يكاد يكون هناك إجماع عالمي من مشارق الأرض والى مغاربها، على أن التاجر حين يصيبه الفلس وتبور تجارته وتكسد بضاعته وتنسد في وجهه كل المخارج والحلول لما هو فيه من ورطة، ما عدا مخرج وحيد هو دفاتره القديمة، عسى أن يجد فيها مخرجاً، لذا تراه يلوذ بدفاتره القديمة وينكب عليها نبشاً وتفتيشاً وتدقيقاً وبحثاً كبحث من يثابر للحصول على إبرة يحتاجها بشدة سقطت داخل كومة من القش، ويظل عاكفاً على حاله هذا ينتقل من دفتر الى دفتر ومن ورقة الى أخرى إلى أن تقع عينه على ما يسر باله ويفرج همه فيقرأ بصوتٍ منتشٍ أنه في يوم كذا من شهر كذا عام كذا المطلوب من فلان بن فلتكان الموظف الكبير بذاك الديوان مبلغ وقدره ألف جنيه (بالقديم)، منها ثلاثمائة مستلمة نقداً عداً بواسطة المذكور برسمه وإمضائه وبقية السبعمائة جنيه عبارة عن مواد عينية من سكر وأرز وعدس وخلافه حسب البيان أدناه، وهكذا يقع هذا الموظف المسكين تحت رحمة (جرورة) قديمة ربما يكون قد نساها بتقادم الزمن عليها.. مثل ما يفعل مثل هذا التاجر عندما يكون على محك الإفلاس، فعلت وزارة الإعلام مع إذاعة البي بي سي حين بيّتت النية على إيقاف بثها على الموجة القصيرة إف م، ووقف البث بالطبع يحتاج الى سبب وحجة ومبرر، وليست من حجة جاهزة وحاضرة وآنية في يد الوزارة لحظة تفكيرها في قرار وقف البث، إذن لابد من الرجوع الى دفاتر الوزارة القديمة ومراجعة سجل البي بي سي لرصد أية مخالفة تصلح كمبرر وحجة تسوّغ وتسوّق قرار وقف البث، وقد كان فقد وجدت الوزارة وهي محقة أن البي بي سي قد اخطأت ثلاث مرات، مرة حين بثت خدمتها من جوبا دون إذن وموافقة الحكومة المركزية، ومرة لأنها مارست أنشطة تأهيلية وتدريبية داخل السودان عبر خدمتها المتخصصة في التدريب بي بي سي ترست دون الحصول على «إذن نهائي» من الوزارة، ومرة ثالثة لادخالها بشكل غير مشروع «عبر الحقيبة الديبلوماسية للسفارة البريطانية» معدات بث فضائي مباشر معروفة اختصاراً ب (SNG)، هذه هي الحيثيات الثلاث التي سوّغت بها الوزارة قرارها ثم حاولت تسويقه على إعتبار أنها من الخطايا المستحقة لعقوبة الايقاف، والوزارة في ذلك لم تكذب ولكنها تتجمل، فالصحيح أن البي بي سي قد وقعت في هذه الأخطاء ولكن الصحيح جداً أنها أخطاء قد مضت عليها سنون وأقربها وهو إدخال المعدات عن طريق الحقيبة الديبلوماسية قد مضى عليه عامان وقد إعترفت البي بي سي بأخطائها هذه في حينها واعتذرت عنها، بل أنها قبلت على لسان مدير التعاون الدولي فيها بمصادرة المعدات محل الاشتباه وأعلنت أن ما حدث قد تم عن طريق الخطأ وباجتهاد شخصي لمن قام به دون الرجوع للمدير المسؤول وأنها إتخذت الاجراءات الكفيلة بالتصدي لهذا الخطأ، ولكن ورغم ذلك ورغم مرور عامين على موضوع المعدات ومرور أعوام عدة على موضوعي جوبا والتدريب، إذا بالوزارة تعود إلى أضابيرها و(تستل) منها هذه الأخطاء مجدداً وتعلن باسم هذه الأخطاء وقف بث البي بي سي على موجة الاف إم الموجهة لمدن الخرطوم ومدني وبورتسودان والأبيض، فماذا هناك؟!. الوزارة تقول إن الأسباب المعلنة وهي المذكورة أعلاه هي فقط سبب الايقاف ولا دخل لما تذيعه البي بي سي وتبثه من أخبار وبرامج بقرار الايقاف، ولكن نافذين غير رسميين وكتاب صحافيين مرموقين محسوبين على النظام والتنظيم والحزب الحاكم، وإذاعات وصحف، تخصصت وتخصصوا غداة إذاعة قرار إيقاف بث البي بي سي في شن هجوم كاسح على ما تذيعه وتبثه البي بي سي من برامج وأخبار ووصفوها بأنها مغرضة ومتحاملة ووضعوها في خانة (العدوة) للسودان، وباركوا إيقافها بل منهم من تمنى لو كان في المقدور إخراس صوتها من كل الموجات وإلى الأبد، فمن نصدق الوزارة التي رجعت لدفاترها القديمة فحاكمت البي بي سي من «الكراس» أم هؤلاء الذين هاجموها (راس)... أيها القارئ إستفتِ قلبك قبل أن تستفتي أحداً..