إلى وقت قريب كنت اعتقد ان معسكر كلمة، جاء اسمه نازحاً من جنوب البلاد، لان تلك المنطقة كانت تعج بنازحي الدينكا الفارين من الحروب في أواسط الثمانينات من منطقة كلمة بفتح الكاف واللام (Kalma) التي تقع جنوب بحر العرب، فاعتقدت ان أهلنا الدينكا الذين نزحوا إلى منطقة الضعين ونيالا أخذوا معهم اسم منطقتهم إلى حيث مقر نزوحهم الجديد، حتى صححني الشرتاية ابراهيم عبد الله أو كما عرفه أحد السياسيين بسمبويا دارفور، حيث قال لي ان الاسم أقدم من ذلك بكثير فان كَلْمة بفتح الكاف وتسكين اللام (Kulma) هو اسم لشخص من قبيلة الفور يسكن مع الداجو الذين تتبع لهم هذه المنطقة، وأسرته معروفة حتى الآن، وأمن على ذلك الاستاذ علي آدم عثمان رئيس المجلس التشريعي لولاية نيالا، حيث قال ان والدته كانت تتكلم في أواسط الستينات من القرن الماضي عن مزرعة لها بمنطقة كلمة (Kulma) أما من حيث تحديد هذه المنطق لنازحي الحرب الاخيرة التي اندلعت في دارفور عام 2003م، يقول الأخ محمد زين منسق الشرطة الشعبية بنيالا في ذلك التاريخ ومدير مكتب متابعة جنوب دارفور الحالي، ان المعسكر كان في منطقة دوماية ولما كان هو ضمن اعضاء لجنة أمن الولاية كان يرى ان يظل المعسكر في مكانه ومن ثم توزع قطع سكنية للنازحين على الفور فمن أراد الرجوع فبها، ومن أراد الاستقرار في نيالا فهذا من حقه كمواطن سوداني، ولكن كما قال محمد زين فإن الاغلبية رأت ان يكون المعسكر في هذا المكان وهو كَلْمة (Kulma). يبدو واضحاً جداً ان حكومة جنوب دارفور تحس بحرج استراتيجي من وضع المعسكر في هذا المكان، لقد اكتشفت ذلك من خلال المدة الطويلة التي طالت بقاء هذا المعسكر. أولاً يقع في خط سير السكة حديد القادم من الخرطوم الضعين نيالا، ثانياً الموقع هو خط سير الطائرات القادمة من الخرطوم ، وان المطار نفسه ليس بعيداً عن المعسكر، كما ان كل خزانات الوقود تقع في هذا المكان، كما ان المواطنين النازحين قيل انهم رفضوا رصف طريق اسفلت يشق المعسكر في طريقه إلى بليل ، وهي الخطة الاولى للسكة حديد في اتجاه الضعين من نيالا، وهذا الطريق في اتجاهه للضعين، وبما أن هناك اتهامات بأن المعسكر تتكدس فيه ترسانة من اسلحة، فلا شك ان تخوف الحكومة له ما يبرره خاصة ان هناك اعتداءات قد حصلت للمسافرين العابرين بالقرب من المعسكر، وكل الدلائل تشير إلى ان هناك متفلتين من المعسكر هم الذين يهددون هذا الأمن. أما من الناحية الانسانية فإن المواطنين البسطاء الذين فروا من ويلات الحروب، لم يكونوا متوقعين انهم فروا من قدر الحرب، إلى قدر أن يكونوا دروعاً بشرية إلى أي جهة سواء عسكرية أو سياسية أو منظمات دولية، هذا المواطن المسكين عندما فر من قريته لم يعرف عبد الواحد ولا يعرف مجتمعا دوليا، وانما كان يظن انه فر إلى دولته وإلى جوار حكومته، وهذا شئ طبيعي وإلا فر إلى أصقاع الدنيا وانتشر في