إضرار بالحركة الرياضية وأهليتها … وحتى لا تشوّه سمعة القانون الجديد ، أقول وبالفم المليان لكل الذين لم يتابعوا أو يطّلعوا على نصوص القانون الجديد أنه قانون يمثّل طفرة ونقلة نوعية للأفضل للحركة الرياضية … فجاء مواكباً لدستور السودان الإنتقالي لسنة 2005 الذي جاء في المادة (14) منه "(3) تحمي الدولة وتدعم المؤسسات الرياضية وتضمن إستقلاليتها.". وفي تقديري كان الأوفق للرياضيين الإحتفاء بالقانون الجديد وتهنئة الدولة على ما قدمته في هذا القانون ، وليس إفتعال مشكلة إجرائية تضع غشاوةً على أعيننا من تلك المكاسب كما سأوضح لاحقاً … بعد المداخل الثلاثة أعلاه آمل أن نناقش ، كرياضيين ، قضية ما يصلح الرياضة والرياضيين بعيداً عن الحكومة … وعندما نصل لهدفنا بفهم مشترك ستكون لدينا القدرة للتعبير عن رأينا للدولة والوقوف خلفه … وأرجو أن أوجز رأيي حول إنتخابات الإتحاد العام المثيرة للجدل في التالي : أولاً : كلنا يعلم أن اللجنة الأولمبية الدولية والفيفا دفعتا بمذكرات للجنة الأولمبية السودانية والإتحاد السوداني لكرة القدم عام حول بعض الإصلاحات التي يطلبونها في قانون الرياضة السوداني … والشكر كل الشكر لكل من ساهم في إعداد القانون الجديد من مجلس وطني ومجلس وزراء ووزارة الشباب والرياضة الذين إستجابوا لمعظم مطلوبات اللجنة الأولمبية الدولية والفيفا … نأخذ مثالاً : المادة 21 (1) (ب) من قانون 2003 تنص ضمن إختصاصات المفوضية القومية على "(ب) الإشراف على إنتخابات هيئات الشباب والرياضة" … وقد جاء في المادة (21) البند (1) من قانون 2016 : " تقوم لجنة مستقلة بإجراء إنتخابات لكل من اللجنة الأولمبية والإتحادات الرياضية التي تخضع إنتخاباتها للنظم الأساسية للإتحادات الدولية النظيرة لها وتنتخب تلك اللجنة بوساطة الجمعية العمومية لكل منهما من داخل أو خارج أعضائها." ولعل هذا يعتبر من أكبر مكاسب الحركة الرياضية في قانون 2016 … وجاء في مذكرة الفيفا صفحة (4) البند (1-14) حول المادة (21) من قانون 2003 أنها ترفض قيام المفوضية القومية بالإشراف على الإنتخابات … فإذا جاء قانون 2016 مواكباً لمتطلبات الفيفا … فكيف يطالب الإتحاد العام بإجراء قانون 2003 بالنص المرفوض من الفيفا ؟؟؟ ، وكيف يكون خيار الفيفا الموافقة على الإنتخابات بالنص المرفوض منها وعدم إنتظار النص الذي طلبته هي وبقوة ؟؟؟ تفسيري لهذا التناقض أن المؤسسات الدولية بصورة عامة تكون دائماً أسيرةً للتقارير التي تصلهم دون التحقق منها … وفي تقديري أن الفيفا لا يمكن أن تصر على رأيها إذا وضعت الحقائق المجردة أمامها … والمنطق العادي هنا يقول أن المصلحة تقتضي إجراء الإنتخابات في ظل القانون الجديد … ثانياً : الجزء المتبقي من المادة (21) من قانون 2003 يتحدث عن سلطة المفوضية القومية على الهيئات الرياضية … وهذا الجزء المتبقي من المادة أيضاً مرفوض تماماً من الفيفا حسب ما جاء في المذكرة أعلاه حيث جاء في المذكرة " ترى الفيفا إلغاء كل المادة (21) لأنها تمثل تدخلاً حكومياً في الشأن الرياضي … وجاءت الإستجابة في نص البند (2) من المادة (19) من قانون 2016 بالنص "لا تخضع اللجنة الأولمبية والهيئات الشبابية والإتحادات الرياضية المقيدة نظمها الأساسية بتوافقها مع الإتحادات الدولية المعتمدة بوساطتها لسلطات وإختصاصات المفوضية القومية الواردة في البند (1)." وهذا يعني ببساطة أن الإتحاد العام بموجب القانون الجديد قد تحرر من قيود ورقابة المسجل في الشأن الرياضي … فهل يعقل أن يكون الخيار قيام الجمعية العمومية في ظل القانون القديم وتحت إشراف وسلطة المفوضية ، أم الإنتظار لقيامها بعد التحرر بالقانون الجديد ؟؟ وكيف ترفض الفيفا المادة (21) من قانون 2003 بمذكرة ، وتوافق على إجراء الإنتخابات بالقانون المرفوض ؟؟ مرة أخرى نقول أن التقارير هي التي تحكم قرارات المؤسسات الدولية … ثالثاً : إن التعجيل بقيام الجمعية العمومية قبل التأريخ الموافق نهاية دورة مجلس الإدارة ، كان سيحرم عدداً من أعضاء الجمعية العمومية الممثلين للإتحادات المحلية التي حددت موعد إنتخاباتها قبل إنتخابات الإتحاد العام ، بفترة وجيزة كإتحاد مدني والعيلفون … وفي هذا عدم عدالة لإتحادات منتخبة جديدة يصبح قدرها التعامل ولدورة كاملة مع إتحاد لم تشارك في إختياره … رابعاً : المادة (17) من النظام الأساسي للإتحاد الرياضي لكرة القدم تنص على " يجب على مجلس الإدارة أن يرسل للأعضاء قبل أسبوع على الأقل من موعد إنعقاد الجمعية صورة من الميزانية والحساب الختامي عن السنة المنتهية وتقارير مجلس الإدارة عن أدائه في تلك السنة فضلاً عن تقرير المراجع العام عن الحساب الختامي." … وهذا النص الوجوبي يلزم مجلس الإدارة بتقديم ميزانية 2014 للجمعية العمومية العادية العام الماضي ، وميزانية 2015 للجمعية العمومية الإنتخابية هذا العام … وكلنا يعلم أن لغطاً كثيراً قد دار حول ميزانية 2014 ، بل لقد رشحت بعض الإتهامات هنا وهناك … ونشر في بعض الوسائط الإعلامية أن التقرير الأولي للمراجعة أشار إلى بعض الشبهات في التعامل مع المال والذي هو مال عام وفق ما جاء في نص المادة (33) من قانون 2003 : "لأغراض تطبيق القانون الجنائي تعتبر أموال هيئات الشباب والرياضة أموالاً عامة ويعتبر أي من أفرادها موظفاً عاماً." … ولإيماننا تماماً بما جاء في الآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" … ولذلك لا ينبغي أن نشك أو نتهم أحداً ، ولكن الحد الأدنى الذي يمكن أن نطالب به هو أن نتبيّن ما جاء حول هذا الموضوع ، وهل جاء من فاسق أم من راشد ؟؟؟ … ويسعدني أن أقول هنا أن واحدةً من مميزات قانون 2016 أنه أوجب محاسبة كل من يغيّب الجمعية العمومية سواءاً كانت عادية أو إنتخابية وحدد لهذا التغييب جزاءات تصل درجة حل مجلس الإدارة … والمهم هنا أنه وفي غياب الشفافية لميزانيتين متتاليتين ليس من المنطق إستعجال قيام جمعية عمومية إنتخابية ، من المفترض أن يكون الأداء المالي عاملاً أساسياً في إختيار العناصر القادرة على القيادة في المرحلة القادمة … ولذلك لا أعتقد أن الفيفا ، خصوصاً بعد تداعيات إتهامات الفساد المالي في قمة أجهزتها ، توافق على إجراء إنتخابات لا يكون فيها الحد الأدنى من الشفافية … خامساً : في فبراير من عام 2011م خاطبت الفيفا الإتحاد السوداني للكرة بمذكرة تحوي ملاحظات الفيفا على النظام الأساسي لإتحاد كرة القدم السوداني … جاءت ملاحظات الفيفا في 28 صفحة بها عدد 134 بنداً طالبت الفيفا بتعديلها … عقد مسئولو الفيفا إجتماعاً مع مسئولي الإتحاد السوداني … لمناقشة ال 134 بنداً لمواءمتها مع قانون هيئات الشباب والرياضة لسنة 2003 … توصّل الإجتماع المشترك إلى أن 121 تعديلاً لا تتعارض مع قانون 2003 و 13 بنداً فقط لا يستطيع الإتحاد العام تعديلها لتعارضها مع قانون الدولة الساري … والسؤال الذي يفرض نفسه هنا ما هو الجهد الذي بذله الإتحاد العام منذ فبراير 2011م لتعديل النظام الأساسي بما يوافق الفيفا فيما لا يتعارض مع قانون الرياضة كخطوة أولى ، ثم السعي مع الدولة لتعديل قانون الرياضة ليعطي مساحة حرية لباقي التعديلات ؟؟؟ الإجابة عند الإخوة في الإتحاد العام … لا أريد أن أسطر حديثاً إنابةً عنهم ، لكن على الأقل أنا أعتقد أن واحداً من أسباب هذا التراخي في إجراء التعديلات هو ما طالبت به الفيفا في صفحة 13 من المذكرة البند (26) حول المادة (36) من النظام الأساسي التي جاءت تحت عنوان "تكوين مجلس الإدارة" ، وجاء تعقيب الفيفا بأن عدد أعضاء مجلس الإدارة ينبغي ألاّ يتعدّى (15 – 17) عضواً ، وقد جاءت إضافة الإثنين للخمسة عشر لإستيعاب التدريب والتحكيم … ختاماً أقول لقبيلتي من الرياضيين : دعونا لا نلوم وزارة الشباب والرياضة ، ولا نظلم القانون الجديد ، ولا نخلط الأوراق … ولنتداعى جميعاً للحوار الهادف الذي يقودنا إلى تحريك تصنيفنا الدولي في كرة القدم مما فوق المائة بكثير لما هو دون المائة في كل الأحوال … والله من وراء القصد … محمد الشيخ مدني رياضي متقاعد يوليو 2016م 1