«عامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك، وماكرهته لنفسك فاكرهه لغيرك»هذا هو مدخل العلاقات الاجتماعية والانسانية ومبدأ التسامح والبداية الفعلية للتغلب على حب الذات و النوازع والغرائز التي تزرع الشقاق بين الناس ،لذلك عزف المشاركون في مؤتمر المبادرة الطلابية لنبذ الجهوية والقبلية التي اطلقها الاتحاد العام لطلاب ولاية الخرطوم بقاعة الصداقة أمس والذي جاء تحت شعار « أمة سودانية بلا جهوية» على الأوتار الحساسة لجسد الوطن السودان المتنوع الاعراق والثقافات واللهجات محذرين من تفشي ظاهرة الجهوية والقبلية وسط المجتمع السوداني. وعلت كل الاصوات تنادي بضرورة محاربة الظاهرة بكل الاسلحة المتاحة عبر القوانين واستحداث سياسات جديدة من قبل الدولة و حملوها جزءً غير كبير من مسؤولية بالقضاء على انتشارها في اواسط المجتمع وحتى الوزير الاتحادي الذي يمثل الوزارة الأعلى في السلطة ضم صوته للناغمين من شيوع الظاهرة والمنادين بمحاربتها . اتسم الحديث حولها بالحدة احيانا والموضوعية في اكثر الاحايين وايضا تناولت الاوراق التي قدمت من المبادرة التي طرحها الطلاب آثار الاقتصادية والاجتماعية للجهوية في البلاد بامتداد المليون ميل مربع وخرج المؤتمر الذي حضره لفيف من قيادات العمل الاكاديمي والاعلامي وكذلك الطلاب بعدد من التوصيات التي ربما قالت ان الجهوية كادت ان تنخر جلد وعظم المجتمع حتى. وطالب المؤتمرون بالغاء كل ما يشير الى قبيلة في الاوراق الرسمية والثبوتية بالبلاد في دعوة ان نفذت فان صيغة القبيلة في الجنسية شهادة الميلاد السودانية ربما ستغدو جزءا من الماضي فإذا تجاهلت الدولة ما قيل في هذا المؤتمر و الدعوة التي اطلقها الطلاب تذهب الى سلة مهملاتها المملوءة اصلا بكثير من الدعوات التي لم تجد اذنا صاغية من السلطات ، ولكن صديى الصوت العالي الذي انطلق من مؤتمر المبادرة الطلابية (يجب التحرك سريعا في محاربة الجهوية وإلا دمر الوطن من آثارها التي بدأت من الجنوب ومرت بدارفور ) فلنتحرك حتى لا يتدمر جزء آخر من البلاد. وفي كلمته التي قدمها وزير العدل مولانا محمد بشارة دوسة قال فيها إن ظاهرة القبلية والجهوية بدأت تدب في أوساط المجتمع السوداني بشكل ليس له مثيل في تاريخ البلاد واشاد بالمبادرة التي اطلقها الطلاب ودعا لتفعيل مثل هذا النوع من البرامج لمحاربة تلك الظواهر التي قال إنها السبب في كل المشاكل السياسية التي تمر بها البلاد الآن ودعا لنفرة شعبية من كل فعاليات المجتمع للقضاء عليها حتى يعود للسودان الترابط الاجتماعي الذي لم تكن فيه القبلية سبباً لمشاكل البلاد في العهود السابقة. وقدم البروفسور حافظ ابراهيم صالح الاستاذ بقسم الاقتصاد بجامعة ام درمان الاسلامية خلال المؤتمر ورقة بعنوان الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجهوية تناول ممن خلالها المخاطر التي اوجزها . قال إن وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب مما يسهم بصورة مباشرة وملموسة في القرارات السياسية الخاطئة التي تؤثر سلبا في الاقتصاد بالاضافة لظواهر ا لحقد والكراهية في مجتمع العمل، حيث يولد تفشي الخصومة والفوضى بما يؤدي الى التفكك ويساعد في عدم الاستقرار السياسي واضاف ان كل ذلك سيؤثر سلبا في الانتاج بما يؤثر سلبا على القطاعات المنتجة التي تسهم في التنمية الاقتصادية وتابع ان المجتمعات التي قطعت شوطا طويلا في بناء الديمقراطية والمشاركة العامة والعدالة المجتمعية نبذت الجهوية واردف قائلا ان العنصرية والطائفية والدكتاتورية وانعدام الحريات العامة كلها حقائق مضادة ومناقضة لمبدأ المواطنة واضاف بطبيعة الحال يقتضي الزام برنامج وطني لاصلاح وتطوير الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتابع ان المجتمعات لاعتبارات عديدة تحتاج الى تشريع دائم ودستور ينظم حياتهم ويجعل كل مؤسسات الدولة خاضعة لهذه القوانين الدستورية .