تمد الأسماك الإنسان بغذاء بروتيني فريد وأساسي لصحته البدنية والعقلية كما وتساهم الثروة السمكية بمياه البحار والأنهار وزراعة وتربية الأسماك بخلق فرص العمل وتحقيق التنمية الاقتصادية والإقليمية الأمر الذي دفع العالم مؤخرا العمل على تنمية زراعة وتربية الأسماك لسد الفجوة الإنتاجية نسبة لانخفاض ما يتم اصطياده من المحيطات والبحار والذي أصبح لا يزيد عن 98 مليون طن سنوياً بينما العالم يحتاج إلى حوالي 160 مليون طن سنوياً. ولقد عقدت منظمة الأغذية والزراعة العالمية (FAO) بالتضامن مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي (UNDP) وحكومة اليابان أول مؤتمر لتربية الأسماك في 6 يونيو 1976بكيوتو، اليابان ووجهت جميع دول العالم الاهتمام بتطوير مجال تربية الأسماك، كما وأن معهد الكويت للأبحاث العلمية بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي واتحاد العربي لمنتجي الأسماك عقد الندوة العربية الأولي حول زراعة الأسماك والقشريات في الكويت خلال الفترة 28-30 مايو 1983م. ففي السودان اهتمت الدولة مؤخراً بالتوسع في مشروعات تربية الأسماك في المياه العذبة وذلك من خلال برنامج النهضة الزراعية وولاية الخرطوم وأيضا المنظمة العربية للتنمية الزراعية (AOAD) التي وبالتعاون مع وزارتي الثروة الحيوانية والسمكية والعلوم والتقانة شرعت في إعادة تأهيل أحواض مزرعة تربية الأسماك بالشجرة وبناء مفرخ كبير لمد جميع الدول العربية بزريعة اسماك التربية الأمر الذي سوف يطور مجال زراعة وتربية الأسماك في السودان بسرعة في القريب العاجل بأذن الله. ونسبة لأن زراعة وتربية الأسماك تبدو فكرة جديدة لكثير من الناس، فقد رانيا أن تعرف القارئ الكريم بما كتبته المراجع العلمية عن مفهوم زراعة وتربية الأسماك والإحياء المائية الأخرى. فالكائنات المائية تضم كل من الحيوانات والنباتات المائية، حيث تشمل الأولي كل أنواع الأسماك (Finfish) والقرشيات والصدفيات (Shellfish) أما الثانية فتشمل الأنواع المختلفة من الأعشاب البحرية (Seaweed) وطحالب المياه العذبة (Freshwater Algae). وقد قصد بالاستزراع هو الإكثار، وشبهت عملية إكثار الأسماك بعملية الاستزراع النباتي إذ كل يحتاج إلى وسط ينمو فيه والى غذاء يتم تحويله إلى عنصر الكائن الحي ثم توليه بالرعاية حتي يتم جني المحصول ومن ثم فإن المقصود بزراعة وتربية الأسماك هو تربية فصائل من الأسماك والقرشيات مفضلة للمواطن في رقعة مائية محظورة والتحكم في كل العوامل البيئية مثل نوعية المياه ودرجة الحرارة ..الخ، المؤثرة على إنتاجه وزيادته عن طريق استخدام الأسمدة العضوية والغير عضوية والتغذية الصناعية وغير ذلك من الطرق العلمية المتبعة لتهيئة الظروف الملائمة لحمايتها من الإمراض والأحياء المفترسة ..