شيبة ضرار..عندما يختلط الحق بالباطل..    استقالات في نادي مجلس ادارة حيدوب النهود    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    وزير الخارجية يبحث إحكام التنسيق بين السودان والأمم المتحدة    من هي ملكة جمال أميركا التي تحولت إلى عالمة نووية؟    الشرطة المجتمعية بولاية كسلا تنظم يوما علاجياً    لماذا يضع ريال مدريد تاجا على شعاره.. وما الفرق الأخرى التي تستخدمه؟    مكافحة التهريب تضبط سيارات محملة بالاغذية والوقود ومواد كيميائية وسمية    بسبب الإهمال الطبى.. حبس 6 أشهر وغرامة 100 ألف جنيه لطبيبة    الثلاثي مابين ثقة فلوران وانتقادات الجماهير    اطلع برة يخطف ثنائي السوكرتا    شاهد بالفيديو.. الممثلة السودانية الحسناء أمول المنير تستعرض جمالها بعد ساعات من ظهور مقاطع فيديو فاضحة لزوجها الحرس الشخصي لقائد الدعم السريع ومتابعات: (كمان فاتحة نفسك يا غبيانة؟)    سيدة سودانية تشكو: (تبرعت لزوجي بكليتي وتكفل أخي بكل مصاريف العملية وبعد سنوات صدمني بأنه يريد أن يتزوج إمرأة أخرى..وافقت وتوجهت للقضاء لإرجاع كليتي ورسوم العملية..ماهو القرار المتوقع من المحكمة؟)    شاهد بالفيديو.. وسط حفاوة واستقبالات حاشدة.. المودل السودانية آية أفرو ترقص وتبهر الشعب السعودي بعد نزولها للشارع العام للاحتفال مع أهل المملكة بالعيد الوطني    شاهد بالفيديو.. الناشط الشهير منذر محمد يشن هجوماً قاسياً على الراقصة آية أفرو بسبب (بوش) السعودية    البعثة الاشرافية لمشروع تطوير الزراعة تقف على مشروعات الدندر الزراعية    الشرطة تلاحق السيارات المنهوبة بدول الجوار عبر (الإنتربول)    مانشستر سيتي يواصل التغريد خارج السرب في البريميرليج    رئيس مجلس السيادة يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة – صور    ناقشا قضية الميليشيات المدعومة من روسيا .. البرهان يلتقي الرئيس الأوكراني زيلينسكي    اكتشاف بيوت دعارة وديسكو وحديقة حيوان داخل سجن    كلهم ينهبون ويسرقون ويكذبون..قيادة الدعم السريع ينقصها الصدق لكي تعلن انها انهزمت    انعقاد الورشة التويرية لدور القومسيون الطبي بالجزيرة    الدعم السريع تُعرّي الدويلة العميقة    وزير خارجية سابق: البرهان أعاد للإخوان المسلمين سطوتهم واموالهم وجعلهم يحلمون بالعودة لحكم البلاد    دورات تدريبية في بروتوكول الملاريا المحدث بالولاية الشمالية    الحركة الشعبية جناح «الحلو» تغلق طريق الدلنج -كادقلي    الدولار يصل إلى أكثر من 780 جنيهاً في السوق الموازي    «السجائر الإلكترونية» تربك منظومة المناعة    كيف يمكنك التغلب على ارتفاع ضغط الدم؟    حرب السودان..(داعش) على الخط!!    