وقال ان البداية الفعلية هي للتغلب على النوازع والغرائز التي تفصل بين الناس وتزرع الشقاق والخصام وحب الذات تضخيمها بحيث لا يرى الانسان الا ذاته ومصالحه، وتابع اما التوجيهات الاسلامية تؤكد على ضرورة ان يتم التعامل مع الآخرين وفق القاعدة النفسية والاجتماعية التي يحب الانسان نفسه ان ينظر اليه من خلالها « ماكرهته لنفسك فاكرهه لغيرك « وزاد فالقاعدة العامة التي ينبغي ان يلتزم بها كل انسان في العلاقات الاجتماعية والإنسانية هي « عامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك « وفي ذات الإطار قدم الدكتور صلاح الدين عوض قراءة على هذه الورقة من الجوانب الدينية للآثار السالبة للجهوية، واكد على تناقضها مع التشريعات السماوية .وقال ان الاسلام استخدم القبلية في البناء الاجتماعي كمرحلة ثم انتقل بعدها الى مرحلة الدولة المدنية الدينية بسلاسة راعى فيها التدرج الانتقالي وقال ان الاسلام لاينكر دور القبيلة كوحدة اجتماعية في تأسيس البناء الاجتماعي وتكوين الدول والحضارات ولكنه يرفض ان يتعصب لها الافراد ، واضاف لقد تفشى داء التعصب للقبيلة وتراجع دور التقوى والعقيدة والايمان كرابط مشترك بين المسلمين بدت مظاهره في التوظيف و العمل السياسي ولم يبرئ الاحزاب السياسية وقال ان دورها ايضا تراجع كرابط سياسي تاركا الساحة للعصبية والقبلية وأضاف من الملاحظ ايضا تراجع دور مشايخ الطرق الصوفية للعصبية والقبلية. وشهد المؤتمر مداخلات اتسمت بالقوة والموضوعية في التعقيب على الاوراق المقدمة وحملت نائبة رئيس تحرير صحيفة الشاهد الاستاذة منى أبو العزائم النخبة السياسية بالبلاد مسؤولية تفشي وانتشار ظاهرة الجهوية والقبلية وسط المجتمع بسبب استخدامها لها كأداة في مواجهة التحديات الداخلية والاستهداف العنيف من الجهات الخارجية ،وقالت ان الكبار تسببوا في انتشارها في المجتمع الذي لم يشهدها من قبل وطالبت الشباب والطلاب لمحاربة الظاهرة عبر التسلح بسلاح العلم لانه طوق النجاة الوحيد في هذه الظروف المعقدة التي اضحت تعيشها البلاد ، بينما ذهبت مجموعة اخرى من المشاركين الى ان المتغيرات الكبيرة التي شهدها المجتمع السوداني هي التي ادت لانتشار الظاهرة منوهين الى ان حكومة الانقاذ قد سعت في التقليل من الآثار السالبة الكبيرة التي نجمت عن التراكمات المتلاحقة للجهوية. من جهته أكد رئيس اتحاد طلاب ولاية الخرطوم الدكتور حبيب الله المحفوظ استمرار برامج الاتحاد للقضاء على الظاهرة التي حملها مسؤولية كل المشاكل السياسية الخطيرة التي تمر بها البلاد ابتداءً من حق تقرير المصير الذي يحدد الاستفتاء الذي تنجم عنه وحدة البلاد ،كما قال إن مشكلة دارفور تعتبر من نتاج الجهوية والقبلية. وخرج المؤتمر بعدد من التوصيات واستنكر المجتمعون الظاهرة ودعوا لتمكين قيم المواطنة مطالبين الدولة ان تعتمد على تجميع القبائل في مجمعات سكنية حضرية خاصة في عواصمالولايات مناشدين ان يتم توزيع الخطة الاسكانية في هذه العواصم على اساس كسر حدة القبلية حتى لاتؤثر في الانتخابات، وطالبت توصيات المؤتمر كذلك الجهات السياسية باجراء دراسات معمقة عن الدور السياسي للقبيلة كما نادت بتخصيص مادة للتربية الوطنية تحذر من عصبية القبيلة بصفة خاصة وكل انواع التعصب. من جهة أخرى ولعل أبرز التوصيات التي خرج بها مؤتمر المبادرة الطلابية هو دعوته لحذف أية اشارة للقبيلة من أوراق الدولة الرسمية، ومهما يكن فإن المبادرة التي اطلقها اتحاد عام طلاب الخرطوم قد ألقت حجرا في مياه استشراء الجهوية الراكضة فلعل ذلك يؤدي لتضافر الجهود لانقاذ البلاد من مأزق ربما يؤدي الى تدميرها أو تقسيمها على أقل الخسائر، أم أن المؤتمر قد ضرب طبول التحذير والتي ربما زادت من حدة الظاهرة على رأي من قال الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.