قد يبدو توجه الشباب والرجال صوب مناطق التنقيب عن الذهب بمختلف أنحاء السودان منطقيا ولا يثير التعجب والدهشة، وذلك لان طبيعة الرجل تخول له ركوب أمواج الصعاب ومواجهة عاتيات الرياح وتقلبات صروف الدهر ،والمسؤوليات الحياتية الملقاة على عاتق الرجل تدفعه نحو النحت على الصخر بالأظافر بحثا عن المال الذي يعينه في مواجهة متطلبات الحياة ،وأيضا ربما كانت العطالة المستشرية في أوساط الشباب والخريجين من الأسباب التي قادت بعضهم لمناطق الذهب بعد أن أؤصدت أبواب التعيين والوظائف في وجههم .. كل هذا قد يكون منطقياً رغم تحفظات الكثيرين في التنقيب عن الذهب بطريقته الراهنة ،بيد أن وجود نساء وفتيات في مناطق التنقيب عن الذهب أمر يبدو غير مألوف ولم يسبق أن حدث في كل مناطق الذهب بنهر النيل وكردفان والشمالية وذلك لقسوة طبيعة مناطق التنقيب التي لايمكن أن تحتملها حواء،ولكن في منطقة سالمين بمحلية قلع النحل بولاية القضارف التي ظهر فيها المعدن النفيس يوجد عدد كبير من النساء والفتيات الباحثات عن الذهب ليس للزينة بكل تأكيد بل لبيعه وشراء مايسد الرمق من عائده ،وعدد الباحثات عن الذهب في سالمين يقدر بأكثر من 250 امرأة قدمن من مختلف أنحاء الولاية على أمل العثور على الذهب ويعملن في ظروف أقل ماتوصف بالقاسية التي لاتتماشى وتنسجم مع طبيعة الأنثى ،ويتلخص عملهن في غسيل التراب الذي يستخرجه الرجال من الآبار والحفر بحثا عن حبيبات الذهب ،حيث تقوم النساء بشراء جركانة الماء بجنيه من (تنكر المياه) وذلك لغسيل الذهب وتحتاج في اليوم الى أكثر من أربعه جركانات ،ويعملن في مختلف ظروف الطقس ،تحت هجير الشمس وعند هطول الأمطار ،وما يثير التعجب والدهشة والأسى في ذات الوقت أن هناك نساء يقضين أياماً وليالٍ بمنطقة الذهب حيث يعتمدن في أكلهن على الوجبات الشعبية والعصيدة ويقمن بصناعتها بأنفسهن ،وينطبق عليهن قول افتراش الأرض وإلتحاف السماء حيث لاوجود لمساكن ووسائل الراحة المنزلية ،ويواجهن صعوباتٍ في قضاء حاجتهن وذلك لعدم وجود مراحيض وحمامات علما أن المحلية التي فرضت على البئر مائه وخمسين جنيهاً وعلى الراكوبة بالسوق الجديد بمنطقة التنقيب ذات المبلغ وعلى تاجر الذهب خمسمائة جنيه عجزت عن تشييد دورات مياه وكل ماقامت به هو فصل النساء عن الرجال مع توفير رجال الشرطة ،ضاربة بإصحاح البيئة عرض الحائط في فصل تلعب فيه مخلفات البشر دوراً كبيراً في انتشار الأمراض ..ويظل السؤال قائما ومفاده ،لماذا يتحمل النساء والفتيات هذه الظروف القاسية بسالمين ويقضين أياماً بمناطق الذهب ويعملن في ظل ظروف لايحتملها الرجال؟ حواء أبكر من إحدى قرى قلع النحل أرجعت تواجد النساء المكثف بمنطقة التنقيب الى الظروف الحياتية الصعبة التي يرزحن تحت وطأتها وقالت :لم نجد أمامنا خياراً سوى التمسك بأمل العثور على الذهب حتي نستطيع مواجهة ظروف الحياة الصعبة لذلك حضرنا الى سالمين ،وأنا قضيت خمسة أيام بلياليها ولم أعثر على شئ حتى الآن ورغم ذلك لن أعود الى القرية حتى أعثر على ذهب يكفل لي ثمنه شراء احتياجات أبنائي الأيتام ... ولكن كيف يأكلن وينمن في ظل ظروف مناخية متقلبة وأوضاع مادية متردية ،تجيب إحدى الفتيات اليافعات وتدعى زينب :عندما حضرنا الى سالمين كنا نعلم بحجم الصعوبات التي ستواجهنا لذلك تكيفنا مع الوضع ،وفيما يختص بالأكل فهناك من تشتري من المطاعم والأغلبية العظمى يقمن بصنع أكلهن بأنفسهن ونكتفي دائما بوجبتين ،أما النوم فهو على الأرض حيث نقوم بفرش المشمعات أو أثوابنا لكي تخفف عنا قسوة الأرض الجبلية على أجسامنا. من جانبها أشارت عائشة حامد الى أن الظروف تدفع المرأة بولاية القضارف الى (المجازفة) سعيا وراء توفير لقمة العيش وقالت إن بعض النسوة وجدن ذهباً قليلاً وهذا ماجعل الأخريات يتمسكن بالأمل . الشيخ داؤد محمد علي إمام مسجد عبد القادر عبد المحسن بالقضارف استنكر وجود النساء في مناطق الذهب بقلع النحل وقال إن هذا الأمر يجب أن يجد معالجة عاجلة وذلك لأنه ضد تعاليم الدين الإسلامي الذي يحض على عدم الاختلاط بين النساء والرجال في المناطق الخلوية ،ورمى باللائمة على المجتمع والدولة وذلك لغياب التكافل والتراحم ورعاية الفقراء والمحتاجين . وقال إن تحمل النساء لمشاق التنقيب يؤكد أن هناك فقراً وحاجةً وهذا الأمر يجب معالجته بتفعيل أدوار ديوان الزكاة والتجار والبنوك وحكومة الولاية ،وطالب الشيخ بإيقاف النساء عن التنقيب وإعادتهن الى منازلهن وحل مشاكلهن الاجتماعية ،واعتبر بحث النساء عن الذهب وتحملهن للصعاب بحثا عن المال وصمة عار في جبين المجتمع . في ولاية تعد غنية بمواردها ،وفي ولاية يعلن واليها تطبيق شرع الله ،وفي ولاية يتحصل فيها ديوان الزكاة سنويا على 40 مليار، في هذه الولاية تذهب النساء الى منطقة سالمين على أمل استخراج التبر من التراب في ظل أوضاع قاسية لاتليق بالأنثى التي أوصانا نبينا الكريم (ص) بها خيرا،فمتى يجدن حظهن من أموال الولاية الغنية؟