الخ . وفي حقيقة الأمر، ان زراعة وتربية الأسماك هي أيضاً نوعاً من تربية الحيوان بل وهي نوع من استغلال الأرض والماء مثل الزراعة تماماً وتشمل التخلص من النباتات والحيوانات الغير صالحة وإحلال أنواع أخري مرغوبة محلها وتحسين هذه الأنواع بواسطة اختيار الأصلح والتهجين وتحسين البيئة المحلية بالتسميد كما ذكر وذلك لتسمينها وتكاثرها. هذا وجري العرف على استخدام اصطلاح الاستزراع السمكي في وصف تربية الأحياء المائية في المياه واصطلاحات استزراع الأسماك (Fish Farming) أو (Fish Culture) أو الاستزراع المائي (Aquaculture) أو الاستزراع البحري (Mariculture) أو زراعة البحر (Sea Farming) أو التربية في البحر(Sea Ranching) ما هي إلا مترادفات لشيء واحد هو ما نطلق عليه أو ما جري العرف عليه بالاستزراع السمكي، وكلها تعني بتفريخ (Hatching) وتربية (Rearing) كائنات مائية في ظروف يتم التحكم فيها لتحقيق منفعة اقتصادية أو اجتماعية. ويقصد بالاستزراع البحري Mariculture) ) أو زراعة البحر (Sea Farming) أو التربية في البحر (Sea Ranching) تربية الكائنات المائية في بيئة بحرية ، أما اصطلاح استزراع الأسماك (Fish Culture) أو تربية زراعة الأسماك Fish Farming)) أو الاستزراع المائيAquaculture) ) فهي كلها ذات معني أعم وأشمل حيث تشير إلى تربية (Rearing) الكائنات في المياه سواء كانت مياه عذبة ، أو شبه مالحة ( شبه عذبة – شروب) أو مياه مالحة (بحرية). ومن واقع الممارسة العملية لأنشطة الاستزراع السمكي في العالم فإنه يمكن تصنيفها بصفة عامة إلى عدة نظم على أساس نوع المسيجات ((Enclosures والتي تتمثل في زراعة الأحواض الترابية (Ponds)، زراعة الأقفاص ((Cages، وهذه الأحواض إما إن تكون بنظام الري والصرف المفتوح (Open System) أو بالنظام المغلقClosed System) ) ، حيث تمر المياه على مرشحات ميكانيكية وبيولوجية ((Mechanical And Biological Filters، وأخيرا تربية الأسماك والقشريات والمحاربة والطحالب في البحر (Mariculture) . وتعتبر زراعة الأحواض أكثر النظم انتشاراً في العالم ، وطبقاً لهذا النظام تربي الكائنات المائية في أحواض أرضية أما محفورة أو أسمنتية حيث يمكن التحكم في نوعية مياهها الي حد ما وفي مثل هذه الأحواض يمكن تربية فصيلة واحدة من الأسماك أي وحيد النوع ((Monoculture أو فصائل متعددة تختلف في طبيعة غذائها أي متعددة الأنواع ((Polyculture. وفي حالة زراعة الأقفاص والحظائر المسيجة، يتم تربية الأسماك في حيز مغلق من جميع الجوانب بدأ من صغار الأسماك أو الاصبعيات حتي الوصول إلي الأحجام التسويقية، على أن يسمح هذا الحيز بحركة المياه من والى القفص أو الحظيرة، ويصنع إطار هذه الأقفاص من الخشب أو البامبو وقد تستخدم المواد الصلبة أو مواسير مصنوعة من ال P.V.C أو المواسير البلاستيك أو الفايبركلاس، ويثبت في إطار شباك من النايلون ، وهذه الأقفاص يمكن أن توضع في الأنهار والترع والمصارف وكذلك البحيرات ، وتفضل الأماكن المنتشر فيها ظاهرة المد والجذر، معظم الأقفاص تعتمد على التغذية الصناعية ولهذا تعتبر أحد مراحل التكثيف. أما الحظائر فهي تشمل على الغذاء الطبيعي الموجود في المياه وفي حالة عدم توافر غذاء طبيعي بشكل كاف، فإنه يتم تخفيض كثافة الأسماك المخزونة فيه أو يتم إضافة غذاء صناعي. والتربية في الأحواض المستطيلة سريعة الصرف أو بنظام الري والصرف المفتوح(Raceways) تعني تربية الأسماك في أحواض يمر الماء خلالها بمعدل سريع، حيث يتم التحكم في الأسماك المخزنة وكذلك التغذية أما في حالة الزارعة المغلقة عالية التكثيف فإن الأسماك تربي في خزانات أو أحواض حيث يدور الماء بشكل مستمر وتكون الأسماك المخزنة والتغذية ونوعية