في كثير من الأحيان يدور جدل كثيف عن مدى إسقاط المظهر على الجوهر، غير أن من الصعوبة بمكان البت بالنفي أو الإيجاب لحسم الجدل، لجهة خذلان نماذج عديدة وخروجها عن المتوقع، فمثلا قد تجد من يملك المال بصورة واضحة ولكنه عند الاحتياج توشك يده ألا تمتد إلى عنقه، أو أن تمر بذي بسطة في الجسم غير أنه عند النائبات لا يعدو عن كونه نعامة تجفل من صفير الصافر. وفي الجهة الأخرى قد تجد من لا يملك المال فيريك من الكرم ما يخجلك، كما قد يبدي النحيل بسالة وشجاعة تفضح الشحوم واللحوم المكتنزة بها أجسامهم، والأمثلة يعجز المرء عن حصرها، بيد أني تخذت المقدمة عاليه لمناقشة قضية ومظهر اجتماعي من الأهمية بمكان تناوله، فكثير من الشباب لا سيما من هم في سني المراهقة وما بعده بقليل، يلاحظ وقوع كثيرين منهم تحت شراك العولمة، فيعملون للحاق بركبها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ليس على مستوى الجوهر فحسب، بل لدرجة اقتفاء أثر المظهر، فكم تقليعة من تسريحات الرؤوس عند الغربيين وجدت الطريق ممهدا لرؤوس أبنائنا، رغم صيحات وهمهمات الاستهجان من قبل سلطان الرأي العام بقارعة المجتمع الذي لا يجد أذنا صاغية من مقترفي التقليعات، الأمر الذي حدا بالتساؤل عن مدى جدية هؤلاء الشباب في حيواتهم وإلى أي مدى لمظهرهم دور أو إسقاط على جوهرهم؟ فانقسم الناس بين التأييد والرفض أو القبول والإيجاب عن الإجابة عن التساؤل أعلاه، فيرى الطالب بجامعة النيلين عبد الباقي منصور عبد الباقي، أن المظهر لا يعني المطابقة مع الجوهر في كل الحالات، لجهة أن كثيراً من الشباب من متلببي التقليعات الغربية يحملون بين جوانحهم نفوسا تواقة للخروج عن طوق وقيود المجتمع، وربما كان من بين الأساليب التي يتبعونها للتعبير عن وجهة نظرهم، الظهور بمظهر خارج عن المألوف، غير أنه لم ينف أن التقيد بما يرضاه المجتمع مطلوب، كما أن «تسبيب» أو إسبال الشعر ليس دليلا على الخناعة والخلاعة في كل الأحيان، فمن بين من يفعلونه شباب يحملون قلوبا تضاهي ما تملكه الأسود الهصورة. وختم عبد الباقي بقوله إن من يقود الثورات بالعالم العربي اليوم هم الشباب الذين من بينهم من يستهجن مظهرهم. ودعا الجميع لعدم الحكم على الشخصية قبل معرفة خصائصها. وبالسوق العربي يقول محمد حسن «صاحب صالون حلاقة» إن طبقة الحلاقين تعتبر جسرا أو حلقة وصل بين المجتمع والشباب، لأجل هذا يقع على عاتق المشتغلين فيها دور كبير في ضبط إيقاع المظهر بالشارع العام، فهناك من بينهم من يعمل تجسيرا لتقليعات الحلاقة من مواطنها الغربية إلى حياض الوطن عبر الدعاية إليها بشتى السبل، فيما تجد آخرين يقفون سدا منيعا في وجه مدها بدرجة تصل حد الرفض لإجرائها. واعترف حسن أن بعض الحلاقات تعف العين عن النظر إليها، غير أنه أبان أن الحلاقة لا صلة لها بما يحمله الشخص من جينات كرم وإقدام وشجاعة وربما تهذيب، فقد تجد شابا برأسه تقليعة مشينة في نظر المجتمع، بيد أنه في نفس الوقت مقدام وكريم وشجاع بل مستقيم. وعلى صعيد ذوات الخدور تقول زهراء يوسف أحمد الجزولي، إن احترام قيود المجتمع مطلوب، ونوع الحلاقة يعطي انطباعا وليس حكما قاطعا عن الشخصية، غير أن المجتمع السوداني بصورة عامة مجتمع محافظ على قيمه وتقاليده وموروثاته، ولأجل هذا ليس مستغربا أن يستهجن تقليعات الحلاقة الخارجة عن ذوقه وأدبه. وعن رؤية بنات جنسها لمن يجنحون بتقليعات الحلاقة واستعمال الكريمات بصورة مخلة لاكتساب الوسامة أو لفت أنظار البنات لهن، تقول زهراء إن مقصدهم خائب، لأن حواء السودان قادرة على التفريق بين الغث والسمين، وهي تبحث عمن يشبع رغباتها ويوفر لها الحماية، ولا تنتظر ولا تنظر لمن هو في شاكلتها من الميوعة والليونة. وانتقدت من يصففون شعورهم باستعمال «الجل» حتى لا يكاد يكون هناك فرق بينهم وأخواتهم. وتساءلت ماذا أبقى هؤلاء لأخواتهم، ودعت أولياء الأمور للوقوف بشدة ضد ما سمَّته أنماط الخلاعة والمياعة. فيما يرى الباحث الاجتماعي فيصل محمد شطة، أن ما يمارسه بعض الشباب من مجاراة لتقليعات الحلاقة وآخر صيحات الموضة في الغرب، يجسد حراكا اجتماعيا نتج عن تلاقح أو صراع الثقافات الغربية والعربية الإسلامية، ونسبة لهشاشة تأصل الأخيرة في نفوس الشباب، ونزولا لحقيقة أن البقاء للأقوى بين الثقافات، وجد الشباب العربي الإسلامي نفسه منساقا دون وعي منه في خضم موجة المد الغربي، يحدوه في ذلك علو نسبة تطلعه واعتقاده الجازم أن الأفضلية للثقافة الغربية، وأن ما دونها تخلف ورجعية حتى على مستوى المأكل والمشرب والاستماع وليس المظهر فحسب. ويواصل شطة قائلا: ربما تجد من بين من يرسم تقليعة حلاقة على رأسه لا يكترث إليها، لإيمانه أنها لا صلة لها بجوهره فيكون مكمتل الصفات، غير أن مظهره عكس ما يحمل. وأرجع شطة ما يحدث في أوساط الشباب إلى ضعف وشيجة تواصل الأجيال، وعدم التربية السليمة القائمة على القيم الدينية والموروثات الاجتماعية، علاوة على انتشار ظاهرة الفهم غير السليم للدين، والافتقار إلى الفتوى الموحدة، مما قاد لبروز شباب إما بعيدون عن الدين أو متطرفون فيه، ومن هم بعيدون عن الدين يعانون من فراغ روحي يسعون لسده عبر الالتهاء بالقبوع خلف لوحات أجهزة الحواسيب للتمتع بالشبكة العنكوبتية والأخذ بقشور ما تبثه من مواد. ودلل على قوله بهشاشة التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» وخلافه. وأعرب عن خشيته مما هو قادم، إن لم يتلافَ أولياء الأمور ما يحدث لأبنائهم من جرف نحو الثقافة الغربية.