مصرع أكثر من 230 سوداني في فيضانات ليبيا    مجزرة جديدة لطيران الجيش في نيالا    الحرب..بين الحكمة والقوة …    «الكاف يفسخ عقده مع شبكة قنوات «بي إن سبورتس    القبض على عشرات المزارعين بمشروع الجزيرة وإيداعهم السجون    الله لا جاب يوم شكرك،،،    "حوار"..مبارك أردول: هذه تفاصيل التسجيل الصوتي بشأن"حميدتي" وحياتي مهدّدة    شاهد: شمس الكويتية تفاجئ جمهورها بردة فعلها بعد سؤالها عن مفهومها ليوم القيامة    بنك الثروة الحيوانية يعلن اكتمال عمليات الربط مع نظام سويفت العالمي (SWIFT)    خروج مساحات زراعية كبيرة هذا الموسم من دائرة الإنتاج بسبب الحرب    قد تقتلونا.. لكن لن تهزمونا    الأسطورة حامد بريمة    بالفيديو.. داعية: من حق الخاطب أن يرى ذراع ورقبة وشعر خطيبته – "مطبق في دول الخليج"    السودان..السلطات تعلن القبض على متهم الممنوعات    السلطات تضبط كميات ذهب ضخمة قادمة من الخرطوم    تسلمتها من زوجها بالدعم السريع..السلطات السودانية توقف امرأة"الحافلة السفرية"    انتشال جثث 13مهاجراً من دول أفريقيا    مقتل 6 مهاجرين على الأقل بعد غرق قاربهم    هكذا تبدو الخرطوم في الحرب.. (الكبريتة)    من الساخر نادر التوم (سخرية الواقع ..و واقعية السخرية)    تعاطي العلاجات الشعبية بالسودان.. تضليل في زمن الحرب    مواطنو الثورة الحارتين (14 و58) بمدينة أم درمان يُناشدون والي الخرطوم بالنظر في قضية انقطاع المياه المُستمر بمناطقهم    مذكرات من الحرب اللعينة (13)    وصفها الجزائريون بالمعجزة.. رجل يسترد بصره فجأة داخل مسجد    نقل "أوراق امتحانات" يؤدي لمصرع شرطي وإصابة آخرين    الغرفة الفنية لحملة التطعيم بلقاحات كورونا بسنار تعقد إجتماعها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسرح النكتة ومن الذى بإمكانه أن يضحك ؟!
نشر في الصحافة يوم 17 - 08 - 2010

لأن مسرح النكتة ، الذى يمثل دورة البداية لحركة تطور العرض المسرحى فى صورتها التكرارية ، بإختلاف المرحلة التاريخية والإجتماعية التى تتعنّون من خلالها وظيفته ودوره التنويرى والتربوى ، ليتم تسويقه على أساس جديد فيمايشبه (خصخصة الضحك ) لمن يدفع مقابل كل ذلك ، لتكون وظيفته الكبرى هى (الترفيه وتزجية الوقت ) فى مناسبات خاصة ومغلقة ، فأصبح بمثابة (الفن المرتهن لحالة الطلب والعرض ) ودخل فى شكلانية (العادة المستحبة ) وصار له رموز ومسميات وتغير كل شىء فيه ، إلا الإحساس بالمسؤولية المهنية والأخلاقية تجاه المجتمع وقضاياه ، ومن هنا يبدأ رفضنا للفكرة برمتها تنظيرا وتطبيقا ، والسؤال المركزى : من أين يستقى (مرتجلو ) مسرح النكتة موضوعاتهم ، وماهى التيمات الإجتماعية والإنسانية التى تشكل (نوآة) هذه المحكيات الشفاهية ؟!.
