مصادر الخطر الميكروبيولوجية كانت ومازالت المخاطر الميكروبية أخطر مسببات للأمراض التي تنقلها الأغذية ومعروفة طوال عشرات السنين. ومنذ بداية القرن العشرين أصبح معروفاً أن هناك خطراً من انتقال السُل والإصابة بالسالمونيلا بسبب اللبن، وكانت بداية التدخل في هذا المجال هي الرقابة بواسطة البسترة. وبالمثل أمكن إدارة مشكلات التسمم بتسخين الأغذية قليلة الحموضة في أوعية لا يدخلها الهواء. ورغم التقدم الكبير في علوم وتكنولوجيا الأغذية فإن الأمراض المنقولة بالأغذية هي سبب في زيادة الأمراض في جميع البلدان. وأخذت قائمة الكائنات الميكروبية المسببة للأمراض بواسطة الأغذية تتزايد مع مرور الزمن. يُضاف إلى ذلك أن الأمراض المنقولة بالأغذية هي سبب رئيسي من أسباب الوفاة التي يمكن توقيها، وهي أيضاً عبء اقتصادي في معظم البلدان. ولكن للأسف لا تتوافر لدى معظم البلدان إلا بيانات محدودة عن الأمراض المنقولة بالأغذية، وعن تأثيرها على الصحة العامة. ومنذ وقت قريب فحسب بدأ تقييم عبء تلوث الأغذية والأمراض المنقولة بالأغذية ووضع تقدير كمي لهذا العبء. وقد أكدت الدراسات عن الأمراض المنقولة بالأغذية في الولاياتالمتحدةالأمريكية واستراليا وألمانيا والهند، مدى ضخامة المشكلة التي تصيب الملايين من الناس بالأمراض أو تؤدي إلى وفاتهم. وتدل البيانات على أن نحو 30 في المائة من سكان البلدان الصناعية ربما تصيبهم أمراض منقولة بالأغذية كل سنة. ويصعب وضع تقدير لمدى انتشار هذه الأمراض على المستوى العالمي، ولكن كان المقدَّر عام 1998 أن نحو 2.2 مليون شخص، منهم 1.8 من الأطفال، لقوا حتفهم بسب أمراض الإسهال. ولم يوضع تقدير للتكاليف الاقتصادية الراجعة إلى أمراض تنقلها الأغذية بسبب كائنات دقيقة إلا من وقت قريب. والمقدَّر في الولاياتالمتحدة أن تكاليف أمراض البشر الراجعة إلى 7 من الكائنات المُمرضة بالتحديد يتراوح بين 6.5 مليار و34.9 مليار دولار أمريكي، وأما في إنكلترا وويلز فقد قُدرت التكاليف الطبية وقيمة ضياع الحياة بسبب خمس إصابات تُسببها الأغذية بمقدار 300 إلى 700 مليون جنيه استرليني في السنة عام 1996م، كما أن التكاليف التقديرية لنحو 500 11 حالة تسمم غذائي في اليوم في استراليا حُسبت على أنها 2.6 مليار دولار استرالي سنوياً. وفي الهند، وعلى أساس دخل الفرد، تبيّن أن العبء الاقتصادي الواقع على المصابين بالتسمم الغذائي كان أكبر منه في حالة وقوع نفس الإصابات في الولاياتالمتحدة. وبسبب حدوث انتشار كبير لأمراض راجعة إلى الايكولاى وسلمونيلا، برزت مشكلات سلامة الأغذية وزاد قلق الجمهور من نُظم الزراعة الحديثة ونُظم تجهيز الأغذية وتسويقها التي ربما لا توفر الضمانات الكافية لصيانة الصحة العامة. وإذا كان فهمنا لإيكولوجيا كائنات التسمم الغذائي والبيئة التي تنمو فيها وتعيش قد زاد، فإن قدرتنا على مكافحة بعض هذه الكائنات قد تناقصت. وقد يرجع ذلك في جزء منه إلى اتباع أساليب إنتاجية معدلة وإلى نقص الرقابة على مصادر الخطر في المزرعة، وإلى صعوبات مكافحة مصادر الخطر أثناء عمليات الإنتاج الصناعي، وإلى زيادة الطلب على الأغذية الطازجة، والاتجاه نحو تقليل تجهيز الأغذية، وإلى إطالة العمر الافتراضي لكثير من المواد الغذائية. فمثلاً لا تزال السلمونيلا مصدراً رئيسيا للتسمم الغذائي، بل إن انتشارها آخذ في الزيادة. وتنتشر انتشاراً كبيراً في قطعان الأبقار وهي تقاوم كثيراً من المضادات الحيوية، كما يتزايد انتشار كائنات أخرى تقاوم المضادات الحيوية. ويحتاج أكثر من ثلث المصابين بهذه الكائنات إلى دخول المستشفى، وتصل نسبة الوفاة إلى نحو 3 في المائة. ولما كانت الكائنات الدقيقة قادرة على التكيّف، فإن الطرق الجديدة في إنتاج الأغذية وحفظها وتعبئتها أدت إلى تغير مصادر الخطر على سلامة الأغذية، بسبب التغيرات التي أُدخلت على طريقة تجهيز وتعبئة أغذية ذات أخطار عالية، وظهرت أنواع جديدة لها القدرة على المقاومة. وتتطلب الوقاية الفعَّالة من هذه الكائنات الدقيقة ومكافحتها تثقيفاً على نطاق واسع، وربما تتطلب مبادرات جديدة مثل إدخال نظام تحليل النقاط الحرجة عند مستوى الإنتاج الأولي أو ما يعرف بنظام الهاسب(HACCP). وهذا النظام دقيق ومتبع بكل دول العالم، ويمكن أن يتلاءم مع الإمكانيات المتاحة. [email protected]