فى الوقت الذى اعلن فيه وزير الصناعة عن تخصيص كأس تنافسى بين مصانع السكر لاعلى واجود انتاجية لمصانع السكر التى من المتوقع ان يبدأ موسم انتاجها خلال اكتوبر المقبل، وصف عدد من الخبراء والمختصين فى الشأن مشكلة السكر فى البلاد بأنها مشكلة انتاجية، وليس كما يقال زيادة فى الاستهلاك، برغم ان مصانع السكر فى كل عام لم تحقق الربط المقدر منه الذى يكفى البلاد، ويخصص جزء من المتبقى للصادر. وقالوا ان حديثهم هذا يتطابق مع حديث وزير الصناعة، ويؤكد ان ما ذهبوا اليه هو الحقيقية، داعين الى تضافر الجهود من اجل زيادة الانتاج والانتاجية، قائلين فى ذات الاطار انه بالنظر الى الرسوم والضرائب المفروضة على الانتاج، حيث اكد عدد من مديري المصانع أن الرسوم المفروضة على جوال السكر الواحد تفوق قيمته الانتاجية، فإنها تجعل سعره يصل الى ما يقارب المائة جنيه، لدى وصوله الى المستهلك دون قيمة الترحيل. ولكن وزير المالية والاقتصاد الوطنى على محمود يرى ان سلعة السكر متوفرة، وليس هنالك سبب حقيقى لارتفاع الاسعار. وقال ان الاستهلاك الشهرى للسكر يبلغ 117 الف طن، وأن المتوفر حالياً 196 ألف طن تكفى لشهر يوليو وتفيض للشهر المقبل. مبينا انه في العام الماضى بلغت كمية السكر المنتج زائداً المستورد 944 الف طن، والآن السكر المنتج والمستورد تبلغ كميته مليوناً و679 الف طن، وان استهلاك العام الماضى من السكر بلغ 802 ألف طن. وقال نبحث الآن عن حل لمشكلة زيادة الاستهلاك، خاصة خلال شهر رمضان. ويقول الخبير الاقتصادى والاستاذ بجامعة أم درمان الاسلامية خير السيد محمد المصطفى، انه اذا سلمنا بأن سلعة السكر متوفرة، فالسؤال المطروح هو الى اين تذهب هذه الكميات؟ ولماذا يعانى المواطن من ارتفاع السلعة يوما بعد يوم؟ ولماذا ايضا يجأر الناس بالشكوى عند قدوم شهر رمضان من عدم توفرها بالسعر المناسب، كما ان وزارة المالية تؤكد أن السلعة متوفرة، فلماذا لا تبحث عن الحلول؟ وقال مثلا بنك السودان استطاع عمل اجراءات احترازية للدولار، برغم من أنها لم تكن فعالة ولازالت المعضلة موجودة الا انه قال «ان تأتى متأخرا خير من ألا تأتى»، مؤكدا ان بنك السودان سيستفيد حقا من اجراءاته هذه وسيصل يوما ما الى الداء ويحقنه بالدواء المناسب، ولكن وزارة المالية تعلم جيدا ان السكر متوفر وفقا لما قاله وزيرها، وارجع فى أحيانٍ كثيرة الأمر الى سماسرة السوق، كما أن وزير التجارة أخيراً قال إن غالبية السكر تذهب للتجارة وليس للاستهلاك، اذن هنالك اعتراف من قبل الاجهزة المعنية بأن هنالك قصوراً منهم، فلماذا لا يعالج هذا القصور؟ واضاف خاصة ان اللواء سيف الدين مدير الجمارك قال فى اجتماع اللجنة الفنية إن الجمارك ظلت عيناً ساهرة على كافة المنافذ، وليس هنالك جوال سكر واحد يتم تهريبه الى خارج البلاد، اذن كل الكميات المنتجة محليا موجودة بالداخل، فأين تذهب هذه الكميات؟ الى التجارة طبعا. اذن اجبنا على السؤال، ونحن نعلم انها فى ايدى التجار. واذن مصانع السكر والقائمون على امر توزيع السكر على التجار يعلمون من هم التجار الذين يأخذون السكر ويخزنونه، ولكن من يحاسب من؟ واضاف اذن ستستمر هذه الحلقة الى ما لا نهاية. واشار الى ان وزير المالية فى ذات الاجتماع قال انه يتوجب على الأمن الاقتصادى أن يشدد القبضة على هؤلاء التجار والسماسرة والمنتفعين، ولكن كيف يتم ذلك؟ وقال إن وزير المالية فى آخر اجتماع له مع قيادات اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطنى، قال انه تم تكوين لجنة او غرفة عمل برئاسته ولكنه لم يفصح عن مهام هذه اللجنة، الا انه قال ان باب الاستيراد مفتوح ومع ذلك تظل مخازن التجار مليئة بالسكر لا خوف عليها، فكل الكميات التى تم استيراها ستوزع فى رمضان، والى ان يظهر الانتاج الجديد خلال شهر اكتوبر المقبل فإن اسعار السكر ستظل مرتفعة، واذا انخفض السعر خلال شهر رمضان فقط فسوف تزداد الاسعار اضعافا مضاعفة بعد رمضان وربما تصل الى «200» جنيه للجوال. وحتى يتم توفير السكر بالأسواق خلال شهر رمضان المقبل، قررت الدولة فتح مراكز لبيع السكر بعدد من مناطق الولاية، تخفيفا على المواطنين خلال شهر رمضان، فى وقت يرى فيه عدد من المواطنين أن هذه الخطوة تحدث كل عام وتزدحم المراكز وتتطاول الصفوف فى بلد تعج بالمصانع والاراضى الصالحة لزراعة قصب السكر، بالاضافة الى استيراد كميات منه، داعين الى ضرورة ايجاد حلول جذرية لمسألة السكر وتحديد المسؤولية مباشرة، هل هى مسألة انتاج ام توزيع ام تخزين، ومحاسبة الجهة المسؤولة عن ذلك، منادين ايضا باتخاذ اجراءات حاسمة فى مسألة الرسوم، قائلين إن وزارة المالية قررت فى وقت سابق عزمها على مراجعة اسعار السكر، ولم تذكر الكيفية التى تتم بها المراجعة، وقالوا من الافضل البحث عن المتسببين فى الغلاء اولا، ومن ثم فإن اسعار السكر ستكون فى حدود المعقول. وقال صاحب بقالة بالسوق العربي إن سعر جوال السكر وصل إلى أكثر من 140 جنيها، وأنهم يفضلون شراءه بسعر مرتفع عوضا عن الوقوف في الصفوف التي ينظمها موزعو السكر. ووصف الشروط يطلبها موزعو السكر من التجار بالمجحفة وغير المجدية، مثل إبراز رخصة تجارية سارية المفعول، علاوة على تحديد الكمية التي تُمنح للتاجر بحيث لا تتعدى الجوالين في اليوم الواحد، الأمر الذي يعتبره التجار غير مجدٍ تجاريا، علاوة على أن الحصول على السكر بالسوق المحلي أو مراكز التوزيع عموماً فيه كثير من إهدار الوقت والجهد. وطالب بضرورة سعي الدولة لتوفير سلعة السكر. وقال لماذا تريد الحكومة إرجاع الناس إلى مربع الصفوف والتكدس أمام بوابات التوزيع، بعد أن ودعوه منذ زمن طويل؟ وأوضح أن التجار يفضلون الحصول على أية سلعة بأسعار عالية، على الحصول عليها بسعر منخفض بإجراءات مرهقة ومقيدة. ويقول تاجرالجملة بسوق أم درمان أحمد الحسن إن التجار اصبحوا زاهدين في بيع السكر حتى تزال القيود والضوابط المفروضة على توزيعه. وقال إذا كانت الدولة حريصة على انسياب السكر بطريقة سلسة، فعليها أن توفره لتضمن عدم التكدس والتجمع من أجل الحصول عليه ومن ثم انخفاض أسعاره، بمعنى أن تترك الحكومة أمر السكر لآلية السوق لتحديد أسعاره، وما عليها سوى التنظيم والإشراف على السوق دون التدخل باي نوع من الإجراءات المباشرة، وإن كان لا بد من دواعٍ للتدخل فعليها أن توفر السكر بفتح باب الاستيراد. وأبان أنه لا يوجد سكر بالسوق، وأنهم لم يتحصلوا على الكمية التي طلبوها اليوم وتم وعدهم بتسلمها غدا، ووصف الكميات التي تُمنح للتجار بالمحدودة، وشكا من تأخير استلام الحصص من قبل شركات التوزيع، وأشار إلى أن الكميات التي ترد إلى السوق تباع في ظرف ساعة لكثرة الطلب عليها. وقال إن الحل لمعضلة السكر يكمن في توفيره عن طريق فتح باب الاستيراد لكل من له المقدرة، وقال إن أي تدخل من قبل السلطات في تجارة السكر سيفاقم الوضع ويزيده تعقيدا، وقال إن التجار ليسوا جشعين، حيث كانوا يقنعون بأقل ربح في الوضع الطبيعي، وعلى الدولة توفير السكر لحل الندرة فيه بفتح باب الاستيراد. ومن جانبه يقول الدكتور محمد الناير إن تدخل الدولة في بيع وتوزيع سلعة السكر أخيراً، يعتبر مؤشراً خطيراً ودليلاً على نكوص الدولة عن سياسة التحرير التي تنتهجها لعقدين من عمر الزمان، وأخذ على الدولة تعاملها مع سياسة التحرير جزئياً أو بصورة انتقائية، حيث إنها تتعامل بها في بعض السلع، فيما تحكم قبضتها الاحتكارية على سلع اخرى استراتيجية مثل السكر، حرصا على تحصيل الرسوم والضرائب التي تفرضها عليها، والتي تصل إلى ما يناهز ال «50» جنيهاً على الجوال الواحد، أي ما يقارب 90% من سعر خروجه من المصنع. وقال الناير إن الازدواج الضريبي المفروض على قطاع السكر يعتبر السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعاره محليا، واضاف أن الدولة تتحفظ كثيرا على فتح باب الاستيراد حفاظا على مصالحها وإيراداتها، دون النظر بعين العناية والاعتبار للمواطن البسيط صاحب الدخل المحدود. وقال إن ما يفاقم أمر السكر ويؤجج أزماته من وقت لآخر هو ما تفرضه الدولة من رسوم جمركية عالية ليس بقصد حماية السكر المحلي من الإغراق، ولكن من باب المحافظة على ما تتحصل عليه من رسوم وضرائب حتى لا تفقد الميزة النسبية في ما تتحصل عليه من رسوم على الإنتاج المحلي. ووصف الناير ما يحدث في قطاع السكر بالفوضى التي لم تشهد الساحة السودانية لها مثيلاً من قبل. وأرجع المسؤولية الكبرى في ما يحدث في قطاع السكر الى الحكومة التي تمنح فئة قليلة من التجار امتيازات استلام الكميات الموجودة، وعليها اتباع بعض الإجراءات التي تكفل انسياب السكر لكل المواطنين بصورة سلسة عن طريق فتح منافذ توزيع بالداخل بصورة كبيرة، بحيث يتمكن أي شخص من الحصول على الكمية التي يريدها في أي وقت، بجانب فتح باب استيراده دون أن يكون حكرا على جهات معينة، بالإضافة لخفض الرسوم والضرائب المفروضة على الإنتاج المحلي والمستورد.