تحول إجتماعى وفن بلامرجعية معرفية
فى مطلع تسعينيات القرن الماضى شهدت حركة المسرح فى هذا البلد توقفا قطعيا على مستوى الفرق والجماعات التى كانت تقوم بعرض أعمالها فى ذروة تطورها الكيفى والكمى فى الفترة الممتدة من 1979م حتى 1988م ، وكان ذلك بنزول أسماء جديدة ضخت فى شرايين حركة المسرح دما جديدا من طلاب وخريجى المعهد العالى للموسيقى والمسرح ، وكان التطور على ثلاثة مستويات فى العملية الفنية للمسرح وإنتاجه الظاهر ، مستوى الكتابة المسرحية ، والتطور التقنى على مستوى الإخراج والتمثيل والعرض ، ومستوى التلقى الإجتماعى ، بتبادل المواقع مابين النص بموضوعه المرتبط دلاليا بالمجتمع وحالة التلقى وردة الفعل من قبل جمهور يملك من الوقت وسعة الذهن مايمكنه من إستيعاب وتحمل عرض مايدور على خشبة المسرح ، بإعتبار أن هناك (مثقفين : ميسرة السراج ، خالد أبوالروس ، إسماعيل خورشيد ، الفاضل سعيد ، محمود سراج أب قبورة ، وصولا لأجيال شابة أمثال محمد شريف على وهاشم صديق وعادل إبراهيم محمد خير ) حتى منتصف الثمانينيات ، ودارت محاور نصوص عشرات المسرحيات مابين (مشكلات الحياة اليومية ومسألة التكيف على الوضع الإقتصادى والإجتماعى المتغير ) وإن كانت لاتخلو من (التفكير السياسى المؤدلج ) المباشر فى بعض الحالات ، إلا أنها كانت موجودة وفاعلة فى الوعى الشعبى ، ولخصوصية المراحل التاريخية التى كتب فيها هؤلاء الرواد مسرحياتهم ، كانت الثقافة والمعرفة الموسوعية مابين الفلسفة والتاريخ والسياسة والإجتماع قد وجدت الطريق إلى نصوصهم ? بالرغم من أن عددا كبيرا منهم لم يكونوا قد تلقوا تعليما عالى من أى نوع ? إلا أن إرادة التغيير الإجتماعى فى دواخلهم وتمثلهم لدور الريادة فى طرح قضايا شعبهم والتصدى لها كان حافزا قويا لخلق ذلك الحراك الثقافى ، والذى تدفق من خلال المنافسة والملاحقة اليومية لمايستجد ويتغير فى كار المسرح وخاصة من (نافذة الشقيقة مصر) التى ذهب للدراسة فيها عددا كبيرا من طلاب الدراما السودانيين .
سقوط الأيدلوجيا لصالح الأحادية القطبية
فى مطلع التسعينيات تغيرت أحوال الدراما والدراميين تبعا لتغير الشرط الإجتماعى الذى شهد تحولا غير متوقعا أو بالأحرى تغييرا إضطراريا على مستوى التفكير السياسى ، ولايمكن فهمه إلا بتشغيل عناصر السياسة والإجتماع وعلاقتهما بالتفكير الإبداعى ، لاتقوم حركة الدراما كواحد من الفنون الإبداعية على رؤى خارجية تسطيحية لمايدور فى داخل المجتمع ، الذى حدث فى السودان إبان فترة الديمقراطية الثالثة أن الدراما كانت تحفر فى جذور الممارسة الديمقراطية من جذورها وبقراءة إسترجاعية لنص مسرحية (إمبراطورية الدجاج ) لقاسم أبوزيد موسم 87-1988م يمكن ملاحظة ذلك ، ولأن الحرية فى التعبير فى تلك الفترة التى لم تتجاوز الثلاثة أعوام لم تكن كافية لأن تتبلور هذه الرؤى السياسية الناقدة والتى تحمل فى بعض محمولاتها بدائلا فكرية (للممارسة السياسية من زاوية المجتمع ) ، ولطبيعة إتكالية تبعية لمايدور فى الغرب والشرق (إنتهت الحرب الباردة بخروج الدب الروسى من رقعة الشطرنج الكونية ) ، فتوقفت حركة اليسار الذى كان يلوك (نصوص البرسترويكا ) ولم يستطيع بلعها فى محاولة لإنقاذ مايمكن إنقاذه ، ليكون السقوط المريع لها قد تجلى فى هذه المرآيا الكاشفة ( تبديد سيطرة اليساريين على حركة الإنتاج المسرحى من بوابة المعهد العالى للموسيقى والمسرح ) وتوجهه غير المتدرج أو الإحتمالى الترجيحى لحالة التحاور الأيدلوجى مع القوى السياسية الصاعدة بالبلاد آنذاك وخصوصا الإسلاميين ، إنتقل الصراع من كونه حروب على مستوى الخطابات الفكرية (مايسرده بعمق الأستاذ حسين خوجلى والأستاذ الشاعر صديق المجتبى ? قصيدة بطاقتى ? وفترة صعود نجم السياسى الفذ الخاتم عدلان وأخرين) ، لتتواجه تلك الفئات بإطباق الإسلاميين على الأفق السياسى فى البلد فى الفترة المذكورة ، ولم تتفرغ تلك الحمولات السياسية التى بدأت فى التكوين فى الديمقراطية الثالثة بسبب التوقف الصميمى للتفكير السياسى جراء صعود المنتصرين الأمريكيين برأسماليتهم المتوحشة ، ليواجه العقل العربى فى نفس الفترة بسؤال (حرب العشيرة : العراق الذى إجتاحت قواته الكويت ) ، وسقوط حركة فتح فى فخ (إتفاقية أوسلو ) ، إختصارا حتى لاتأخذ السياسة فكرتنا الجوهرية عن (علاقة التفكير الإبداعى لمنتجى الدراما كتابة وإخراجا وتمثيلا بمتغير تراجع دور اليساريين فى رفد حركة المسرح ) ، لتصبح البلد على واقع سياسى جديد مرتبط بتغيرات جذرية على مستوى التفكير السياسى مع إشتعال الحرب فى جنوب البلاد ، ولطبيعة خاصة (بكتاب الدراما المحسوبين على الأحزاب والأيدلوجيا ) كان قد كفوا عن الدخول إلى معترك الإنتاج لإفتقاد عنصر الإستمرارية ومقابل الإنتاج على المستوى الإقتصادى ، فحدث الفراغ العريض على ساحة الدراما الشعبية ودخلنا فى مرحلة البيات الشتوى الطويل حتى ظهور جماعات مسرح النكتة على إستحياء من خلال (مسارح الجامعة ) و(فترات رمضان المفتوحة فى التلفزيون بشكلها التوقيعى السريع ) ، ثم ظاهرة (الخيام الرمضانية وصالات الفنادق ) حتى 2001م ، وهنا يبدأ تحليلنا لهذه الممارسة الإبداعية من زاوية (رسالية الدراما والكتابة لها ) وعلاقتها بالمجتمع وإنشطاراته الفكرية والنفسية الجمعية وهزائمه وإنتصاراته البسيطة .
نصوص مسالمة لجمهور وديع ومنتشى
ربما نضحك للحظات مع (محمد موسى وذاكر وجنكيز والتجانى الفكى ) أو (محمد شيلا ومجموعته ) حتى إلتحاق (عبدالسلام جلود ومحمد صالحين ) بمجموعة الهيلاهوب فى تلك (التسجيلات التلفزيونية ) للقصائد التى يكتبها ويلحنها ? بإبداع طارق الأمين ? من قبيل (العولمة جات ، الموية حبيبتى الموية ، نقناقة تنقنقى ) وغيرها وتختلف عن مقاييس مسرح النكتة فى توظيفها الفكرى الواعى ، لكننا لانفكر كثيرا فى الذى سيحدث بعد ذلك ، وحدث الإنشطار الفكرى والنفسى الكبير على مستوى الكتابة الإبداعية حيث أننا نتفرج بإنتقائية على (أفكار ونصوص مسالمة يتم تصويرها لجمهور لايرغب فى غير ذلك ) ، وبالمقابل كانت تجربة الفنان المسرحى الراحل (مجدى النور ) رحمه الله ، هى الأكثر موضوعية وقدرة على التعبير عن إرادة مثقف حقيقى إقتحم جوهر الأزمة الإجتماعية وبحث عن (متلقى مأزوم أصلا ) فى أعمال مثل (الأقدام الحافية ) كمسلسل تم توقيفه بتلفزيون السودان بعد بث حلقتين منه ، ومسرحية (تاجوج فى الخرطوم) بالرغم الظروف الإنتاجية الصعبة مع المخرج