حُمَّى الاستحقاق الانتخابي تتصاعد مع كل صباح ، فالكل ينظر إلى أبريل القادم بزاوية مختلفة، تحذيرات تحملها صفحات الصحف وبجانبها تأكيدات من الأجهزة الأمنية بأن لامخاوف حتى الآن . حركة تنتظم كل دور الأحزاب السياسية بكل مناطق البلاد المختلفة ، أعلام وشعارات تتحرك بلاحساب ، فالشارع الممتد من جبل أولياء وحتى مدينة النهود شمال كردفان لم يخلُ من رموز وأعلام الأحزاب السياسية . غير أنَّ هناك شيئاً آخر لابد من التوقف عنده، قصة شاب لم يغادر عمره العقد الثالث بعد «عبدالرحمن أبكر» القادم من مدينة الجنينة بإقليم دارفور قبل عامين ترافقه زوجته الحبيبة إلى قلبه كما قال فى حديثه ل»الصحافة» أمس لينزل بمدينة النهود شمال كردفان فى رحلة لم تكن واضحة المعالم بحثاً عن الرزق والأمان، بعد أن فقد أسرته الصغيرة التى هاجرت إلى شرق البلاد . ويضيف أبكر الآن أنا أحد ابناء هذه المدينة التى لم أعرف فيها الغربة على الرغم من ظلمة الليالي الأولى التى كنت لا أملك فيها سوى وجبة طعام واحدة نتقاسمها أنا وزوجتى ، فحديث أبكر عن أيام قدومه الأولى وما يعيشه أعادني إلى ما قاله لى أحد ابناء المنطقة يُدعى أحمد عمباج مفتخرا بالتنوع الذي تحتضنه مدينتهم « نحن نمتلك مدينة يمكن أن تكون أنموذجاً للتعايش « وزاد يكفي أن دكتور جون قرنق مؤسس الحركة الشعبية لتحرير السودان قدم لشعبها الشكر، لأننا احتضنا ابناء الجنوب إبان المعارك الشرسة هناك، وكانت علاقتنا فى الزراعة هى الشراكة لا الأجر ، فالمدينة التى تميزها لافتة من الحديد مكتوب عليها (نادي السلام الثقافي 1917م ) معلقة على رأس بوابة متهالكة وخلفها مبانٍ أكل عليها الدهر وشرب، تحكي حياة مدينة كاملة فى أقصى شمال كردفان ، يفتخر قاطنوها بأنهم أفضل من يصنعون الرجال ويقدمونهم الى الحياة العامة بجانب تاريخهم المكتوب كأكبر سوق للمحصول بالمنطقة . الا ان الامر اختلف الآن كثيرا فالتعايش القديم بين المكونات فى أرض تعرف بدار حمر لازال متماسكا يأخذ من اسم ناديهم وقود استمراره ولم تبدله ظروف المواطن وفقره بسبب الجفاف وقلة الامطار ، يراهنون بأنهم يعون ما يريدونه .أخبرني أحد الشباب يُدعى عبدالمؤتمن يمتلك متجرا لبيع كروت الاتصال بانهم لا يخافون شيئاً ولا يعرفون الوقوف فى المنتصف ويحددون موقفهم بكل وضوح، وضرب مثلا بثورتهم على والي غرب كردفان السابق دكتور بشير آدم رحمة أمام رئيس الجمهورية قبل المفاصلة بجانب ماحدث للمعتمد الحالي الشريف الفاضل بحضور الرئيس ايضا ،لافتا نحن هنا بالنهود ننشد التغيير لكننا حتى الآن لم نتحصل على أهدافنا التى نرجوها، مردفاً مع ذلك نحن مسالمون لانحمل السلاح ولكن قوتنا فى وحدتنا على الرغم من وجود تداخل عرقي كبير . المدينة التى تعج هذه الأيام بحركة سياسية عالية من أجل الوصول إلى البرلمان القومي و تتحدث عن التغيير كمطلب لواقع قالوا إنهم كرهوه تماما ، وتقدم مطالبها مكتوبة واضعة تحتها نحن مع كردفان ومدينتنا ،لا نبايع الأشخاص ،نبحث عن الذي يخدمنا فقط. وهناك ثمة ملاحظة أخرى لابد من التوقف عندها لا احد يتحدث عن انتخابات الرئاسة ،كلهم يصوبون سهامهم نحو المقاعد البرلمانية حتى منصب الوالي لم أرصد أحدا يتحدث عن الأمر ، لكن الاسواق والشوارع كلها منهمكة فى حساب الربح والخسارة بين المرشحين الأربعة للدائرة 13 التى يتصارع عليها رئيس حزب المؤتمر السوداني وابن المنطقة ابراهيم الشيخ عبدالرحمن ومرشح المؤتمر الوطني سلمان الصافي ومرشح حزب الأمة القومي مستور بليلة بجانب دكتور أحمد حامد ، فالشيخ الذي يقود حملته بكل قوة ويقلب كثيرا من الحسابات اولها الخسارة مرفوضة لعدد من الأسباب كون حزبه فى أولى تجربة انتخابية بجانب رمزية الشخصية التى تقود الصراع ، الا ان حديثه بمنطقة الرويانة قبل يومين يفتح ابوابا كثيرة، ويشير الى أن الرجل اقترب اكثر من منافسيه الى البوابة المطلة على محطة العشرين بشارع الموردة، ففى حماسة عالية قال لمستقبليه ( خيرنا للنزول فى دوائر لنفوز بالتزكية الا اننا نعمل من اجل ابعاد المفسدين والفاسدين ) ،رافعا شعار التحدي وواضعا منافسيه فى قلب المعركة التى ستكون أكثر شراسة، فعضو لجنة الانتخابات فى احدى اللقاءات الحاشدة ردد سنفوز لكن ليس بفارق ألف وألفين صوت بل سنقلم الأظافر ونكتسح ، وسط هتاف عالي (الكف الكف ضد السف) ، مما جعلني استوقف عددا من الشباب والنساء بعد هتافاتهم ما الذي يجعلكم واثقون، فالانتخابات تبعد أكثر من أربعين يوماً ويمكن أن تحدث المعجزات. قالوا نحن مختلفون ومدينتا تعج بالتداخل القبلي لكننا نعرف أي الطرق هي الأسهل للوصول. نحتاج إلى أسفلت ومدارس ومياه وانتظرنا كثيرا دون أن نراها ،هذا هو الدافع الحقيقي وبعدها يمكن أن ننفذ المهمة الأصعب وهي الوحدة لبلادنا .