زينت الصحف خطوطها قبل أيام بنبأ عزم قادة احزاب جوبا بالتوجه ناحية عاصمة الجنوب لطرح مشروع حول دعم خيار الوحدة أثناء ممارسة حق تقرير المصير للجنوبيين مطلع يناير القادم، لقاء قد يمثل الثاني بين قادة الاحزاب الشمالية والحركة الشعبية بالجنوب الذي أشير الى أنه سيكون «جوبا 2» بعد ان إنقضت محتويات «جوبا 1» حول الانتخابات وتعديل القوانين والتحول الديمقراطي، لقاء بدأ منذ إعلانه يثير مجدداً علاقة الحركة الشعبية بالاحزاب الشمالية وجدوى استفادة كليهما من الآخر في ظل القضايا المطروحة في الساحة السياسية والتكتيكات التي تمارسها قواه المختلفة. ويشير مراقبون الى أن تجمع جوبا بعيد انتهاء العملية الانتخابية دخل في شبه اجازة رسمية، بعد أن انفضت مؤتمراته الصحافية حول العملية الانتخابية وما شابها من مواقف سياسية مثلت «القشة» التي باعدت المواقف بين احزاب جوبا، بعد أن فشلت في تنسيق المواقف في العملية الانتخابية التي تباينت فيها رؤاها وتوجهاتها من العملية بين «مقاطع، ومشارك، ومنسحب»، وبعد ان كادت حركة توجهات التنسيق تفقد بوصلتها بين تجمع جوبا في اعقاب الانتخابات، بدأت هنيهة احزابه ترفع صوتها في الاجهزة الاعلامية أثناء رفضها لإعتقال الدكتور حسن الترابي الامين العام للمؤتمر الشعبي بعد ان نفذت اعتصاما بدار حزبه قبيل اطلاق صراحه، ليعود مجدداً نشاطها مع اقتراب موعد اجراء الاستفتاء لمواطني جنوب السودان حول «الوحدة والانفصال» وحديثها عن إعتزام قادتها التوجه جنوباً للتفاوض مع الحركة الشعبية الممسكة بتلابيب الحكم هناك حول مسألة ترجيح خيار الوحدة، بعد تزايد نبرات الانفصاليين هناك، وحالة الضبابية التي تكتنف موقف الحركة الشعبية نفسها من «الوحدة والانفصال. وإستبعد الدكتور أبنيغو أكوك مدير معهد السلام والتنمية بجامعة جوبا ل»الصحافة» ان تؤدي تحركات أحزاب جوبا في موضوع الوحدة الى نتيجة، لأن هذه الاحزاب لديها بحسب رأيه موقف من الحكومة، والحكومة قائمة على الشريكين، وحكومة جوبا قائمة على الخرطوم، فإذا اتفقت هذه الاحزاب مع حكومة الجنوب لا تستطيع ان تحقق لها شيئاً بدون حكومة الخرطوم، ووصف المحاولات الجارية بأنها لا تخلو من العقبات، وأضاف «أن الوضع المتعلق بالاستفتاء يحتاج لدراسة عبر مؤتمر جامع ومحايد ليس بين الحكومة والمعارضة وانما بجلوس كل فئات الشعب السوداني، داعياً الشريكين الى الجلوس مع كل القوى السياسية لتقييم الوضع وتدارسه». وسبق لقوى تجمع جوبا أعلنت الاسبوع الماضي انها ستضغط في سبيل اشراكها في مفاوضات ما بعد الاستفتاء بشكل اساسي باعتباره حقا وطنيا، وكشفت عن ترتيبات لتوجه قياداتها الى الجنوب لطرح برنامج مفصل حول الوحدة الجديدة، وقالت يتعين ان يكون لها دور كبير في وضع ما بعد الاستفتاء، لأنها لن تقف مكتوفة الايدي «ولن تترك امر السودان للشريكين» وذكرت ان قوى التحالف ستتجه جنوبا لطرح برنامج واسع حول الوحدة الجديدة، قاطعا بانها ستقف مع الجنوب في حال الخيارين. وكانت حالة من التوجس المتبادل في علاقة الحركة الشعبية بالأحزاب الشمالية سيطرت على أذهان الكثيرين حول ايهما يستخدم الآخر في تكتيكاته السياسية في الساحة، حيث وجه الإتهام أكثر من مرة لقادة الحركة الشعبية بأن تحالفاتهم مع الاحزاب الشمالية لاتعدو ان تكون مجرد تكتيك سياسي تستخدمه الحركة الشعبية ضد شريكها في الحكم المؤتمر الوطني لتحقيق مكاسبها في السلطة والمواقف السياسية، وهو ما عضضه بشكل صريح سكرتير الحزب الشيوعي الاستاذ محمد ابراهيم نقد في منتدى «السياسة والصحافة» الاربعاء الماضي بمنزل الامام الصادق المهدي، عندما إتهم الحركة الشعبية بإستخدام قوى جوبا لخدمة تكتيك سياسي، وانتقد بشدة تعامل الحركة الشعبية مع الأحزاب متهماً إياها باستخدام «قوى جوبا» لخدمة تكتيك سياسي. ولكن الدكتور حسن الساعوري استاذ العلوم السياسية قال ل»الصحافة» ان