المياه تحت رقابة تامة ومتحكم فيها ، مع العلم أنه يتم تجديد المياه يومياً بمعدل يتراوح من 5% إلى 10% من حجم مكعبات المياه بالمزرعة وذلك بهدف تعويض الفاقد من المياه نتيجة التبخر وأيضاً المياه المنصرفة مع المخلفات . وفي نظام تربية الأسماك في البحر(Sea Ranching) فإنه يتم إنتاج صغار الأسماك في المفرخات ، وبعد ذلك تطلق إلى البيئة الطبيعية في البحر حيث يمكن إعادة صيدها عندما تصل إلى حجم التسويق، وفي ظل هذا النظام لا يمكن التحكم في ظروف نمو الأسماك وتكون صغارها عرضة للمفترسات والتغيرات البيئية، وكذلك فإن التغذية الصناعية تكون غير مطلوبة. ووفقاً لمستوي تخزين أو تكثيف الأسماك في النظم أنفة الذكر، ينقسم الاستزراع السمكي إلى أربعة أنواع هي: الاستزراع الموسع أو الانتشاري أو الغير مكثف (Extensive)، شبه المكثف((Semi-Intensive، والمكثف(Intensive) وعالي التكثيف Hyper-Intensive)). وعليه فإن الاستزراع السمكي بدون تغذية يعتبر استزراع موسع أو انتشاري ((Extensive، حيث تنمو الأسماك في حيز اكبر ووقت أطول، وفي حالة استخدام التسميد والتغذية بمعدلات منخفضة يعتبر استزراعاً شبه مكثف، وعند التغذية بعلائق متوازنة يعتبر استزراعاً عالي التكثيف. كما ويتم الحصول على ذريعة الأسماك اللازمة للاستزراع إما من مصادرها الطبيعية، أو ما يتم الحصول عليه من المفرخات السمكية خاصة وأن تقنيات التفريغ الطبيعي أو الصناعي متاحة حالياً للعديد من أنواع الأسماك المستزرعة. وتجدر الإشارة إلى أنه يتم استزراع الكائنات المائية لعدة إغراض مثل لإنتاج غذاء ادمي، أما بغرض الاستهلاك المحلي أو التصدير، وإما لغرض تحسين المخزونان السمكية الطبيعية في بعض المسطحات المائية، أو للأغراض الرياضية والسياحة(Sport and Recreational Fishing) أو لإنتاج أسماك الزينة (Ornamental Fish) أو لاستخدامها كطعم للصيد التجاري (Bait Fish) أو للأغراض الصناعية بهدف أنتاج أسماك توجه لصناعة دقيق وزيت السمك ، حيث تستخدم الأولي كأعلاف للحيوانات والدواجن والأسماك أو لاستعمال بعض فصائل أسماك التربية في المكافحة البيولوجية ((Biological Control للقضاء على النباتات المائية وقواقع مرض البلهارسيا أو يرقات الناموس الناقل لمرض الملاريا مثل أسماك الكارب العاشب والبلطي والنيلي . وفي الختام تعتبر الموارد المائية في السودان وباقي دول الوطن العربي أحد مجالات التنمية الهامة والتي لا يقل دورها في الاقتصاد السوداني والعربي عن دور البترول فيما لو استغلت استغلالاً علمياً، بل قد تمتاز الصناعات السمكية بشقيها الرئيسيين الصيد والاستزراع في أن الأولى تتعامل مع عنصر دائم الاستمرار والتجدد لا ينضب في ظل الاستغلال الرشيد، وذلك بعكس الحال في الثانية والتي تتعامل في مادة احتياطياتها محدودة لا يمكن تجديدها وبالتالي فإنها معرضة للفناء بعد فترة من الاستغلال طالت أم قصرت والآن تربى عالمياً في مختلف أنظمة التربية آنفة الذكر بالمياه الباردة والحارة، العذبة والمالحة ، حوالي 210 فصيلة من الأسماك الزعنفية والقشريات والصدفيات والأعشاب البحرية وطحالب المياه العذبة الأمر الذي يؤمن غذاء العالم. •خبير زراعة و تربية الأسماك جامعة النيلين – الخرطوم – 0909240904 [email protected]