قاسم أبوزيد ، لتملأ هذه الجماعات (تيراب ، الهيلاهوب ، تاتيبا لاحقا وهمبريب ) وغيرها ذلك الفراغ الذى خلفته فرق الرواد بإستثناء (مجموعات : الاستاذ الفاضل سعيد (وهذا لسبب جوهرى نذكره : يملك رؤية فكرية لقضايا التحول الإجتماعى بادئة من فهم عميق لدور المثقف وطبيعة تعامله مع السلطة بحيث لاتتقاطع خطوط تفكيره الدرامى مع محظورات السلطة لوجوده باحثا بمعول حفر حاد فى الأزمة الإجتماعية بواقعية طبيب جراح تمكن من تشخيص الجزء الذى يجب إستئصاله من الجسد الفكرى الموضوع على طاولة التشريح ) ، محمد شريف على ، محمد نعيم سعد ومصطفى أحمد الخليفة ، والدور البارز والقوى لجمال حسن سعيد فى عدد من مسرحياته وهو الأكثر حضورا فى هذا المقام ) ، الذى حدث أن جماعات مسرح النكتة ? بفعل السياسة التليفزيونية القائمة على تقديم المنوعات الترفيهية على حساب التفكير الإبداعى بموسمية رمضان وحقوق الرعاية من الشركات الخارجة من جبة الخصخصة فى بداياتها فى الجزء الأخير من التسعينيات ? إنفرط عقد (المسؤولية الأخلاقية تجاه المجتمع ) فى أن أصبحت (الدراما الجادة ) مستهجنة ? بفهم تجارى إستهلاكى ? ويمكن قراءة بعض نصوص وأعمال أخرجها المخرج عبدالحكيم عامر لملاحظة الفرق والإختلاف بين مستويات (الحرفية والمهنية فى الكتابة الدرامية التى تغوص فى القضية الإجتماعية بحيث يمكن : تبين خطوط التقدم لدى مخرج يفكر مستصحبا المجتمع الذى هو الهم العام فى رؤيته الإخراجية ) ، وتلك (المضامين المخزية ) لمسرح النكتة فى هذه النقاط :-
1. تخصص بعض ممثلى مسرح النكتة فى تقليد الفنانين (فكرة ناقلة عن مسرح المدارس الثانوية والجمعية الأدبية ) ، إنقطعت عندها الصلة بين (قسم الدراما بالمعهد وقصر الشباب ) فى شكله المدرسى المتراكم بخبرات أكاديميين على درجة عالية من الكفاءة (بدءا من عمر الطيب الدوش وهاشم صديق وسعد يوسف وعبدالحكيم الطاهر وأخرين ) ، لتكون نظريات الدراما ومناهج الإخراج وتقنيات الخشبة عملا أكاديميا بحتا غير قابل للتطبيق ..لماذا ؟!.. لأن مسرح النكتة لايتحرك إبداعيا لمافوق مرحلة المدرسة الثانوية ? وللمفارقة المؤسفة : أن الممثلين فى الحالة المذكورة يمتلكوا مواهب تمثيلية جيدة كانت تبحث عن هذا التأسيس العلمى ? فكانت المحاكاة بشكلها الأرسطى قد عادت لتنسخ أى تقدم كان قد حدث فى حقل الدراما السودانية التى قدمت من خلال مجموعة السديم مسرحية (أربعة رجال وحبل ) بمستواها التمثيلى والإخراجى الرفيع ، ونصوص أخرى لمبدعين مثل مكى سنادة ، لنقول : بأن الذى الأثر الكارثى الذى نتج من ذلك - وفق رؤيتنا التى ليست مثل رؤية رجل البروف عثمان جمال الدين أو السر السيد بخبرته الواسعة والعريضة ? فى أن تحكمت (طريقة تفكير فردية لقواد جماعات مسرح النكتة والتى تقوم فى أحيان كثيرة على فكرة شخص واحد ) فى تحديد سقف التفكير الإبداعى للمجموعة برمتها فى أن قدمت فنها الإعتذارى تحت ظل واقع إقتصادى حر إستأثرت فيه الفئة المحظوظة بالتواجد فى الخيام الرمضانية والإحتفالات الخاصة (بالضحك المعافى ) مرتين: مرة بمباشرة الفعل الدرامى ? تقليد الفنانين وحكايا القرويين فى الخرطوم ? ومرة أخرى بإسترجاع سماحة وبهجة جو المدرسة الثانوية.
