في الثمانينيات وخلال عملي في صحيفة السياسة أتيحت لى وزميلي الأستاذ عادل عبدالرحمن (كريكره ) الذي يعمل حاليا محررا في صحيفة الشرق بلندن ، فرصة الذهاب إلى المغرب بغرض دراسة الماجستير في أحد المراكز الصحفية هناك، وذلك عن طريق منحة تقدم بها المستشار الثقافي بسفارة المغرب بالخرطوم لصحيفة السياسة، وبعد التخطيط للرحلة والتنسيق بيننا في كل مجرياتها، شاءت الأقدار أن لا يكون لى نصيبا فيها، حيث فاجأتنا السفارة بخفض المنحة وقصرها على شخص واحد مع الوعد بان تتاح ذات الفرصة العام المقبل، وبعد نقاش كاد أن يصل مرحلة العراك للفوز بفرصة الذهاب أقنعني داهية الكوة (كريكره) بالتنازل له والسفر للمغرب حتى يمهد الطريق ويستشف الأمور عن قرب، ولأنني اعرف خبرة ابن الكوة في هذا المجال حيث سبق أن تزاملنا إبان فترة الدراسة الجامعية بمصر، ونظرا لما يجمع بيننا من صداقة حميمة فقد تنازلت له مكرها، غادر الزميل عادل إلى المغرب، وواصلت أنا مسيرة العمل الصحفي بجريدة السياسة ممنيا النفس باللحاق برفيق الدرب العام القادم، ولكن تأبى إرادة الله دون ذلك حيث توقفت صحيفة السياسة بعد قيام ثورة الإنقاذ، ومعها تبدد حلم الذهاب إلى المغرب والتمتع بهواء الأطلسي ونضرة وجمال هذا البلد العربي. عادت بي الذاكرة إلى تلك الأيام، وأنا أتنقل بين القنوات العربية لأجد نفسي مشدودا إلى فضائية المغرب الأولى، توقفت عندها كثيرا فقد كانت هذه القناة تقدم مجموعة من البرامج الثقافية والترفيهية والتعريفية في الجوانب السياسية والاقتصادية، حيث تصادف ذلك مع الذكرى 11 على جلوس العاهل المغربي الملك محمد السادس على العرش، وكانت تلك فرصة طيبة للتعرف على المغرب الشقيق عن قرب، وقفت خلالها على إبداع أهل المغرب في المجال الصناعي والزراعي، وعرفت أهمية مبدأ تقديس العمل بين المواطنين، حيث يقال إنه السر الذي جعلهم أكثر تطورا في مجالات الصناعة التقليدية، وفي المجال الزراعي رأيت كيف أن الإنسان هناك قهر الصعاب وسخر الأرض والجبال وزرعها بمختلف ألوان الطيبات لتنتج أكثر من صنف من الثمرات، وهذه السياحة المجانية في ربوع المغرب الخلابة أعطتني إحساسا بأن هذا البلد يعيش في تنمية شاملة تحكي قصة تلاحم بين ملك وشعبه. إن الخبرة المغربية في شتى الحقول لاسيما الصناعية والزراعية جديرة بأن تجد الاهتمام من قبل المسئولين عن هذه القطاعات في وطننا السودان،فقد أثبتت الصورة أن المغاربة أصحاب خبرة ثرة في هذين المجالين، وحتى نستفيد من هذا المكنوز فإننا ندعو إلى تفعيل الاتفاقيات والبروتوكولات الموقعة بين البلدين في شتى المجالات لفتح المزيد من آفاق للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، خاصة إذا ما علمنا أن للمغرب موقعًا في سويداء كل سوداني، وذلك بسبب المكانة والاحترام اللتان تكنهما حكومة وأهل هذا البلد للمفكرين والمثقفين والمبدعين السودانيين، وحرصها على مشاركتهم في مختلف الفعاليات الثقافية التي يبدع أهل المغرب في تنظيمها. وكل عام والمغرب الشقيق بألف خير. صحفي مقيم بالسعودية [email protected]