«سونا» كتب- سعيد الطيب عبدالرازق تتعدد معاني مفردة «أمن» لغة ومبنى ومعنى ..وقرآننا الكريم يشير الى «أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» . المفهوم العام بالضرورة يعني أمن الدولة المناط به حماية نظام الدولة ومقدراتها السياسية والاقتصادية … الخ ويسمى احيانا أمن قومي وأمن داخلي ..وهناك الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي والأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الشرطي «الشرطة الأمنية» والأمن الفكري «المصنفات» والأمن الصحي .. وكل هذه المسميات الأمنية تستهدف توفير حماية وتحصين وتجسير المواعين التي تحمل اسمها. إلا اننا نحتاج اكثر الى أمن ثقافي … ضرورة هذا الاحتياج اقتضته اللحظة الراهنة التي تشهد صراعا بين ما اصطلح على تسميته الذكاء الغبي، الذي يقدم الدراسات والخلاصات ذات المعاني والمضامين الحقيقية ولكنه يفشل تماما في الوصول الى العقل والاحساس ، والغباء الذكي الذي ينتج الاعمال الرديئة ويبدع في بثها وترويجها عبر قنوات سلبت الوقت وصارت القراءة منسية، وتجد مثل هذه الاعمال المثيرة فاقدة المعني صدى وقبولا لدى العقول التي هيأتها آلة الترويج لهذا. لذلك حينما يقولون ان العولمة حلت الان واصبحت المسافات البعيدة لاغية والثقافات المحلية متلاشية سيصير الفضاء واحدا واللغات واحدة والذوق واحدا والقوة كذلك ستبقى واحدة امريكية منفردة ولا فضاء ممكن امام أية قوة اخرى. وحينما يقولون ان النظام الجديد العالمي الذي سيطبق مظهره الاقتصادي سيكون اكثر فعالية وتأثيرا لان الجميع سيصبح استهلاكيا لمنتجات بضعة شركات غربية ستحتكر اسباب الحياة مما يعني الاستغناء عن ملايين العمال لتحل الآلة الحاسوبية محلهم، وحينما يقولون ان التجارة الدولية ستكون متحررة من كل القيود الجمركية وستدخل كل الخدمات الاخرى بلدك بلا استئذان لتنشيء لها موضعا وفرعا فهذا يعني انك وقعت على صكوك منظمة التجارة الدولية وحينئذ انت ستقبل صاغرا شئت ام ابيت انعكاساتها على منتوجاتك ومستوى خدماتك المحلية لتنافسها وباسم العالمية ستبقى وستجد القبول «السمين بقيف والضعيف بقع». وحينما يقولون ان النظام السياسي الذي ينبغي ان يكون هو الديمقراطية التعددية فهي «الزي» المناسب لكم فليس هناك مساحة للاعراف والتقاليد الموروثة لكل قومية ..ولا حتى الانظمة الأسرية وسط القبائل التي تحترم «أب القبيلة وشيخها» باعتباره الرمز الاجتماعي للحل والعقد ولا مجال لها فهي شكل ديكتاتوري هكذا يقولون. وحينما يقولون ان الاديان ينبغي ان تكون مفصولة عن السياسة لتستقر فقط في الجوامع والكنائس والمعابد والاديرة «ما لله لله وما لقيصر لقيصر»، وحينما يقولون ان حقوق الإنسان يجب ان تكون مصانة مكفولة ..حق التعبير وحق التفكير وحق الانتقال والامتلاك … الخ.. وهذه الحقوق معنية لسلسلة العالم النامي الثالث تجاه شعوبهم ولا تسألوا ان ضاعت حقوق العرب والمسلمين في اسرائيل فهذه الاخيرة دولة ديمقراطية تحت الحماية الامريكية وتحت مشهد كل منظمات الأممالمتحدة المعنية بحقوق الإنسان وتنتهك كل الحقوق نعم كل الحقوق. وحينما يقولون ان العالم اصبح في جهاز واحد في غرفة صغيرة بحيث اضحى الاتصال والتواصل أسهل وأيسر «الانترنت » ومن ثم ألغت هذه الشبكة الدولية للمعلومات كثيرا وجود الصحيفة الورقية والمجلة والكتاب والتلفزيون والسينما والمذياع والمعارض ودار الوثائق.. أي تجميع كل أجهزة ووسائل الاتصال والإعلام داخل جهاز واحد وصارت المعلومة حرة متاحة وليس كلها بعدما كانت قبيل الحرب الباردة في اواخر سبعينيات القرن الماضي أسيرة احتكار الاستخبارات فقط. لقد قالوا كل ذلك عبر وسائل الإعلام المقروءة والمشاهدة والمسموعة وبشروا بذلك النظام لكننا نحن المسلمون والعرب والمنتمون للدول المسماة بالنامية يمكننا من خلال «أمن ثقافي» ان نتحصن من الشرور السوالب اذا حددنا هدفنا ووضعنا خططنا ونفذناها عبر برامج معينة للتدريب والتأهيل التقني الشامل حتى نمحو أميتنا التكنولوجية بتثقيف وتعليم الإنسان الذي سيتعامل مع التحديث والتقنية مع استصحاب الجرعات الدينية التي ستكون المرجعية في كل خطوة نخطوها وإعلاء القيم الإسلامية السامية التي تدعو وتعزز احترام الوقت والعلم والأمانة والصدق والشفافية. ونقول نعم للتطور والمواكبة ولكن بلا مسخ وتشويه لمعتقداتنا وهويتنا ، ونقول اخيرا الا خوف على مجتمعنا حتى الان «الخير فينا موجود» ومصداق ذلك اننا اذا نظرنا فسنجد مجتمعنا ما زال محافظاً رغم بعض المظاهر السالبة ولكنها لم تصل ولن تصل درجة الظاهرة الكارثية.