د. محمد حسن عبد الله بعد منتصف الليل أخذ يبحث عن صالون للحلاقة لتهذيب شعره الكثيف .. كان الهدوء يخيم على الطرقات إلا من بعض المارة وسيارات مسرعة بين الفينة والأخرى ..واصل كامل بحثه وهو يتثاءب .. منذ أيام كان يعمل على مشروع تخرجه الذي وضع آخر لمساته قبل نحو ساعة.. يوم الغد يبدو حافلاً له فسيناقش مشروعه مع المعلمين ليجاز ويتخرج من جامعته المرموقة . أخيراً على بعد عدة شوارع من منزله عثر على صالون مفتوح .. دفع جسده المكتنز على الدرجات السيراميكية التى تؤدي إلى الصالون ومع وصوله شاهد رجلين يخرجان من الباب ويهم أحدهما بإغلاق المحل.. قال وأنفاسه تتسارع: " لو سمحت. أريد أن أحلق, لدي موعد هام غداً ولم أعثر على صالون مفتوح غير هذا ". نظرا إليه .. وإلتمعت عينا الهام بغلق الباب وهو ينظر لصاحبه .. الذى سارع بقول:" لا توجد مشكلة.. كنا ذاهبين لكن سنحلق لك " . دخلوا الى المحل الذي كان مضاءً بإضاءة خافتة.. ذهب أحدهما ليشعل بقية الأنوار.. إنساب الضوء الأبيض الى أركان الظلمة.. بدا الصالون في عيني كامل أنيقا نظيفاً.. تناثرت على جدرانه المرايا وديكوراً يحوي مناظر طبيعية.. أشار له الشاب ذو القميص الأزرق أن يجلس على كرسى في منتصف المكان. دفع كامل جسده وهو يرفع بنطاله الذي تهدل بسبب حركته.. تذكر أنه نسى الحزام على فراشه.. جلس على الكرسي.. وبدأ الشاب يهذب شعره.. تجاذب مع الحلاق الحديث.. كان الحلاق خفيف الظل يطلق القفشات بين الفينة والأخرى. خرج الشاب الآخر الذى نسيه كامل من باب جانبي داخل المحل, طلب من الحلاق أن يأتي.. تناهت همساتهما من خلف الباب الصغير الى أذن كامل الذي أخذ يدور بعينيه في أرجاء الصالون .. كان أنيقاً بحق .. قال لنفسه لماذا لم يأت يوما ليحلق هنا.. جذب إنتباهه لوحة تشكيلية تراءت على المرآة أمامه وفيها رجل وحشي يقرب قلباً نازفاً من فمه, تعجب من راسمها ومن وجودها هنا بجوار المناظر الطبيعية البديعة. عاد الشاب الحلاق وهو يعتذر وواصل عمله على شعر كامل تجشأ كامل ضحك الحلاق وهو يقول:"يبدو أنك تناولت عشاءك منذ قليل" إبتسم كامل: " نعم . قبل أن أأتي " قال الشاب الأخر وهو يخرج من الباب الجانبي حاملاً شيئاً ثقيلاً لم يتبينه كامل من هذه الزاوية: " ممتاز نحن لم نتعش منذ أيام ". رأى كامل ما يحمله.. كان أسطوانة غاز وموقد صغير.. قال الحلاق: " سنعد وجبة خفيفة " كامل مندهشاً: "هنا ؟! " ضحك الشاب : " للجوع أحكامه يا صديقي " . تألم كامل عندما أدمت موس الحلاق جانب رأسه.. اعتذر الحلاق في خجل ومسح نقطة الدم بيده. تخيل كامل أن الحلاق تذوقها, نفض رأسه وهو يسر لنفسه: يا للنعاس. أحضر الشاب الأخر قطعة ملطخة ببقع سوداء وبسطها بالقرب من الموقد وقال وهو يسدل الستائر القاتمة على الباب الزجاجي المطل على الطريق: " قطعة القماش حتى لا تتسخ الأرضية ". وأضاف وهو ينظر في عيني كامل: " نحن نعد عشاءنا بمهارة.. ليتك تستطيع تذوق طبخنا " ذهب وأغلق بعض الأضواء.. إنزعج كامل من الظلام النسبي وأدار رأسه بحدة إلى صاحب الموقد قائلاً بصوت مرتعش: "لماذا ؟ ".. ومع نهاية سؤاله رآه يحمل ساطوراً بيده.. أجابه الحلاق وهو يقرب فمه من أذن كامل: "سنعد عشاءنا ".. وعلى المرآة بدا وجه كامل فزعاً وهو ينظر إلي أسنان الحلاق التي بدت له كأنياب ذئب مفترس.. حاول أن يصرخ لكن الحلاق كمم فمه بيده وهو يواصل همسه: " أعدك.. لن تتألم ".. ثم أصابت رأسه ضربة قوية من مطرقة تناولها الحلاق.. سقط من على الكرسي ورأسه تنزف.. غامت الدنيا أمام عينيه.. سمع الشاب ذو الساطور يقول: " جسده مكتنز.. لحمه سيكفينا لأسابيع ". قال الحلاق: " لقد تذوقت دمه.. إنه رائع.. إنه كامل الدسم " وفقد كامل الوعي.