دفع خبراء بحزمة مقترحات للبنك المركزي لتقييم وتقويم تجربة المصارف السودانية في مجال التمويل الأصغر، عن طريق إنشاء مجموعة عمل لوضع مؤشرات للتمويل الأصغر تناسب وضعية البلاد، تتمتع بسهولة توفرها ومقارنتها، بجانب فتح الباب للمصارف الراغبة في التقييم والترتيب اختياريا في مشروع تجريبي لمدة عامين قابل للتحسين، ومن ثم التعميم الإجباري، وبعد انقضاء الفترة الأولى يتم التقييم والتصنيف سنويا على أربعة مستويات تشمل مجموعات الأداء، بالإضافة إلى التصنيف الإجمالي، على أن تنشر نتائج أفضل ثلاثة مصارف في كل مجموعة لإكساب المصارف محفزا لتجويد أدائها. ورسم عميد الكلية الحديثة للتجارة والعلوم البروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، خارطة طريق للبنك المركزي والمصارف السودانية في الورقة العلمية التي قدمها في المنتدى الذي نظمته أكاديمية السودان للعلوم المصرفية والمالية يوم الخميس الماضي لتقييم وتصنيف أداء المصارف السودانية في منح التمويل الأصغر. وأوضح أنه بالرغم الاهتمام المتعاظم بالتمويل الأصغر بالسودان كآلية لمعالجة الفقر منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، إلا أن ذلك الاهتمام لم يقابله تقييم للأداء في المؤسسات المناحة بهدف تحسين أدائها. واعترف بأن التمويل الأصغر تلقى دفعة قوية خلال الأعوام القليلة الماضية ووجد اهتماما كبيرا من جميع الأوساط الرسمية والشعبية. وأبان بأنه لكي يقوم التمويل الأصغر بالمساعدة في معالجة الفقر وأسبابه لا بد من خفض مستوى التوقعات العالية لما يمكن أن يقدمه في معالجة الفقر، وقال لا بد من قياس مؤشرات الأداء لمؤسسات التمويل الأصغر ليس على نطاق الائتمان فقط، بل يتعداه إلى قياس فعالية المؤسسات المانحة لتحليل المخاطر المستقبلية التي تخفى على التقييم العادي، حيث يتناول التقييم المظهر المالي والعمليات والمحفظة والتنظيم والإدارة والحاكمية والمظهر الاجتماعي ومدى تأثير التمويل الأصغر عليه. وفي تقييم الأثر الاقتصادي أوضح بدر الدين أنه لا بد من تناول مقدرة الجهة المانحة للتمويل على الوصول إلى الفقراء والاستدامة المالية والأثر على الرفاهية، لأن الهدف الرئيسي للتمويل الأصغر هو الوصول للفقراء الذين لا يستطيعون التعامل مع المؤسسات المالية الرسمية. وتعرضت الورقة إلى قياس جودة المحفظة بقياس حجم الديون المعدومة «الهالكة» ومدى قدرتها على تغطية المخاطر ونسبة مصاريف مخصصات المحفظة، بجانب قياس الكفاءة الإنتاجية عن طريق رصد وتقييم إنتاجية الموظفين وإنتاجية مسؤولية الإقراض والتكلفة لكل مقترض، ونسبة التكاليف التشغيلية. وعن قياس أداء الإدارة المالية بالوحدة المانحة للتمويل الأصغر أوضح أنها تتم عن طريق حساب نسبة المديونية/حقوق الملكية، بجانب نسبة تكاليف الأموال ونسبة تكاليف التمويل التي تستخدم لقياس إجمالي مصاريف الفوائد التي تتحملها المؤسسة جراء تمويل محفظة قروضها. ولقياس الربحية أشارت الورقة لقياس العائد على المحفظة ومعدل العائد على الأصول ومعدل العائد على حقوق الملكية الذي يشير إلى مدى ربحية المؤسسة. وعن التجربة السودانية في التمويل الأصغر على المستوى الأدنى، يقول بدر الدين إنها الأكثر حظا، واعتبرها الأولى من نوعها على نطاق العالم بالنظر لعدد المصارف التي تقدم التمويل الأصغر. وقال إن مفهموم التمويل الأصغر بالسودان إلى سنوات قريبة كان فضفاضا ويشمل كل القطاعات صغيرة الحجم، وتقوم المصارف باستهداف واحد أو كل هذه المجموعات بوصفهم فقراء، بمعنى أنه كان يستهدف القطاع بغض النظر عن استهداف الفقراء منه على وجه الدقة أو على نحو حصري، بيد أنه في السنوات الخيرة تم دمج تمويل كل القطاعات صغيرة الحجم المشار إليها في السياسة التمويلية بمسمياتها المختلفة تحت مسمى التمويل الأصغر «برنامج لتقديم القروض صغيرة الحجم» بالاضافة لخدمات التأمين والادخار وغيرها للفقراء للدخول في مشروعات مدرة للدخل من أجل توفير سبل عيش لهم ولأسرهم. وفي سبيل دفع التجربة اقدم بنك السودان