لا عذر للاتحاد العام إن لم يتوافق نسبة 100% مع متطلبات الفيفا كان من واجب الاتحاد العام تعديل النظام الأساسي منذ عام 2011 ليوائم ملاحظات الفيفا الجمعية العمومية للاتحاد العام لكرة القدم أولاً : مدخل أول : الوقائع الثابتة التي لا خلاف حولها : * أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) كان قد أبدى 147 ملاحظة على النظام الأساسي لكرة القدم السوداني … وطالب الاتحاد السوداني بتعديل نظامه الأساسي ليستوعب تلك الملاحظات كاملةً ، تماشياً وتوجيهات الفيفا… حينذاك ، تعلّل الاتحاد السوداني بأن كثيراً من التعديلات المطلوبة بواسطة الفيفا تتعارض مع قانون هيئات الشباب والرياضة لسنة 2003 السوداني … على سبيل المثال أن الفيفا لا تعترف بوجود سكرتير عام وأمين مال منتخبين لمجلس الإدارة بإعتبار أن تنفيذ قرارات مجلس الإدارة شأن مكتبي يقوم به موظفون متفرغون يعملون بأجر يعيّنهم الإتحاد العام (نظرياً دكتور حسن أبوجبل والكوادر العاملة معه) … * تم عقد اجتماعين بين المسئولين من الفيفا والاتحاد السوداني لكرة القدم : الأول بالقاهرة بتأريخ 3 مارس 2010م ، والثاني بزيورخ (سويسرا) بتأريخ 25 يناير 2011م … قام الإجتماعان بغرض مناقشة ملاحظات الفيفا ال 147 على النظام الأساسي ومواءمتها بنداً بنداً مع قانون هيئات الشباب والرياضة لسنة 2003 … * بتأريخ 9 فبراير 2011م أرسل الفيفا للاتحاد السوداني مذكرة ضافية مفصلة تفصيلاً دقيقاً … وهي عبارة عن محضر اجتماعي القاهرة وزيوريخ ، وفيها تحليل لمفردات و ملاحظات الفيفا ومدى مواءمة كل منها مع قانون هيئات الشباب والرياضة لسنة 2003 … توصل التحليل للمذكرة أن 134 ملاحظة لا تتعارض مع قانون هيئات الشباب والرياضة لسنة 2003 ، وأن 14 ملاحظة فقط غير موائمة لنصوص قانون هيئات الشباب والرياضة لسنة 2003 … وهنا لا بد من التهنئة والإشادة بوزارة الشباب والرياضة بإصدارها لقانون هيئات الشباب والرياضة لسنة 2016 الذي جعل ال 14 ملاحظة لا تتعارض مع القانون الجديد … هذا القانون الذي لم يوفه المختصون حقه بالتقدير المستحق ، فما ينطبق في هذا القانون على الفيفا ينسحب أيضاً على اللجنة الأولمبية الدولية وغيرها من المؤسسات الرياضية الدولية … من الوقائع أعلاه يمكن القول إنه كان من واجب الاتحاد العام تعديل النظام الأساسي منذ عام 2011 ليوائم ملاحظات الفيفا ، على الأقل ، في ال 134 تعديلاًً التي تقع في نطاق إختصاصه ، ويترك ال 14 تعديلاًً المتعلقة بقانون الرياضة حتى يتم تعديله كما حدث الآن … نخلص من كل ذلك أنه لا عذر بعد اليوم لإجازة نظام أساسي للاتحاد السوداني لا يتوافق بنسبة 100% مع متطلبات الفيفا ، بعد أن زال العائق أو التعلّل بالتعارض مع القانون الوطني … مدخل ثانٍ : الحركة الرياضية ، وخصوصاً كرة القدم ، في حراك كثيف ، وقد يكون عنيفاً ، هذه الأيام بين خلافات حول اللائحة والنظام الأساسي ، وبين طرح شخصيات لقيادة العمل الرياضي في الإنتخابات القادمة ، وما تفرزه هذه الخلافات من تأثير على شكل وإعداد النظام الأساسي الجديد . ولعل الخلل الحقيقي في كل ذلك هو الخلط بين