الخلاء، وكما يقول المثل الخلاء ولا الرفيق الفسِل، فالحكومة أصبحت لهذا المواطن كالرفيق الفسل، كان على الحكومة أن تضع خطة استراتيجية تهدف إلى المساعدة العاجلة لهؤلاء المواطنين، /2 وضع برامج مؤقتة تساهم في اطمئنانهم والتأكيد لهم بالرجوع فوراً إلى مناطقهم، /3 الاعداد السريع لوضع البدائل في حال تعذر الرجوع، وهذا يرجعنا إلى مقترح الاستاذ محمد زين بوضع خطة سكنية عاجلة حتى تُنظم الحياة للمواطنين وتُوفق أوضاعهم بأسرع ما تيسر، كل هذا ممكن اذا كانت الحكومات الولائية جادة، لأن هذا الوضع ليس في جنوب دارفور وحدها وإنما المعسكرات الآن منتشرة في كل ولايات دارفور، وكلها قنابل موقوتة ستنفجر في أقرب وقت ممكن، الأغرب من ذلك كله ان هذه المعسكرات ظلت تراوح مكانها لمدة تزيد عن 6 سنين والحكومة المركزية والحكومات الولائية عاجزة عن وضع حلول لهؤلاء المواطنين وتركتهم صيداً سميناً يساوم به عبد الواحد وبعض الحركات المسلحة وتبتز به المنظمات الدولية الحكومة السودانية. ان ما حصل في الأسابيع الأخيرة من اعتداءات داخل المعسكر بين المواطنين، بين الذين يدعمون خط عبد الواحد وبين الذين يدعمون خط التفاوض في الدوحة، نتاج طبيعي للخلل الامني الذي خلفته الحكومة بالمعسكر. لأن الحكومة رفعت يدها منه، بل يصعب على أي مسؤول ولائي يستطيع دخول هذه المعسكرات منذ سنين، لماذا كل هذا؟! أليس هذا مواطن سوداني حصلت له ظروف، الحكومة جزء منها، ألا يستحق هذا المواطن العناية الفورية والاهتمام الواجب، المُصدق للمواطن به وفق لائحة الانتماء الوطني. لماذا تسلم الحكومة لاشاعة ان المواطن غاضب منها وبذلك هو لا يرغب في رؤيتها، فتنكفي على نفسها، تاركة هذا المواطن تحت رحمة المنظمات الدولية والاستقطابية، وينتهز عبد الواحد هذه الفرصة ليُجير معظم مواطني المعسكرات لصالحه، بمجرد موبايل يحمله في يده ومن تربيزة صغيرة من مقهى صغير رأيته بأم عيني في باريس، والحكومة بجلال سلطانها وبهيبة أمنها وبكثرة اعلامها من رايات لمعتمدين وولاة، لا تستطيع ان تحمي مواطنها من غائلة التطرف وشماتة الاعداء. ان معسكرات النزوح وكلمة مثال تقع مسؤولياتها على عاتق الحكومات السودانية المتعاقبة منذ 2003م. الله سبحانه وتعالى سائلهم عن ذلك لا محالة، كل دم ذهب سُدى وكل أم ماتت بسبب الاهمال في الولادة، وكل تحرش سياسي أو جنسي أو قبلي، أو مطر نزل عليهم أو هجير ضاقوا به ذرعاً أو أي زمهرير ضرب أطناب الاطفال في المعسكرات أو أي ممتلكات فقدت وغير ذلك يتحمله المسؤولون في الحكومة في الفترات السابقة، واللاحقة ان لم يجدوا لهم العلاج الناجح العادل، واني لمتأكد ان غالبية المواطنين في المعسكرات لا علاقة لهم بعبد الواحد ولا حركات مسلحة ولا مجتمع دولي، علاقتهم بحكومتهم وهي المسؤولة عنهم أمام الله. فهل لنا بدواء ناجع لهؤلاء، لا أعتقد ان ذلك سيعجز الحكومة الآن.