في عيدالفطر الماضي خططت لتنظيم عدد من الزيارات الاجتماعية لبعض قادة ورموز القوى السياسية المختلفة على مستوى الحكم والمعارضة. ولأن الوصية بالجار هي نص نبوي شريف فكرت ان ابدأ بتسجيل زيارة خاصة لمنزل السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني السيد محمد ابراهيم نقد.. وبالطبع فإن صلة الجوار ليست هي العامل الوحيد للزيارة لأن هنالك سببا آخر غاية في الطرافة وهو ان الرجل كان يختبئ في منزل يقع على مرمى حجر من منزلنا بحي أركويت.. وبعد قصة اكتشاف مخبئه الشهيرة بواسطة الاجهزة الامنية لم يبتعد نقد كثيرا اذ كان كل ما فعله هو قطع خطوات قليلة عن الشارع الذي يفصله عن مخبئه القديم فاستقر في منزل الاسرة الكبيرة الذي يقع شرق شارع الستين بحي الفردوس شمال.. وربما كان السبب الاطرف من ذلك ان نقد لا يبعد إلا قليلا عن المجمع الاسلامي بالجريف غرب الذي يتقدم فيه بالخطابة والامامة الشيخ محمد عبدالكريم الذي اشتهر بتكفير الحزب الشيوعي في واقعة شهيرة العام الفائت حتى وصلت القضية الى ردهات المحاكم وساحات التقاضي. ٭ حسنا.. دعوني اعود للزيارة محل الموضوع واقول انه قبيل المغرب بقليل طرقت باب منزل الاسرة الذي يقطن فيه نقد مع اخوته.. وبعد الترحيب من قبل شقيقته الصغرى فائزة التي درست في موسكو وتحاضر بكلية الاحفاد الجامعية للبنات.. هذا ما فهمته يومها من خلال حديثها ودردشتها القصيرة معي.. والشاهد ان صاحب الغرض من الزيارة لم يكن موجودا حينها حسبما عرفت من شقيقته التي اكدت لي ان البرنامج الثابت لنقد في المساء هو ممارسة رياضة المشى لمسافات طويلة..!! والمدهش في الامر ان نقد لم يكن مختبئا ومختفيا عن الانظار خلال وجوده (تحت الارض) فحسب ، لكن بعد ظهوره كان يتخفى بشكل قد لا يعرفه حتى ا المقربين منه.. فحينما خرجت من بوابة المنزل مرّ الرجل بجانبي وهو يرتدي العراقي والسروال و «باتا» رياضية خفيفة وقطعا فإن لا احد كان يستطيع ومن الوهلة الاولى ان يجزم بأن الرجل البسيط الذي مرّ امام ناظري للحظات هو زعيم اكبر واخطر الاحزاب اليسارية على مستوى العالم العربي...! - ولم اتخيل لبرهة ان ا لرجل هو نقد حتى استعدت صورته في ذاكرتي ومخيلتي فاستدرت بسرعة لألحق به واسلم عليه.. وقبل ان اهنئه بمناسبة العيد المبارك قلت ضاحكة: «والله يا استاذ شكلك ده ذاتو إختفاء»!! ٭ وربما كان هذا الموقف الطريف يذكرني بحادثة شبيهة ابان فترة عملي بصحيفة (الأضواء) فلا زلت اذكر يوم ان جاءني الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي يوسف حسين مرتديا على غير عادته «بنطلون وقميص» حيث عُرف عن الرجل ارتداء الزي البلدي «الجلابية والعمة».. والطريف ان رئيس التحرير وقتها الاستاذ كمال حسن بخيت سلّم على يوسف حسين ببرود احرجني امام ضيفي حيث لم يبدِ اي اهتمام ملحوظ بالزائر يومها فما كان مني إلا ان نبهت الاستاذ كمال بأن من يقف امامه هو القيادي بالحزب الشيوعي يوسف حسين فما كان منه إلا ان انفجر