الصراعات الإدارية لقيادة النشاط ، وبين ما تقتضي به المصلحة العامة التي تستوجب الإتفاق على أسس ومعالم للإصلاح قبل التفكير في الأفراد والشخصيات وما تفرزه الانتخابات … فالاتفاق على المبادئ الهادية التي تقود للإصلاح هي الأساس والتي يسهل الإتفاق حولها ، ثم بعد ذلك وفي مرحلة لاحقة يأتي دور الإختيار للأشخاص … وهي مرحلة بالضرورة قابلة لإختلاف وجهات النظر وصراع الإنتخابات المعلوم … مدخل ثالث : في وطننا الحبيب ، من السهل جداً تكوين رأي عام ، وقد يكون خطأ في بعض الأحيان ، ولكن رغم ذلك يصعب جداً تصحيحه … ولذلك رضينا أم أبينا ، صواباً أم خطأ ، بحسن نيّة أو سوء قصد ، فالواقع يقول إن هناك ، على الأقل محاولتين لتكوين رأي عام : المحاولة الأولى : رأي سالب في حق مجلس إدارة الإتحاد العام الحالي ويقول : إن هذا المجلس وما صاحب مسيرته الطويلة ، التي امتدّت لأكثر من عقدين من الزمن ، من إخفاقات ومخالفات قد يصل بعضها درجة الفساد ، قد حان وقت تغييره … وفي نفس الوقت فإن هذا الرأي العام يتهم المجلس بمحاولة إنتهاز فرصة تعديل النظام الأساسي وتفصيله بما يضمن عودة المجلس خصوصاً في محوري تكوين الجمعية العمومية ومجلس الإدارة … والمحاولة الثانية : رأي سالب حول قانون ولائحة هيئات الشباب والرياضة تبنّاه مناصرو الإتحاد العام الحالي ويقول : إن الوزارة عمدت لتفصيل لائحة تقصي بنصوصها قيادات الإتحاد الحالية من العمل … وفي تقديري أن المحاولتين ، إن صحتا ، ضارتان ضرراً بليغاً بالمصلحة العامة التي تقتضي إعتماد الأسس والمبادئ والمصلحة قبل التفكير في إختيار القيادات … ولكل ما تقدم فإنني وفي هذه السانحة أركز على جزئية واحدة ، وهي تكوين الجمعية العمومية بما يقوله القانون واللائحة والمنطق وواقع الحركة الرياضية في السودان … وسأحدد رأيي بحيثيات تمثّل قناعتي ، لا أدّعي كمالها ، ولذلك أتقبّل تماماً الحوار الموضوعي حولها … ثانيا : يجب أن نؤكد أن هيكلة الرياضة في أي دولة وتسجيل الهيئات الرياضية هما شأن حكومي ، يتعلق مباشرة بنظام الحكم في الدولة وسياستها … ونظام الحكم في أي دولة وفلسفتها في الإدارة يحددان شكل الهيكل الإداري للرياضة وغيرها … والمعلوم أن الهيكل الإداري للإتحادات الرياضية في العالم غير موحد ، ولا تحدّده أو تقيّده النظم الأساسية للمؤسسات الرياضية الدولية ، ولذلك نجد نماذج مختلفة للهياكل الرياضية في أنحاء العالم … تختلف باختلاف نظام الحكم فيها … وعلى سبيل الأمثلة : نجد أن نيجيريا قد تبنّت الهيكل الإداري الرياضي على نظام الاتحادات الإقليمية (الولائية) تماشياً مع نظام حكمها الفيدرالي … في حين نجد أن جمهورية مصر قد تبنّت الهيكل الإداري المؤسس على الأندية لمركزية نظام الحكم في مصر … وفي إنجلترا نجد أنها قد تبنّت نظاماَ هو مزيج بين البلديات (المحليات) والأندية معاً … وبما أن دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة 2005 قد حدد نظام الحكم في السودان على ثلاث مستويات : قومي ، ولائي ، محلي حسب ما جاء في المادة رقم (24) من الدستور ، وبالرجوع لنص المادة (26) البند (ج) من