حقاً (الناس في شنو والبرلمان في شنو) ففي الوفت الذي يغرق فيه السودان في الهموم التي تحاصره من كل جانب وفي الوقت الذي يتطلع فيه االشعب للبرلمان لسان حاله أو المفروض أن يكون ذلك يخرج علينا نواب الشعب وهم يعلنون الحرب على ممارسة المرأة لكرة القدم ويا لها من مفارقة ففي الوقت الذي يتطلع المواطن السوداني عامة والرياضي خاصة والذي يمثل أكبر قاعدة انتخابية يتطلع لأن يسمع صوت البرلمان وهو يناقش وزير الشباب والرياضة الاتحادي حول فشل وزارته في تهيئة البنية التحتية للأنشطة الرياضية وفشلها في أن توفر الحد الأدنى من الدعم المادي لتأخذ بيد الرياضة وفي الوقت الذي يتوقع فيه الشعب أن يحقق البرلمان في أرض المدينة الرياضية التي تم الاستيلاء على ثلثي مساحتها وأن يرد للمدينة ما انتزع منها ينصرف البرلمان لمحاربة ممارسة المرأة لكرة القدم يحدث هذا في الوقت الذي تمارس فيه المرأة كل الرياضات ما عدا كرة القدم التي تعتبر آخر نشاط اقتحمت أبوابه وبحجم محدود نراه النشاط المستهدف بحرب البرلمان. وليت الأمر يقف عند هذا الحد، فقد ارتفعت بعض الأصوات تندد حتى بزي الرجال في ممارسة كرة القدم ونجد من يسمعنا مطالبته بأن يلزم لاعب الكرة بزي تحت الركبة. ولا أدري لماذا لم يطالبوا بأن يرتدي الزي القومي بالعمامة والجلابية، بل وأن يرتدي (المركوب)* ويحدث هذا في الوقت الذي كنا نتطلع فيه لاستحواب الوزير بصفته المسؤول عن الرياضة وعلى رأسها كرة القدم الأكثر شعبية عن إعلان إدارة الضرائب الحرب على الأندية وتجميد أرصدتها هذا إذا لم تأخذ القائمين عليها طوعاً بجهدهم ومالهم الخاص للحبس بأمر نيابة الضرائب أو أن يستجوب البرلمان الوزير عن تهديد إدارة الجمارك ببيع المعدات الرياضية التي تصل البلاد دعماً بالمجان من الاتحادات والمنظمات الرياضية الدولية إذا ما أخفقت في سداد الجمارك التي يقول القانون إنها معفاة من الجمارك (على الورق). هنيئاً لبرلمان الشعب فبعد أن أوفي الشعب حقه ورفع عنه همومه ومارس دوره الرقابي باسمه على أجهزة الدولة لم يعد له ما يناقشه إلا حرمان المرأة من كرة القدم وطوبى لمن انتخبوه. عجباً فالبرلمان ليس هو وحده الذي يشهر هذا النوع من الحرب من حين لآخر فهناك أجهزة رسمية وهيئات لا نعرف من أين تستمد صلاحياتها تعلن الحرب على الإبداع حتى اصبح الفن نفسه هدفاً لبعض هذه الأجهزة ولشخصيات لا نعلم من أين تستمد سطوتها هذه وهي تحارب الإبداع والفنون ويا له من موقف غريب فإنها لا تحارب الا الأعمال التي تحقق نجاحاً كما فعلت مع برنامج أغاني وأغاني الذي حققت به قناة النيل الأزرق ومنظموه وعلى رأسهم الأستاذ الفنان الشامل السر قدور والذي أصبح الأكثر جماهيرية وأصبح من أهم مصادرها المالية للقناة قبل أن تشهر في وجهه حرباً جائرة غير ومبررة مهما غلفت بمبررات لا سند لأنها لو صحت لما وجهت لبرنامج واحد بعينه دون البرامج الأخرى التي تبث في نفس الموعد إذا كان الموعد هو حجتهم كما أن أصحاب القرار لا يملكون أن يحجبوا برامج القنوات الأخرى الأجنبية والتي تبث في نفس الموعد مما يبطل أي أثر لقرار منع هذا البرنامج بعينه. بل ويا لها من مفارقة غريبة ففي الوقت الذي حظرت فيه القناة القومية بث تراث زاخر من المسرحيات المسجلة للتلفزيون السوداني والتي أحيلت لإرشيف مكتبة التلفزيون القومي بحجة أن الممثلات المشاركات فيها لا يغطين رؤوسهن بينما يقدم التلفزيون نفسه المسلسلات والمسرحيات الأجنبية والعربية دون التقيد بهذه القيودات ناهيك أن يكون الإبداع أصبح متاحاً في التقنية الحديثة وبلا أي قيود مما يبطل جدوى أي قرارات كهذه. فالعبرة بتوعية الشباب وليس بقرارات لا معنى لها غير إثبات الذات كل هذا يحدث ونشهده في السودان سواء على مستوى الاجهزة الرسمية والتي انتقلت الآن لمن يمثلون الشعب في البرلمان. ألا يحق لنا أن نسأل إن كان هذا البرلمان حقاً هو صوت الشعب فهل قتل هذا البرلمان قضاياه وهمومه بحثاً وهل حتى تصبح ممارسة المرأة لكرة القدم هي همه ولماذا كرة القدم. ثم هل يدرك هؤلاء النواب كم هو حجم القاعدة الرياضية والقاعدة النسوية إن جاء يوم يعودوا للشعب ليحتكموا له, في صناديق الاقتراع يوم يملك أن يقيم مواقفهم أظنهم يجهلون ذلك وإلا لما سبحوا عكس التيار وإن كان لنا ما نقوله ليتجه النواب لهموم الشعب إن كانوا حقاً يمثلونه و(الناس في شنو والبرلمان في شنو)..