لم ينتبه مشاهدو قناة «النيل الأزرق» وبرنامج أغاني وأغاني للفنان كمال ترباس وهو يبكي ويذرف الدموع الغالية عندما كان يؤدي أغنية «أمي الله يسلمك».. كان بكاء ترباس مرا وقد شرقه الدمع، وبكينا معه لأنه غنى للأم وما أدراك ما الأم اعظم إنسان. إمي يا دار السلام الله يسلمك، إديك لي طول العمر في الدنيا يوم ما يألمك.. يا مرضعاني الطيبة بالصبر الجميل.. الله إسلمك.. يا مطمناني بطمنك.. التحية للشاعر التيجاني حاج موسى الذي ألف هذه الكلمات الرائعات في حق الأم، والتحية للفنان كمال ترباس الذي أضفى على الأغنية ينابيع من الألحان الشجية، وجعل لها قيمه إنسانية وعاطفة جياشة لا تملك عند سماعها إلا البكاء، وتجري منك الدموع، ودموع الرجال غالية خاصة إذا كانت أمك قد رحلت عن الدنيا وتركتك فى بحر من الذكريات والأحاسيس، ثم الشعور باليتم حتى لو صارت لك أسرة وبنين، وتقدمت بك السن وانجبت الأبناء والذراري. إن العلاقة بين الأم وأبنائها علاقة قدسية لا يعلم سرها إلا الله تعالى الذى أوصى الإنسان بوالديه إحسانا. «وإما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا». و«إن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا». والله أمرنا بأن نقول لوالدينا سلام، وقد جعل الله الابن الصالح مما ينتفع به الإنسان بعد رحيله عن الدنيا: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به غيره وولد صالح يدعو له. «حديث شريف». وللأم في شهر رمضان ذكريات خاصة لكون رمضان هو شهر التراحم والتواصل، والأم تفيض برحمتها على أبنائها في رمضان بأن تدعو لهم الله، ولا أظن أن أحداً من الناس على وجه الأرض يمكن أن يدعو لك دعوة خالصة وصادقة كما تفعل الأم التي تتضرع إلى الله وتتبتل اليه بأن يحفظ ابنها في حله وترحاله، وما نحن فيه اليوم ما هو بفضل دعوات أمهاتنا، سواء أكان ذلك صحة وعافية او نجاحا وتوفيقا في الدنيا. وليتذكر كل منا الدعوات الصادقات لأمه وهو صغير ترسله للمدرسة ودعواتها له بالنجاح والفلاح، ثم دعواتها لك إذا مرضت وجلست إلى جوارك ومستك بيدها الشريفة، ومسحت على وجهك بكفها الحنون، واذا اتم ابنها أو ابنتها الدراسة وتخرجا ثم عملا كل هذه بفضل دعوات الأم. ونحن نبكي مع ترباس للأم في عليائها ومكانتها السامية في نفوسنا وحبنا الابدي لها، ولذرات التراب التي تمشي عليها، نتذكر الوطن ونقول بلادي بلادي يا أمي كيف تصيرين بعد أيام وشهور وطنا مشلولا فاقدا لنصفه؟ هل يرضى الواحد منا أن يرى ست الكل وقد أصبحت مشلولة واقعدها المرض؟ هكذا الأوطان لا تقل شأنا عن الامهات، ولا غرابة إذا بكى هذا السياسي النبيل أسفاً على ضياع الجنوب وبكى ترباس المطرب والوطني الغيور وهو يتغنى للأوطان.. والأوطان في حدقات العيون.