الدستور التي تمنع بالنص تغوّل أي مستوى سلطة على مستوى آخر ، كان لا بد من تأكيد هذه المبادىء الدستورية وعكسها على النظم الأساسية للإتحادات الرياضية. لقد جاء في قانون هيئات الشباب والرياضة لسنة 2016 ، المادة (8) البند (4) : "يتكوّن الاتحاد الرياضي السوداني من اتحادات ولائية ومحلية وأندية ذات نشاط مستمر في أربع ولايات على الأقل وفقاً لما يحدده النظام الأساسي للإتحاد." … وجاء في المادة (8) البند (5) : "تحدّد اللوائح الصادرة بموجب أحكام هذا القانون والنظم الأساسية للهيئات الشبابية والرياضية تكوين وإختصاصات وسلطات الإتحادات الولائية." … وهنا لا بد أن نقول إن ما جاء بالقانون في هذه المادة هو نصوص جديدة وبمفاهيم جديدة ، غير ما هو مألوف في الواقع الحالي، ولذلك كان لا بد للّائحة أن تفصّل لترسيخ هذه المفاهيم المتوافقة مع نظام الحكم في السودان تفادياً لأي إجتهادات غير مدروسة أو غير ناضجة … ولتحقيق كل ذلك وللتأكد من تنفيذ أحكام القانون أرى أن تعاد قراءة المادتين المتعلّقتين بتكوين الإتحاد السوداني ،وتكوين الإتحاد المحلي … ويجب أن تنص اللائحة بوضوح لا لبس فيه على الهيكل الرياضي لأي منشط كما يلي: ( أ ) ينشا النادي الرياضي الذي يمارس نشاطاً رياضياً أو أكثر ، ويتم تسجيله إدارياً وفق ما يحدده القانون الولائي ، وينتسب لأي منشط فنياً للإتحاد الرياضي السوداني وفق ما يحدده نظامه الأساسي. ( ب) ينشأ بالمحلية إتحاد محلي لأي منشط يمارسه عدد من الأندية يحدده القانون الولائي ، ويسجل إدارياً وفق القانون الولائي ، وينتسب للإتحاد الرياضي السوداني وفق الشروط التي يحددها النظام الأساسي للإتحاد الرياضي السوداني للمنشط. ( ج) ينشأ بالولاية إتحاد ولائي لأي منشط يمارس في عدد من المحليات يحدده القانون الولائي ، ويسجل إدارياً وفق القانون الولائي ،وينتسب للإتحاد الرياضي السوداني وفق النظام الأساسي للإتحاد الرياضي السوداني للمنشط. ثالثاً : تكوين الجمعية العمومية : لعل واحدةً من تشوهات الجمعيات العمومية للإتحادات الرياضية الحالية ، والمنوط بها إدارة المنافسات والنشاط القومي ، هي تحكّم أطراف أخرى كثيرة ، تشكّل أغلبية ساحقة في عضوية الجمعيات العمومية على إدارة النشاط والتشريع له وهي لا تشارك وليست طرفاً في التنافس القومي … ولذلك جاء كثير من التذمّر والشعور بالغبن من الأندية والإتحادات المشاركة في المنافسات القومية من سطوة الأغلبية الميكانيكية غير المعنية بالأمر على التشريع والتنظيم … بل لقد أصبحت هناك شبهة في كيفية ضم إتحادات محلية جديدة ليست مؤهلة فنياً للإنضمام للمنظومة القومية ، ولكنها مجرد إضافة للأغلبية الميكانية … ولكي تأتي اللائحة ترسيخاً لهذه المفاهيم الجديدة ، وتمكيناً لذوي الشأن من أداء واجبهم دون عائق أرى أن تنص اللائحة ، وبالتالي تلزم النظام الأساسي للإتحاد العام ، صراحةً على تكوين الجمعية العمومية من أصحاب الشأن وذلك بتمثيل كا الإتحادات الولائية ، وأندية الممتاز دون تمييز ، على أن يتم تمييز الإتحادات المحلية حسب المستوى الفنّي المتمثّل في ترقية الأندية للدرجة