نفسي أطالع يوماً صحفنا الرياضية والسياسية تخلو من تصريحات المدربين، فالمدرب مكانه الملعب ويفترض ألا يعلن عن وجوده إلا بالملعب ولكن مدربونا اكتشفوا أن كرة القدم لا وجود لها في السودان إلا في الصحف فانصرفوا لاستغلال هذه الحالة الشاذة لهذا وبدلاً من أن يفرضوا وجودهم بما يقدمونه داخل الملعب وفق المعايير الفنية سلكوا الطريق الأسهل وعرفوا كيف يبنون أمجادهم بأن يكونوا في دائرة الأضواء في الصحافة حتى لو كان من باب الهجوم عليهم لأنه يتيح لهم فرصة التعليق ومبادلة الهجوم بهجوم مضاد. ذكاء المدربين لم يخذلهم حيث لم يكن من الصعب عليهم أن يعرفوا مدى حاجة الصحف الرياضية لتصريحاتهم فالمصلحة مشتركة بين من يرغب في تسويق صحيفته بأي وسيلة كانت وبين من يهمه أن يكون في دائرة الأضواء أياً كان نوع الأضواء والضحية لكل هذا الملعب. نعم فالمدرب هو المستفيد الأول طالما أن تناول المدربين لا يتم بأسس فنية من متخصصين وإنما من مشجعين منفعلين سواء كانوا جمهوراً أم صحفيين. فالمدرب يعلم تماماً أنه يوم يخرج رابحاً أي مباراة فهو أفضل مدرب عرفه النادي وفي اليوم التالي هو الأسوأ متى خسر مباراة وليس أصدق من هذا مدرب الهلال الذي توج أفضل مدرب في تاريخ الهلال حتى الأسبوعين الأخيرين ثم أصبح فجأة أسوأ مدرب استجلبه الهلال وغداً يعود هو الأفضل إذا لم يخسر الدوري! وبالمقابل ريكاردو الذي سير فيه الحمر التظاهرات للتخلص منه فجأة احتل محل مدرب الهلال وأصبح الأفضل وإن لم يحقق الدوري يعود هو الأسوأ والدوري في نهاية الأمر لواحد منهما لهذا نبقى بانتظار صعيد الحظ وليس المدرب الأكفأ. لا أشك في أن كلا المدربين يضحكان وهما يتبادلان المكان حسب نتيجة اليوم والغريب أنهما لا يتبادلان المكان بأدائهما وإنما بفشل الآخر في مباراة فما أن خسر مدرب الهلال تعادلين وهو الكاسب لكل مبارياته حتى اعتلى مدرب المريخ مكانه وأصبح أنشودة الجماهير الحمراء وهكذا يتبادلان المراكز ومدرب المريخ لما غزا شباك بعض الأندية بالسبعات ونصف الدستة وارتقى بمكانته فوق مدرب الهلال عاد في لحظة للهبوط لأدنى لما تعرض في مدني لتعادل تهدده حتى بعد الزمن الرسمي لينقلب عليه الحال ويرجم كما ترجم الشياطين. لا أحد يملك أن يحدد من المدرب الأفضل لأن المعايير ليست فنية من مختصين فالأفضل هو البطل الذي يتوج في الأسبوع القادم فهذا ما تحدده النتيجة على أن يبقى متوجاً حتى يتعثر في نتيجة ليحل مكانه غريمه هكذا يتبادلان المراكز. كل هذا يحدث بسبب غياب أجهزة فنية تقيم مستويات المدرب وقدراته بمعزل عن النتيجة من مباراة لأخرى حيث أنه ليس هناك فريق فائز في كل مبارياته وخاسر كل المباريات فالمباريات لها ظروفها الخاصة فربما مدرب يخسر مباراة وهو أفضل أداء من المدرب الذي كسبها فالنتيجة ليست وحدها المعيار للحكم كما أن الحكم لا يصدر إلا عن من يملك الكفاءة الفنية ولكن الحكاية وما فيها أن الأوضاع عندنا (جاطت) وأصبح كل الجمهور والصحفيين محللين لأداء المدربين فهل يمكن لمدرب أن يواصل مشواره مع أي نادٍ تحت هذه الظروف سودانياً كان أو أجنبياً. وكان من الطبيعي أن تنتفل هذه العدوى للمدربين السودانيين بعد إن اكتشفوا اللعبة حيث تسبق تصريحاتهم المباريات يرفعون راية التحدي بإسراف ثم ينكسرعودهم ولكن حكم المباراة هو الملاذ والشماعة جاهزة. ومواقف المدربين هذه لا تخلو من طرفة، فالكوتش محمد الطيب مدرب الأمل عطبرة أطلق تصريحاً نسب فيه ما حققه أمام الهلال بسبب إخفاق مدربه لأنه استبدل ثلاثة لاعبين دفعة واحدة مما مكنه من أن يخرج من المباراة رابحاً، فهل كانت آمال الكوتش الذي يلعب على أرضه ووسط جمهوره أن يفشل في تحقيق الفوز الذي يفترض أن يكون هو ما يرمي له وأخفق فيه، وهل سيصعب على مدرب الهلال أن يجاريه ويعلن أن مدرب الأمل ساعده أن يعود بنقطة من مباراة خارج أرضه. إذن المقاييس كلها اختلت ولم تعد هناك أي معايير فنية تحكم كرة القدم ولم يتخلف عن هذا حتى الإداريين فعقب كل مباراة تتسابق تصريجات الإداريين في الصحف بالتهليل للمدرب أو تبخيسه حسب ما تقول النتيجة. خلاصة هذا الواقع أجواء غير صحية لا تصلح لكرة القدم والجايي أسوأ.