2. ماهو شكل النص المسرحى الذى كتبه سارتر- مسرحية الذباب - وبلاده تنزف من جراء الإحتلال الألمانى فى أربعينيات القرن الماضى ؟!..وأين ذهبت ملحميات بريخت فى العقل الأوربى ؟!..بينما كانت الحرب تدور فى جنوب البلاد بكل شراسة وعنف الآلة العسكرية فى ثلاثة جبهات ، كانت (النكتة التى تعرى بطريقة ? الممثل ذاكر عبدالرحيم ? القروية التى تبهرها ام درمان فى شارع الدكاترة أو الأخرى التى تنخرط فى سلك المدنية الزائفة فتسقط فى الرزيلة ) أو تلك الصورة النمطية للعلاقات مابين مستوى التفكير الإجتماعى ? بالمحاكاة ? مابين ذاكرة الطفل ومحيطه الإجتماعى ، فإذا كانت تجربة سارتر وبريخت قد سندتها فلسفات وتقاليد عريقة فى ( البحث بموضوعية عن أفاق أعلى للتفكير الإبداعى ) ، فإن الدراما التى تنصرف فى لحظة الحرب القاسية لتنطوى على نفسها ويرتضى فيها الممثل بأن يكون (مضُحك الأسر المرفهة فى ليالى الخرطوم الندية ) لاتستحق أن نعمل التفكير كثيرا فى قضاياها ..وأى قضايا ؟!..لأن الكتابة النقدية هى فى الأصل شكلا من أشكال الفضيحة نقول : إن من يدافع عن مسرح النكتة ? بأى نظرية كانت حتى ولو أن إستعار كل مرجعية بيرجسون فى فلسفة الضحك لتأكيد جدواها ? يكون قد دافع عمدا عن أثرياء جدد وطبقة جديدة نبتت عرضا على جسد الدراميين من خارج المؤسسة بحيث يمكن وصفها ب (المنتج الذى يبيع للمستهلك فى سوق الحر بالسعر الذى يرضيه هو شخصيا ) ، وإمعانا فى الفضيحة فإننى أختم بهذا الملخص لمجمل الفكرة التى إستعرضتها :-
- يكمن خلل الدراما والتمثيل فى واقعنا المعيش فى قدرة المثقف المنتج لها على الإمساك بإتجاه البوصلة فى واقع الإنسان فى بلادنا ، ويخادع نفسه من يعتقد بأن السياسة فى الكتابة الدرامية هى الإساءة إلى الرموز الوطنية أو التعبير عن رغبة أحزاب يسارية أو يمينية ذهبت إلى التاريخ ، فى أن الدراما هى آداة الحفر وسلاح الإنسان البسيط ليعرى ويعبر عن بواطن أزماته الخاصة والعامة ، لاتأتى الدراما إلى المجتمع من بوابة قبول السلطة لها ، السلطة تملك منطقها الخاص الذى يمكن محاورته ومحايثته بحيث تلتقى الخطوط فى منطقة المصلحة العليا للبلد وإنسانها ، ليكون الكاتب المفكر هو الذى بإمكانه ربط قضيته الخاصة بمشكلات بلده ( العبادى : المك نمر ، إسترجاع سيرة المقاومة البطولية فى لحظة الضعف ليتغير معنى الهزيمة ، التعبئة العكسية ) ، وليس المطلوب من الدرامى أن يخوض الحرب بطريقة (إسحق أحمد فضل الله ) فى برنامج (ساحة الفداء ) وإنما فقط رصف الهوة أو الفجوة مابين ( منطق إجتماعى وأخلاقى يتقدم فيه شباب وطلاب ورجال ونساء للمعارك الضارية فى مناطق العمليات ويستشهدوا ومابين واقع إجتماعى متراخى ? نسعى لإضحاكه فى أمسيات مدفوعة الأجر- ومتطلبات فنية وفكرية فى تكييف مسألة الحرب والسلام ومناقشتها بفتح خطاباتها ليكون هناك مقابلا موضوعيا لها على الصعيد الإجتماعى .