المركزي على إلزام المصارف بإفراد نسبة 12% من سقف تمويلها ليخصص للتمويل الأصغر، وإنشاء وحدة للتمويل الصغر تابعة له التي اصدرت توجيهاتها للمصارف بتحديد أهداف وكمية وتطوير وتنويع المنتجات، وتبسيط الإجراءات والضمانات، والبحث عن ضمانات غير تقليدية، وبناء قدرات الموظفين وتطوير نظم المعلومات الإدارية، وإدخال أحدث التقنيات المعلوماتية، بجانب سماح البنك المركزي للمصارف بإنشاء شركات للتمويل الأصغر، وحثها على تأسيس فروع قائمة بذاتها متخصصة في منح التمويل الأصغر، مع إنشاء محافظ للتمويل الأصغر، واستخدام الصيرفة المتنقلة، والدخول مع شركات الاتصال لإنفاذ عمليات الإدخار والتحويلات، واعتماد مشروعات ذات ميزة تنموية، وعمل التوعية الإعلامية وسط الشرائح المستهدفة بالتمويل الأصغر، كما أعلن المركزي أخيراً نيته لتكوين إطار رقابي خاص بالتمويل الأصغر بهدف الوصول إلى 99% من الفقراء من النشطين اقتصاديا بحلول عام 2020م، مع رفع نسبة النساء المستفيدات من 15% إلى 50% بحلول عام 2011م، وضم القطاع غير الرسمي إلى القطاع المالي، بجانب وضع ضوابط لتأسيس مؤسسات التمويل الأصغر لمؤسسات تقبل الودائع. وقال إن عملية تنظيم وتقييم وتصنيف مؤسسات التمويل الاصغر بالسودان ينبغي أن تراعي تماشي التقييم والتصنيف مع أهداف ومرامي التمويل الأصغر التي وردت في السياسات التمويلية، بجانب التركيز على منهجية تتعلق أكثر بمعرفة موقف التمويل الاصغر بالمصارف من المخاطر، مع ضرورة فهم خصوصية التمويل الأصغر، والبحث عن صيغ توافقية للتقييم والتصنيف تحقق أهداف التمويل، مع تطوير الجهات المانحة لتقديم خدمات أفضل في المستقبل، علاوة على أهمية العناية بالأنشطة التي ينبغي أن تدخل في التقييم والتصنيف، وتحديد الجهة المانحة التي يناط بها إنجاز الأنشطة، مع ضرورة تحديد سقف زمني بين التقييم الحالي واللاحق له، بالإضافة إلى تناول كل جوانب الأداء الرئيسية مثل الأداء المالي والإداري والاجتماعي. وأشارت الورقة إلى حزمة من الإجراءات التي ينبغي اتباعها لإجراء تقييم وتصنيف محلي للمصارف السودانية في مجال التمويل الأصغر، تتمثل في قياس الأداء، وتحدي مواطن الضعف والقوة في ممارسة عملية التمويل، وبناء قاعدة متينة من الإحصاءات والبيانات بالتمويل الأصغر على مستوى المصارف تتوافق مع متطلبات وحدة التمويل الأصغر بالبنك المركزي حتى تسهل مراجعتها ومقارنتها مع بعضها البعض، بجانب خلق مؤشرات أداء في التمويل الأصغر تمكن المركزي من المقارنة بين مختلف المصارف، وإن حمي وطيس التنافس بين المصارف، لإتاحة الفرصة للمصارف من خلال التقييم والتصنيف معرفة موقفها من رصيفاتها الإقليمية والعالمية، والعمل بصورة مستمرة للوصول الى صيغة متطورة لترتيب أداء المصارف في مجال التمويل الأصغر بمرور الزمن بالتعاون مع المصارف المحلية ووكالات التصنيف العالمية من أجل الوصول لمستويات رفيعة لتصنيف عمليات التمويل الأصغر محلياً. ورجح بدر الدين في ورقته نجاح مقترحه لتقييم وترتيب مؤسسات التمويل الأصغر العاملة بالسودان، لجهة أن الطلب على مؤسسات التمويل يأتي غالباً من المؤسسات الأعلى مثل المصارف بهدف تحقيق ارباح، مما يشجعها على زيادة فاعلية التمويل، علاوة على تبعية المصارف إلى البنك المركزي، مما يسهل التعامل معها كوحدة متجانسة تهدف جميعها لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية موحدة من التمويل الأصغر، بجانب انعدام أو قلة الفوارق في القوائم المالية التي تستخدمها مؤسسات التمويل الأصغر، مما يؤدي إلى تشابه في حساباتها، حيث يمكن أخذها مباشرة من القوائم المالية. ودعت الورقة البنك المركزي لاختبار وتطبيق أسس تقييم محلية في المصارف بالسودان لمنح التمويل الأصغر باعتماد «20» مؤشراً استرشادياً، مع ضرورة البحث عن مؤشرات أكثر دقة وسهلة التعريف والقياس تتماشى وأهداف منح التمويل الأصغر بالبلاد، وتساعد على رفع مهنية المصارف في منح التمويل الأصغر، وقياس قوة وضعف أدائها المالي والإداري والاجتماعي.