ضاحكا وهو يقول: «والله ان هذا هو افضل شكل يمكن ان يختبيء وراءه يوسف حسين»..! ٭ ربما وعودا على بدء دعوني اسرد عليكم كيف وصلت الى منزل سكرتير الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد في اعقاب حادثة خروجه من الاختفاء وكان معه يومها الراحل الدكتور فاروق كدودة والاستاذ محمد ابراهيم كبج.. قال كدودة لنقد ممازحا.. «إنها صباح أحمد وصلت متأخرة على غير العادة».. فما كان من الاخير إلا وان رد في اقتضاب: «ان تأتي متأخرة خير من ألا تأتي»..!! وبالفعل اتيت الى منزل الرجل للمرة الثانية ولم أجده..! ٭ وبالتأكيد فإن مياها كثيرة مرّت من تحت جسر الحزب الشيوعي منها ما هو محزن وتراجيدي كرحيل بعض رفقاء الرجل في دروب النضال والكفاح امثال صديقه فاروق كدودة وفاروق زكريا.. او ابتعاد البعض عن الحزب طائعا مختاراً او «على مضض».. وعقد الحزب الشيوعي بعد غيبة طويلة مؤتمره العام الخامس الذي كان مثل «حجوة أم ضبيبينة» ثم تجديد الثقة في نقد سكرتيرا عاما للحزب لدورة جديدة..! - ثم تقدم الرجل كمرشح لرئاسة الجمهورية ضمن آخرين نافسوا المشير البشير في السباق الرئاسي... والى جانب نقد كان هناك مرشح الحركة الشعبية ياسر عرمان والذي يفصل منزله عن منزل نقد الطريق الاسفلتي الذي يربط شرق الخرطوم بشارع مدني.. وعلى ذكر عرمان فإن عرمان وإبان زيارته الى الخرطوم ضمن وفد المقدمة التابع للحركة الشعبية.. كان على رأس جدول اعماله مقابلة نقد وبالفعل عُقد لقاء سري تم الترتيب له بواسطة اجهزة الحزب الشيوعي بين الرجلين في مكان اختباء نقد... ٭ حسنا.. ها أنذا امس الأول وللمرة الثالثة ادلف الى منزل اسرة نقد المطلي باللون الابيض ذي الثلاثة طوابق بعد حفاوة استقبال شقيقه الذي وجدته بالقرب من المنزل يعالج عطبا بسيارته «الحمراء» وداخل احدى ردهات المنزل تجاذبت اطراف الحديث مع فوزية ابراهيم نقد الموجهة التربوية بالمعاش والتي بدت مهمومة بأوضاع التعليم في السودان اكثر من اهتمامها بالقضايا السياسية رغم ان المنزل يطغى عليه الطابع السياسي..!! وبررت فوزية ذلك بأن واقع التعليم يشكل جانبا من جوانب السياسة وذلك لأن اجيال اليوم المستهدفين بالتعليم سيكونون في يوم من الايام قادة المستقبل. وجرى الحديث بيننا منسابا حول التغيرات في المنزل قبل واثناء وبعد ترشح نقد لرئاسة الجمهورية وقالت ليس هناك شئ تغير او طرأ على الاسرة .. ٭ سألتها... وماذا لو فاز برئاسة الجمهورية...؟! - ردت: بالطبع ستظل الاوضاع كما هي عليه فنقد من عامة الشعب وترشح من اجل الشعب ولو فاز سيخدم الشعب... ٭ والشاهد ان برنامج نقد اليومي لم يتغير كما فهمت من اسرته لا أثناء ولا بعد الانتخابات.. لهذا وبدون مقدمات قلت لفوزية اين الاستاذ نقد... هل يزاول هوايته المفضلة في رياضة المشي كما هو الامر المعتاد خاصة في مثل هذا الوقت..؟!! إلا انها فاجأتني بأن نقد يغط في سبات عميق.. فلم أزد غير ان قلت في نفسي لابد إنك قد «عدلت فنمت يا نقد»...!!