يتمنى كثير من المغتربين لو بقيت حكاية «الضحك الهستيري» التي انتابت سكان «الخوي» شمال كردفان ، بلا أسباب معروفة ، حتى يمكنوا من اللحاق بالضاحكين ، فكثير من المغتربين ، حُرموا من الضحك النابع من الدواخل منذ سنوات طوال ، بل اغلب أوقاتهم تميل « للهم والغم» ، وأصبحت ضحكاتهم عابرة لا تلامس الدواخل ، فعالم الاغتراب أضحى حكاية لايجانبها الفرح ، الا قليلا. ورغم الحديث عن تناول السكان لخبر قمح التقاوى ،أو افادات والي شمال كردفان محمد أحمد ابوكلابيش بأن الأمر ربما تكون من خلفه «قوى خفية « ، وهو بذلك يبرئ القمح ، فان الأمر لن يخيف جحافل المغتربين من زيارة الخوي حتى ينعموا بالضحك والقهقهة ، طالما الأمر كله «بالمجان» ،وربما هناك نفر اخر من الناس دون معشر المغتربين هم في حاجة «للضحك» ، فنحن شعب يميل في اغلب أوقاته للأحزان ، بل الشعب الوحيد على وجه الأرض الذي يحتفي بالأحزان ، و»يخاصم « من لم يشاركه فيها ،فنحن نتسامح مع من لم يشاركنا أفراحنا السعيدة، غير أننا نغضب لحد القطيعة ان لم نحظ بالمشاركة عند فقد « عزيز لدينا» ، مهما تكن المبررات والظروف ، فالمغترب عندما يعود في اجازة الى السودان فهما تطاولت سنوات غربته، لابد له من ان يوقظ أحزان أعداد كبيرة من أهله ومعارفه عندما يذهب اليهم معزيا فيمن فقدوه قبل سنوات .. ويحكى ان احد المغتربين ذهب لتقديم واجب العزاء لشخص توفى والده ، وجلس معه ، وهما يتحدثان في كثير من أمور الحياة ، ولكن في صباح اليوم التالي ، أُخبر صاحبنا المغترب بأن «فلان الفلتكاني» «زعلان» منك ، والسبب انك لم تعزه في وفاة عمه ، بل اكتفيت بالعزاء في والده فقط ، اندهش المغترب ، وذهب مسرعا الى منزل الرجل الذي بدا غاضبا ، فطرح عليه المغترب سؤالا.. الم أعزيك بالأمس يارجل!!.. أجابه ولكن لم تذكر عمي طوال حديثك، ، فقد سألتني عن أسباب وفاة الوالد ، ولم تتطرق لوفاة عمي !. اذاً صاحبنا يريد ان ينبش أحزانه ، في كل حين ، مع انه لايتذكر اليوم الذي تزوج فيه، أو لحظات تخرج ابنه في الجامعة ، ولكنه يتذكر بتفاصيل «عجيبة» وفاة عمه ، لأنه كحالنا جميعا نركن للحزن ، ولا نأبه بالأفراح. المهم نعود لحكاية ضحك أهل الخوي لنقول ان كثيرا من المغتربين يمني النفس بالذهاب الى الخوي ، حتى تنتابهم « القهقهة» ، ليشعروا بالانبساط بعد سنوات حزن طويلة في ديار الاغتراب «الباردة والحارة والدافئة» .. ونقول للسلطات المختصة ان لاترهق نفسها بالبحث في مسببات الضحك ، فمن بين الضاحكين ، من لايتذكر في أي سنة «قهقه» ، وبالتالي هي فرصة «للانبساط» ، فقط عالجوا ما اصابهم من « هزال» واتركوا مسببات الضحك ، لأننا لانريد له ان يتوقف أبدا، ويمكن للمهتمين ان يحاولوا توظيف حكاية الضحك المتواصل ، والعمل على ادخاله الى موسوعة غينيس للأرقام القياسية.