بعد ان كثرت عمليات التغول على الحق العام والاستيلاء على الميادين والمتنفسات وافتقد سكان الاحياء الحدائق وملاعب الاطفال والساحات المخصصة لرياض الاطفال ومدارس الاساس، كان لا بد ان يضطلع بعض الخيرين بمهمة تذكير الناس بأهمية الحفاظ على الهدوء والطمأنينة والسلام الاجتماعي والتصدي لعمليات التغول المذكورة التي تتم بواسطة بعض المتنفذين واذيالهم، ولذلك برزت وسط سكان الحارات القديمة بام درمان قضية اللجنة الشعبية للثورة الحارة الثالثة ضد سلطات التخطيط العمراني حينما قامت الاخيرة بتخصيص قطعة ارض داخل حرم الحي لجامعة خاصة، متناسية ان القطعة خصصت اصلاً من قبل لاقامة مدرسة الحارة الثالثة للبنات ، وظهرت القضية في الرأي العام باعتبارها سابقة في محاولة قيام اللجان الشعبية بدورها المنصوص عليه في نظامها الاساس وامكانية دعم السلطات التنفيذية للدولة لهذا الواجب بدلاً من إضاعته بقلم التخصيص المتقلب المزاج . ان الخطة التنموية التي وضعتها الحكومة وحزبها الحاكم للارتقاء بالتعليم في السودان بالتركيز على انشاء اكبر عدد من المدارس خصوصاً مدارس الاساس، هذه الخطة نستطيع القول ان جهات من داخل الحكومة تعمل على نسفها عبر تدابير تتخذها من حيث تشعر او لا تشعر، وابلغ دليل على ذلك قضية الكوارتي رئيس المؤتمر الوطني ورئيس اللجنة الشعبية بالحارة الثالثة الثورة ضد سلطات التخطيط العمراني والتي تنظر فيها محكمة الطعون الادارية بمجمع محاكم كرري ، هذه القضية رغم انها امام القضاء حالياً الا انها تكشف مدى التخبط الذي تعيش فيه مؤسسات الدولة حينما تنسف بقلمها بنود الاستراتيجيات التي تقرها الحكومة بنفسها ولعل هذا ما حدا بالسيد عبدالرحمن الكوارتي الى مناشدة السيد رئيس الجمهورية بصفته رئيساً للمؤتمر الوطني نفسه بضرورة فك الاشتباك بين مؤسسات الدولة واجهزة الحزب او بصورة اوضح إعادة الصواب الي عقول المتلاعبين ببرامج التنمية والتطوير التي يتخذها الحزب ازاء القضايا المختلفة . ان الحق العام لا يمكن ان يلبس قسراً جلباب حق خاص متوهم فالساحات والميادين حق عام لسكان الاحياء يعملون فيها حدائق ورياض اطفال ومدارس، وفي الدول التي تحترم حقوق الانسان وحقه في العيش الكريم لا يمكن ان تقوم الدولة بالتصرف في قطعة ارض خصصت من قبل لصالح مدرسة مهما كانت المبررات ولكننا في السودان هذا البلد المحاصر بالتخلف الرسمي والشعبي يستطيع ضابط اداري صغير في محلية طرفية ان يصدر فرماناً بنزع قطعة ارض مخصصة لمدرسة ويأمر بتحويلها لمصلحة فرد من الافراد او جهة من الجهات ، نعم هذا الامر يحدث في السودان ويستطيع ذات الضابط الاداري ان يلغي قرار رئاسة الجمهورية وينسف خطة الحزب الحاكم وقرار وزير التخطيط العمراني ويضلل القضاء السوداني دون ان يكتشف احد حقيقة جرمه او يتصدى لتصحيح الوضع الغريب . ان البرنامج الانتخابي للرئيس ولحزبه نص على اقامة عدد محدد من مدارس الاساس تعميماً وتيسيراً للتعليم امام ابناء الشعب السوداني في القرى والمدن والاحياء السكنية، ومن المخزي ان يتم نسف هذا البرنامج واعتباره كأن لم يكن بعد الفوز بالانتخابات وبالتالي نسف القاعدة الذهبية «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، ولا يعقل ان تقوم الحكومة بتخصيص قطعة ارض لمدرسة الحارة الثالثة اساس بنات ثم يعمد بعض صغار الحكوميين الي نزعها وتعديل قرار التخصيص لتصبح منشأة ربحية خاصة غير مرحب بها وسط سكان الحي. هذا التصرف يعتبر تخبطاً واستخداماً سيئاً للسلطة وتضييعاً للحق العام للسكان الذين كانوا عما قريب ناخبين يعتمد على اصواتهم في الوصول الي السلطة .