أضر التمترس خلف الأطر الحزبية والتنظيمية والتقوقع الفئوي بمصالح البلاد والعباد خاصة وأن كافة التنظيمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني القائمة تفتقر للممارسة الديمقراطية الحقيقية مع وجود ذلك البون الشاسع بين أهل الفكر وأهل الفعل فأكثر الممارسين للسياسة في السودان يقدمون الولاء للزعيم حاكماً كان أم معارضاً على الممارسة الديمقراطية القائمة على المناقشة والمحاسبة والمساءلة داخل الأطر التنظيمية والحزبية أو في مؤسسات الدولة الرسمية حيث تقتصر المسألة والمحاسبة على الخصوم السياسيين ويفلت منها المناصرين . . ونادراً ما يجأ السياسي لقراءة الدستور القومي أو الولائي أو يراجع نظامه الأساسي كي يحدد صلاحياته وصلاحيات مؤسسته فضلاً عن معرفة حقوقه وواجباته كمواطن عادي !! . وبمناسبة الدستور فقد تورمت قدما كاتب هذه السطور بحثاً عن دستور ولاية البحر الأحمر ما بين مكاتب الولاية و ديوان المجلس التشريعي ومقر المؤتمر الوطني ببورتسودان فأغلب موظفي الحكومة في مكتب الوالي والأمانة العامة ومكتب المستشار القانوني للوالي فضلاً عن موظفي المجلس التشريعي لم يطلعوا على الدستور الذي تحكم الولاية بموجبه، والعارفين منهم بالدستور لا يملكون نسخة منه للرجوع إليها عند الضرورة، كما لم يسمع أغلب مواطني الولاية بكلمة دستور إلا في «حفلات الزار» !! . . وإن كان جمهور العوام يعذر بالجهل فكيف يتسنى العذر للطبقة الحاكمة وعلى رأسها الوزراء ونواب الشعب بالمجالس التشريعية في عهد الانتقال إلى الشرعية الدستورية ؟!! . لقد نشرت الزميلة جريدة «بورتسودان مدينتي» في عددها الأول ليوم السبت 12نوفمبر 2005م، نموذجاً لدستور الولايات من سبعة أبواب لعل من أهمها ما ورد في المادة (34) من الفصل الثالث المتعلقة بإقرار الذمة المالية وحظر الأعمال الخاصة والتي نصت على الآتي : ( 1/ يقدم شاغلوا المناصب الدستورية والتشريعية والتنفيذية وقيادات الخدمة المدنية الولائية لدى توليهم إقراراً سرياً بالذمة المالية يتضمن ممتلكاتهم والتزاماتهم بما في ذلك ما يتعلق بأزواجهم وأبناءهم وفق القانون 2/ لا يجوز للوالي أو لأي من الوزراء بالولاية ممارسة أية مهنة خاصة أو أي عمل تجاري أثناء توليهم لمناصبهم أو قبول أي تعيين في أية وظيفة من أية جهة سوى الولاية) . لقد أفرز حكم الإنقاذ طبقة من «فتيان وفتيات الأعمال» بدخول أبناء وأقارب رجال السلطة مجال «البزنس» بتغطية واحتضان من أصحاب المناصب الدستورية . . مما يتطلب تفعيل مثل هذه المواد الدستورية من قبل نواب البرلمانات وغيرها من الأجهزة العدلية والقضائية فضلاً عن دور الصحافة «السلطة الرابعة» ومؤسسات المجتمع المدني في الرقابة وإلزام السلطات بالتقيد بمواد الدستور أو مجابهة الطعون الدستورية أمام القضاء . . فتحريك دور مؤسسات الحكم ربما يشكل ضمانة أساسية من تغول السلطة التنفيذية على بقية السلطات في ظل ضعف بنية وآليات المعارضة في تبني قضايا الجماهير العريضة .