معسكر كلمة - جنوب دارفور : عبد المنعم مادبو لا يختلف اثنان في أن تدهور الأوضاع الأمنية إبان اندلاع الأزمة بدارفور في العام (2003) وما تلاه من أحداث هو الذي تسبب في وجود معسكرات النازحين حول المدن الرئيسة بحثاً عن الأمان المطلوب، إلا أن ذات التدهور لاحق النازحين مجدداً مثلما حدث في معسكر (كلمة)، لكنهم لم يغادروه رغم الأحداث والتوترات الأمنية التي يشهدها الآن وهي طبقاً للعديد من المراقبين كفيلة بجعل النازحين ينصاعون للخيارات التي وضعتها حكومة جنوب دارفور لمعالجة أمر النزوح، والمتمثلة في (العودة إلى القرى الأصلية أو امتلاك قطع سكنية في المدن أو الذهاب إلى أية منطقة أخرى يختارها النازح)، فالمعسكر شهد معارك ضارية بين المؤيدين للمفاوضات بالدوحة والرافضين لها، راح ضحيتها العشرات، وأحرقت أجزاء واسعة من المعسكر (سنتر صفر، 1 و2 ) فرَّ على إثرها الآلاف إلى نيالا، بليل، وبعض القرى المجاورة، لكن هناك فئة منهم لم تغادر المعسكر في سناتر (3 8) بينما اختارت فئة أخرى الاحتماء بمقر بعثة (يوناميد) لتوفِّر لها الحماية، قدَّرهم قائد قوات (يوناميد) بالمعسكر بخمسة آلاف نازح. وأشار قائد يوناميد في التنوير الذي قدمه لرئيس بعثة (يوناميد) البروفيسور إبراهيم قمباري ووزير الدولة بالشؤون الإنسانية مطرف صديق؛ إلى أنهم يسلطون أضواء الكشافات على النازحين في ساعات الليل خوفاً من تعرضهم لأي هجوم من الطرف الآخر. هذا المشهد جعل الكثيرين ممن كانوا ضمن الجولة التي قام بها قمباري حول المعسكر يتساءلون: لماذا يصر هؤلاء النازحون على البقاء في مثل هذا الوضع الذي فيه كثير من انتهاك حرمة الأسرة؟ خاصة أنهم ليست لهم خيام أو أي شيء تحتمي به المرأة من رؤية الرجل أو العكس؟ العمدة صلاح عبد الله أحد الذين استهدفتهم المجموعة الرافضة لمفاوضات السلام، يقول إن النازحين الباقين بالمعسكر انقسموا إلى فريقين بعضهم تلبسته حُلَّة من الحيرة إلى أين يذهب؟ خاصة أنهم من قاطني المعسكر طيلة السنوات السبع الماضية، فيما يرى البعض الآخر أن خروجهم من المعسكر قد يضيع عليهم حقهم في التعويض، مضيفاً أن هذه الفكرة زرعها فيهم رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور إبان فترة وجودهم في المعسكر. وكشف العمدة صلاح عن حالات استقطاب واسعة قال إن مجموعة عبد الواحد نور تقوم بها وأضاف أنهم يسوقون كل من يقع في قبضتهم من النازحين إلى سنتر (6) ويحلِّفونهم بأن يتبعوا لحركة عبد الواحد محمد نور، وأشار صلاح إلى عدم وجود أية جهة تقدم الإغاثة والمساعدات الإنسانية للنازحين بالمعسكر، وقال إن الحكومة اشترطت دخول المنظمات لتقديم الخدمات بنزع السلاح من داخل المعسكر حتى لا يتعرض العاملون بتلك المنظمات لمهددات أمنية، كما يعلمون أيضاً أن هناك موجهات من الحكومة السودانية بأن الأولوية في تقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية لقرى العودة الطوعية. في وقت يرى فيه المراقبون للأوضاع بمعسكر (كلمة) أن إصرار النازحين على البقاء في المعسكر تفرضه دواع سياسية، وأشاروا إلى استغلال عبد الواحد محمد نور لبساطة النازحين وجهلهم بمخاطبته شبه اليومية للنازحين عبر الهاتف ومكبرات الصوت يحثهم فيها ويحرضهم على الضغط على الحكومة بعدم مغادرة المعسكر، وقالوا إن إذاعة دبنقا التي تبث برامجها من هولندا هي الأخرى لها دور كبير في عدم اقتناع النازحين بمغادرة المعسكر، الأمر الذي تسبب في تدهورالأوضاع بالمعسكر. ويرى البعض أن غياب السلطة والقانون عن المعسكر لمدة أكثر من (6) سنوات كان أحد العوامل التي جعلت الأقوياء من النازحين يفضلونه على العودة إلى قراهم أو اتخاذ أي من الخيارات التي وضعتها الحكومة، بل قاد بعض المجرمين من مدينة نيالا لاتخاذه ملاذاً لهم بعيداً عن يد السلطة والقانون عندما ينفذون عملاً إجرامياً. وكانت (الأهرام اليوم) قد وقفت على الأجزاء التي دمرت جراء المعارك التي شهدها المعسكر في الأيام الماضية، كما لاحظت حجم الأعمال التجارية التي يقوم بها البعض داخل المعسكر، حيث تضم سناتر (صفر، 1، 2) أكثر من سوق مبنية بالمواد الثابتة جميعها مغلقة تماماً وحُرق بعضها، بجانب أن المعسكر يغلب على مظهره طابع المدينة من خلال بناء المنازل، ولم يعتمد على الخيام التي توزعها المنظمات الإنسانية على النازحين لإيوائهم. مهما يكن من أمر فإن بقاء النازحين بمعسكر (كلمة) عقب الانفلات الأمني الذي شهده؛ يثير القلق، ويقوي حكومة الولاية على عزمها بتفكيك المعسكر، فقد وصفه والي الولاية عبد الحميد موسى كاشا بأنه معسكر سياسي وحامية عسكرية للحركات المسلحة، وساق عدداً من المبررات التي تجعله يتمسك بتفكيك المعسكر من بينها موقعه الإستراتيجي وقربه من مطار نيالا ومستودع الوقود والسكة الحديد، فضلاً عن وقوعه في مجرى وادي بابا وكل هذه العوامل ترى حكومة الولاية أنها تشكل خطراً على هؤلاء النازحين، لكن المعسكر - كما عرف عنه - ذو طابع عالمي، فإذا أقدمت الحكومة على تنفيذ رغبتها في تفريغه بصور غير سلسلة؛ فقد يؤلب عليها الرأي العام الدولي مرة أخرى.