قضية الاستفتاء قومية وطنية مصيرية، ويستحيل على أية قوى سياسية لها وجود ونشاط أن لا تتفاعل معها، خاصة وان كل القوى الشمالية أعلنت موقفها مع الوحدة، وقال ان الأحزاب السياسية المعارضة شعرت بضرورة التحرك وعدم الإكتفاء بإعلان الموقف فقط لأن «الفرجة» في مثل هذه القضايا بحسب وصفه يعد خيانة وطنية، لذا بدأت تفكر في التنسيق مع الحركة الشعبية التي حاولت ان تنسق معها في الانتخابات، ولكنها إكتشفت ان الحركة استغلتها لتحقيق مصالحها، مشيراً الى ان إتهام نقد الموجه للحركة الشعبية تعبير عن شعور بالاستغلال غير الكريم من الحركة الشعبية لأحزاب جوبا في تحقيق مصالحها، لذلك هذه القوى ترى ضرورة التحرك وتخاف في ذات الوقت من أن تستغلها الحركة الشعبية، فكأن حديث نقد بحسب الساعوري تحذير لقوى جويا نفسها من الوقوع في ذات الفخ، بعد ان قرر التحالف التحرك مباشرة مع قيادة الحركة الشعبية في موضوع الوحدة». ويشير قادة احزاب جوبا الى ان التحالف القائم بينهما حول الأجندة الوطنية مثل السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي ودارفور، أما ان يعكف هذا التحالف على اجراءات معينة بخصوص قضية ما فهذا متروك لتقديرات القوى السياسية المعنية ومواقفها، في وقت تنبأ فيه مراقبون بعدم فعالية «تجمع جوبا» في احداث فعل سياسي أو الإتفاق على موقف موحد نتيجة لحالة التباين في المواقف بين الأحزاب المنضوية تحت لوائه، وللحالة الخلافية بين تلك الأحزاب التي تتباعد مواقفها وتختلف مصالحها، كما ان طبيعة التحالف الذي نشأ إعتبره كثيرون تحالف لتحقيق المصالح الحزبية بعيداً عن المواقف من القضايا الوطنية، بالإضافة الى أن كل حزب اتخذ التحالف وسيلة لتحقيق مصالحه المرحلية مع إحتفاظه بمساحة بينه والأحزاب الأخرى في القضايا السياسية الأخرى، فالحركة الشعبية بعد مظاهرات الإثنين لتغيير القوانين في البرلمان ووصولها لإتفاق مع شريكها المؤتمر الوطني حول قوانين الاستفتاء والمشورة الشعبية والأمن الوطني، تباعدت خطاها عن تحالف جوبا ومضت في خوض العملية الانتخابية دون الإكتراث لدعوات المقاطعة التي نفذتها احزاب جوبا، فيما كانت الاحزاب الشمالية تسعى من خلال استخدامها للحركة الشعبية في تحالف جوبا بالضغط على شريكها المؤتمر الوطني لضمان نزاهة الانتخابات وتوفير مزيد من الحريات لها في الشمال في ممارسة نشاطها السياسي، وقد دعم إتفاق الشريكين على قانوني الاستفتاء والمشورة الشعبية وقتها تلك التحليلات، فبينما كان الحديث حول تعديل القوانين يتصدره قانون الامن الوطني والاستفتاء والمشورة الشعبية، فإن الاتفاق الذي توصل له الشريكان لم يتطرق لقانون الأمن بعد ان تم الاتفاق على قانون الاستفتاء للجنوب وابيي والمشورة الشعبية، ما رجح تكهنات المراقبين بحدوث مغايضة لقانون الاستفتاء مقابل تنازل الحركة الشعبية عما تثيره في قانون الأمن الوطني بعدما كسبت ما أرادت تحقيقه في القوانين المتعلقة بالجنوب، في وقت كانت غاية ما تبتغية القوى السياسية في تعديل القوانين تلك هو قانون الأمن الوطني والنقابات والاجراءات الجنائية. ووصف مراقبون الأحزاب الشمالية المتحالفة مع الحركة الشعبية وقتها بممارسة الغباء السياسي حيث تستغل الحركة الشعبية ضعفها وتبدأ تعبئتها لتحقيق مكاسبها وتتركها من بعد، مشيرين الى ان غباء المعارضه تقابله انتهازية من الحركة الشعبية». وكان الدكتور خالد حسين مدير مركز السودان للبحوث والدراسات قال ل»الصحافة» في حديث سابق، ان استخدام الحركة الشعبية لهذه الأحزاب وركلها ليس جديداً وهو ذات السيناريو الذي استخدمته الحركة الشعبية مع التجمع الوطني الديمقراطي عندما تركته وذهبت الى نيفاشا، وقال حسين ان الحركة الشعبية لن يكون لها نفس طويل تمضى به مع الاحزاب المعارضة، لان هناك عامل خارجي يحدد مسار الحركة الشعبية وتحالفاتها وهو الاستراتيجية الامريكيةالجديدة».