قلت له: المعروف إن أغلب دوائر حزب الأمة المضمونة في الغرب وفي دارفور بالتحديد، أجاب: «ليه تقولي لي دارفور عشان أنا من هناك ولا شنو؟».. هكذا تساءل بحدة وواصل تساؤله: «لو قعدتي مع البشير حتسأليه عن شندي؟ ولو قعدتي مع الترابي حتسأليهو عن ود الترابي ؟» قلت: «لكنها مسألة انتخابات وقواعد مضمونة ؟ قال: «عندنا قواعد في القضارف و... » قلت بكل أريحية: هذه القواعد ليست مضمونة كتلك التى في الغرب من زمن بعيد قال: «أمشي النيل الأبيض والقضارف أسألي» قلت: وما هي ضماناتكم لكسب هذه الدوائر؟ قال: «ليست هنالك ضمانات .. تماماً كما انني لا أضمن أن أعيش خمس دقائق أخرى» قلت: لكن هذه الأمور تخضع لحسابات دقيقة ولا تحسب بهذا الشكل، قال: بحساباتي عندي دوائر بنسبة 100% واخرى بنسبة 70% وثالثة بنسبة 50%، بجانب دوائر بتنازلات وتحالفات مع الاحزاب، وهكذا العمل الانتخابي. ما سبق كان جزءاً من حوار أجريته قبل عامين تقريباً مع رئيس حزب الأمة الفيدرالي الدكتور أحمد بابكر نهار الذي بدا وقتها واثقاً من أن تنظيمه بعد سنوات من الانشقاق من الصادق المهدي ومن ثم المفاصلة مع مبارك الفاضل في عام 2003م، هو الأقرب إلى الجماهير بمؤسساته المختارة، كما أنه يعتبر حزبه الأقرب إلى الأنصار، رغم انه شبه العودة إلى حزب الأمة «الأم» مثل إعادة الطالب من الصف السادس إلى الثاني، في إشارة إلى استحالة العودة للوراء. وكان نهار على موعد مع تلك القواعد مطلع هذا الأسبوع في ولاية النيل الأبيض «معقل الأنصار» وولاية الجزيرة، ليدشن حملة حزبه الانتخابية، وكنا نحن على موعد آخر لنتبين صدق الإدعاء. صحبناه ضمن الوفد المرافق له في رحلته تلك، وكانت البداية بولاية النيل الأبيض التى وصلناها بعد أن قطعنا مساحات شاسعة من الأراضي الجرداء التى بدت ظمأي لقلة الوارد إليها من امطار الموسم السابق، وكانت علامات الجفاف تسبقنا عند كل عدد من الكيلومترات، لتكشف لنا ما سيحيق بها مع تقدم السنون وبروز تداعيات التغير المناخي. على كل حال كنت أكثرهم تشوقاً لرؤية بعض المعالم بتلك المنطقة، منها معهد بخت الرضا الذي كثيراً ما سمعنا عنه ولم نره، الذي تحتضنه مدينة الدويم التي يتغنى بها معجوبها من أبنائها وكل يتغنى بليلاه. هذا بجانب رغبتي في رؤية الجزيرة أبا التى سمعت عنها وليس من سمع كمن رأى، فقد شهدت انطلاق الثورة المهدية بواقعة مع الغزاة حدثت في 12 أغسطس 1881م، واستشهد فيها 12 من أصحابه منهم تسعة من قبيلة دغيم. وصلنا بعد أكثر من ثلاث ساعات من السير المتواصل إلى مفترق طرق، فكان في انتظارنا مجموعة من أنصار الحزب على رأسهم رئيسه بالولاية موسى آدم إبراهيم، ومرشحه لمنصب والي الولاية شمس الدين الدخيري الذي عرفنا فيما بعد أنه أحد الناجين من مذبحة الجزيرة أبا التي حدثت إبان عهد الرئيس السابق جعفر نميري. وعلمت من مرافقنا أن هذا مدخل مدينة الدويم .. لم أعلق على ما رأيت حتى دلفنا إلى طريق مسفلت صوب المعدية التي ستوصلنا إلى داخل المدينة.. لفتت انتباهي من اول الطريق النفايات المنتشرة على جانبيه خصوصاً قارورات المياه الغازية التى كست تلك