- وبسؤال : لماذا لم تستطيع الدراما لدينا ? على مستوى المؤلفين والمخرجين ? أن تتقدم بمشروعها النضالى الرديف لجهود العسكريين والدبلوماسيين فى قضية (المحكمة الجنائية ) بحيثياتها المعروفة ؟!.. بمثال : فإذا رفضت قبيلة الجعليين أن تسلم الفارس البطحانى الذى إحتمى بها ، على مستوى الكتابة الإبداعية عند العبادى ، لماذا لم تستطيع كل هذه الآلة الدرامية الضخمة أن تنتج نصوصها الفاعلة على صعيد التفكير السياسى والإنسانى : الجنائية لاتبحث عن الرئيس البشير الذى هو موجودا فعلا ، وإنما عن الخارطة التى تستهدف كل يوم بالتجزئة والتمزيق ، بالإنفصال فى الجنوب وتعنت أمراء الحرب فى دارفور ? مع تقديرنا للرجال والنساء الذى يعملوا فى مسرح النزاعات ومناطق الحرب ، أشخاص جديرون بالإحترام أمثال محمد عبدالله صوصل وسيف الإسلام وأخرين ? للتفريق بين السياسة التى يمليها زعيم حزب معين وكل مفاهيمنا للسيادة الوطنية ، لنقول : هل سيكون بإمكاننا أن نتقدم لخطوات خارج ذواتنا ورؤيتنا الأحادية لأنفسنا ومنتجنا الإبداعى لنوظفه كسلاح ماضى بإتجاه تسلط الأخر علينا ، مسرح النكتة لايستطيع أن يحقق المقاومة الإيجابية التى يمكن أن تقدمها جماعات وفرق متميزة مثل الأصدقاء ومجموعة جمال حسن سعيد ومخرجين أمثال عبدالحكيم عامر وشباب أمثال قدير ميرغنى وربيع يوسف وأخرين ، فإذا تخلت الدراما عن الإضطلاع بمسؤولياتها فى (تنوير الناس ) بمخاطر الصراعات الدولية وحضتهم على الدفاع عن مقدراتهم وقيمهم الأخلاقية مثلما فعل العبادى وجيله ، لن تستطيع السياسة والسياسيين وحدهم أن يبرروا للأجيال القادمة فكرة : أن بلدا تخوض حربا داخلية ودولية وتتهدد فى سيادتها ويمارس الدراميين ? عبر تلفزيونها الرسمى ? الضحك والإضحاك فى الفترات المفتوحة الرمضانية ، لأن فى الأساس مخرج الدراما هو بمثابة العين اللاقطة بتركيز كبير لمآلات الأحداث ، وهو المثقف بإمتياز وبلادنا غنية بمثل هؤلاء المبدعين ، فقط لنخرج من صالات الفنادق والخيام المكيفة للهواء كمايفعل المبدع الفنان محمد المهدى الفادنى فى برنامجه بفضائية الشروق كل يوم ، ليمارس دوره القتالى الذى يرتفع لمصاف (المفكرين) فى وضع يليق به ويقدره مجتمعه وشعبه بدلا من (التهريج ) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.