الممتازة … مع إشراك المدربين والحكام دون أن يكون لهم حق التصويت في الجمعية … ولعل أهمية عدم مشاركة الفنيين من حكام ومدربين في الإنتخابات تأتي من منطلق إبعاد الأجهزة الفنية من الصراعات والتكتلات الإدارية التي تفرضها المواقف الإنتخابية ، وتقليل فرصة إختيار عضويتهم للجمعيات العمومية بسبب الإنتماء على حساب الكفاءة … وقد يعيب البعض على هذا التكوين أنه قد يحرم بعض الإتحادات المحلية القائمة حالياً ذات الوزن التأريخي في الجمعيات العمومية من عضوية الجمعية ، مثال كسلا ، بسبب عدم وجود فرقها في المنافسة القومية ، ولكن يجب أن نعلم أن هذا الحرمان مؤقت ، وهو في نفس الوقت يصبح دافعاً قوياً لولاية مثل كسلا لدعم فرق المنطقة والوقوف معها بقوة لتكتسب حقها في عضوية الجمعية العمومية بسبب المستوى الفنّي المتطوّر وليس إعتماداً على تأريخ سابق … ورغم ذلك ليس هناك ما يمنع مشاركة الإتحادات التي ليس لديها أندية في الدرجة الممتازة من المشاركة في الجمعية العمومية ولكن دون أن يكون لها الحق في إنتخاب مجلس الإدارة … رابعاً : قد يتبادر للذهن هنا سؤال : كيف يمكن أن تقوم الجمعية العمومية والاتحادات الولائية لم يتم تكوينها ؟ … والإجابة ببساطة هي أن ينص على حكم إنتقالي : يجعل كل ولاية يمثلها عضوان بالانتخاب بواسطة الاتحادات المحلية القائمة ، وذلك حتى نحفظ لكل ولاية حقها ، وحتى نحقق عدالة المساواة بين الولايات ، تمكيناً لمفهوم الحكم الفيدرالي … خامساً : خاطرة أخيرة : لقد سبق أن قامت تجربة الاتحادات الإقليمية (الولائية) إبان الحكم المايوي ، ولكنها لم تستمر لفترة طويلة … وفي تقديري أن تلك الحقبة لم تأخذ حقها من تقييم للتجربة … إذ لم تكن كلها سلبيات ، وبالضرورة كان بها بعض الإيجابيات … ولكن لأن ثقافتنا السودانية تقود للإلغاء الكامل لأي تجربة تفرز بعض السلبيات … تم إلغاء التجربة … وحتى لا نرجع للمربع الأول من التجربة بسلبياتها ، أرى أن تكون المعالجة في اقتصار اختصاصات الاتحاد الولائي على ما يحقق الفائدة المرجوة دون الإضرار أو التعطيل للنشاط المنتشر والمستمر في الإتحادات المحلية القائمة … وهنا يمكن أن نقتصر إختصاصات الإتحاد الولائي على الآتي :- * العمل على نشر وتطوير منشط كرة القدم وفق أهداف قانون الشباب والرياضة الولائي. * تمثيل الولاية قومياً في أجهزة الإتحاد العام وفق ما يحدده النظام الأساسي. * يكون مرحلة إستئنافية للقضايا الرياضية في نطاق الولاية. * التنسيق بين الإتحادات المحلية في كل ما يهم النشاط بالولاية. * يجوز له إقامة منافسات خاصة به. ختاماً : لقد رميت من هذه المشاركة إبتدار حوار حول النظام الأساسي للاتحاد العام لكرة القدم حول جزئية تكوين الجمعية العمومية ، بعيداًً عن ما يمكن أن تفرزه هذه المقترحات من مصلحة لزيد أو عبيد … وكما ذكرت في صدرها ، فأنا لست متعصباً لهذا الطرح ، ولكن كل ما أطلبه قبوله كرأي يقبل الصواب والخطأ ، ويقبل التعديل والتبديل … ولكن بما يمليه القانون والمنطق والواقع في سبيل المصلحة العامة … والله من وراء القصد … محمد الشيخ مدني رياضي متقاعد … مارس 2017م