القرآن هو الإطار المرجعي الأول والضابط الدلالي والمفاهيمي النهائي عند المسلم. وأية قضية في أي مساق معرفي تنبع بالضرورة منه وإلا أصبحت بدون طائل وهذا ينطبق على قضية السلطة والنظام السياسي. لاستنباط محور السورة عبر الاستقراء المنهجي سنعتمد السورة كوحدة تحليلية. فقد وردت بعض خصائص السور في الأحاديث مثل الاخلاص والزلزلة ويس، مع ذلك أطلق المفسرون توصيفاتهم للسور حتى بدون المأثور. فأطلقوا على سورة النساء أنها سورة الاحكام وأسموا سورة النحل سورة النعم. لم يفصح المفسرون عن منهجهم في كيف وصلوا إلى ذلك ولكن بالتدقيق فيما وصلوا إليه يمكن وضع خطوات لاستقراء محور السورة أو مضمونها. في اتجاه أولي يمكن أن نضع ستة موجهات والتي من خلالها نعيد قراءة سورة النساء أو أي سورة أخرى ونرى هل يدلنا المنهج على النتيجة التي خلص لها المفسرون أم لا؟ أو أن نخلص لمدلولات جديدة. بالتحليل والاستقراء نستنبط أن سورة النساء هي بالفعل سورة الأحكام وهي بالتحديد سورة القانون الخاص. وإذا أعملنا خطوات المنهج على سورة المائدة فإننا نخرج بخلاصة أن سورة المائدة هي سورة القانون العام (الدستوري والجنائي) وبذلك فهي سورة أصول الحكم والدولة. موجهات الاستقراء المنهجي الستة هي: 1- الآية أو الآيات في أول نهاية السورة 2- الكلمات المفتاح في السورة 3- نزول السورة مكيتها أو مدنيتها وتسميتها 4- لمن توجّه النداء بالسورة 5- اسماء الله بالسورة وخاصة في نهاية الآيات 6- توافق بقية الآيات في السورة مع محورها المستخلص فإذا أجرينا تطبيق المنهج على النص في سورة المائدة نجد الآتي: 1- بدأت الآية الاولى بالنداء يا أيها الذين آمنوا وتناولت أ- الإيفاء بالعقود والدولة في أصلها عقود (تجارية وسياسية ودولية الخ) وانتهت الآية الأولى بأن إرادة الله هي الحاكمة (إن الله يحكم ما يريد) ب- انتهت السورة بحقيقة ملك الله السموات والأرض والانسان بالنص هو خليفة ملك الله في الأرض وتكررت الصيغة في ثلاث مواضع أخرى بالسورة 17-18-40 2- جاءت صيغ يحكم حكمت فاحكم يحكمون حكم الله ومن لم يحكم بما انزل الله، وليحكم، أفحكم، بتناول عالي لا يوجد في أي من سور القرآن الأخرى الآيات (1، 42، 43، 44، 47، 48، 49، 50) 3- توجه الخطاب في السورة أ- جاء الخطاب حصراً في هذه السورة بأيها الرسول في آيتين (41، 67) والرسول (ص) هو مؤسس النموذج في السلطة والحكم ب- جاء الخطاب بأيها الذين آمنوا ست عشرة مرة بداية من أول آية وهذا عدد من المرات يتفوق على أية سورة أخرى بما فيها البقرة وخطاب المجموع هو خطاب لمن تمثلهم الدولة 4- نزول السورة المائدة هي من أواخر السور نزولا ونزلت فيها آية هي من آخر الآيات نزولاً ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً) الآية:3 وقد قرأ بها الرسول في حجة الوداع وإكمال الدين هو نعي الرسول في نفسه. حيث ستؤول الأمور لأشخاص عاديين ليسوا بانبياء. والمائدة بما هي أصلاً مائدة للطعام وما تتطلبه الدولة من أسباب المعيشة والرزق (زراعة وصناعة وتجارة) فهي أيضاً محل تحاور وتشاور . 5- اسماء الله جاءت اسماء الله في السورة تدل على مضمونها بداية من الآية الأولى (إن الله يحكم ما يريد (1) (إن الله يحب المحسنين (13) (إن الله يحب المقسطين)(42) ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون (50) (والله لا يحب المفسدين) (64) أو جمل شبيهه في بقية الآيات. 6- التوافق في بقية آيات السورة أ- أوردت السورة كل العقوبات (القانون الجنائي) بداية من أول جريمة قتل والتحريم النهائي للخمر والقانون الجنائي تطبقه الدولة - القتل (27-32) - السرقة (38-39) - القصاص (45) - الخمر (90، 91) - الحرابة والبغي (33) ب- العدالة والعدالة قيمة عليا في الدولة (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) (42) ( يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى) (8). ت- أثبتت السورة ميثاق واجب الاتباع لدى كل الرسل خاصة الديانات السماوية المعاصرة (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا واطعنا...) (7) فيما يخص الأمة المسلمة. اتباع موسى عليه السلام ( ولقد أخذنا ميثاق بني اسرائيل ..) (12) فنقضوا الميثاق (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه) (14) ومن اتباع عيسى عليه السلام ( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به ....) سورة الميثاق هي سورة الانعام باستقراء شبيه ويحملة الآيات (151، 152، 153) فيها . هذه لمحة عن استقراء سورة المائدة لمن أراد التوسع نحيله إلى مجلة أبحاث الايمان العدد العاشر. بعد الاستقراء والتحليل نصل لخلاصة ان سورة المائدة هي سورة القانون العام (الدستوري والجنائي) وهي بذلك سورة أصول الحكم والدولة والتي منها نخرج بمحددات عديدة عن الدولة والسلطة لا يسمح المجال في التوسع فيها في مثل هذا المقال. * مركز القاريء للدراسات والنشر