المساحات وكادت تغطيها، هذا فضلاً عن الطريق الذي به من النتوءات والحفر ما جعل سائقي عربات الوفد يفضلون الطريق الترابي على المسير عليه. قطعنا بالمعدية عرض النيل وعلى يميننا منشآت الكبري الجديد الذي على ما يبدو ان العمل متوقف به، فلم تنجز منه سوى ثلاث قواعد، وكما هو معلوم فإن هذا الكبري إذا تم إنجازه فسيوفر كثيراً من الرهق والمشقة على أهل تلك المنطقة، ويحقق الربط الذي قد يدعم الوضع التنموي فيها الذي بدا لنا انه ليس على ما يرام من كمية النفايات التى ظلت تلاحقنا ونحن نطوف في شوارعها، بجانب المدارس التى تقع تحت ظل معهد بخت الرضا الذي يحتل طرفاً من المدينة، وهي نفسها تعاني من الإهمال وتبدو بمظهر كئيب لا يتوافق ورسالتها . وخرجنا بعد تطواف استمر لنصف الساعة يتقدمنا حادي الحزب الذي يرسل بصوته كبسولات من نهج حزبه في شكل مقاطع شعرية تخفي وراءها خبرة «ركاني» محنك، فضلاً عما تبينه الرايات والملصقات المثبتة على واجهات العربات من هوية هذا الحزب. وشهدنا خلال هذا التطواف تجاوباً من سكان المنطقة الحاضرين وقتها الذين اشرأبت أعناقهم خارج بنايات منازلهم لمعرفة ما يجري، وتمثلت في ترديد هتاف الأنصار المشهور «الله أكبر ولله الحمد» «أنصار .. أنصار ولن ننهار». وخرجنا نقصد الجزيرة أبا وفي النفس شيء غير مستحسن من المدينة السابقة، لكوني لم أجدها كما كنت أتخيلها، وأشد ما لم يعجبني فيها تردي البيئة المدرسية في مدينة العلم التى تحتضن أكبر مناراته بخت الرضا، فضلاً عن كثرة النفايات التى تحاصر شوارعها بجانب أكياس البلاستيك التى علقت بالأسوار، وخلفت مظهراً غير حضاري نهديه لابن المنطقة «المتعافي» الذي تسهر شركاته على نظافة العاصمة وموطنه نهب النفايات والأكياس الطائرة. فتوجهنا إلى الجزيرة أبا. ورغم ان الطريق المؤدي لها يشابه الطريق المؤدي لمدينة الدويم من حيث الثغوب والنتوءات، الا انه أحسن حالاً بكثير، خصوصاً من واقع النظافة، هذا بجانب ما يميزه من خضرة تحفه من الجانبين ممثلة في الأشجار الوارفة التى تفصل الإسفلت عن مياه النيل وتنتشر في مساحات واسعة على جانبي الطريق في شكل قوسين متقابلين. كنا نظن أننا سنستغل معدية أخرى وصولاً للجزيرة أبا، لكن علمنا من محدثنا أن هذا الطريق هو وسيلتنا إلى هناك تساءلنا عن: هل هنالك كبري؟ هنا كان الرد بحكاية لم تكن في الخاطر مطلقاً، يقول أصلها: إن الأنصار قاموا بردم النيل في هذه المنطقة بعد حادث غرق أودى بحياة «40» شخصاً في عام 1945م. دخلنا إلى الجزيرة والليل قد أرخى سدوله، فلم نتبين بفعله ملامحها الا صباح اليوم التالي، وكان نهار على موعد مع أنصاره بحي الرحمانية، ليحوز على بيعة أهلها على النصرة في الانتخابات القادمة، ونصرة ابن الجزيرة المرشح لمنصب الوالي شمس الدين الدخيري. وقال نيابة عن أهل الرحمانية الفاضل آدم أبكر إنهم التزموا تجاه أنفسهم بألا يعطوا أصواتهم إلا للفيدرالي. وأكد الدخيري على أنه إذا تبوأ منصب الوالي سيطبق النهج الفيدرالي بحيث لن نَظلم ولن نُظلم، مشيداً بوقفة أهله في المنطقة، قائلاً: ما حكَّ جلدك مثل ظفرك فانتبه، وأكد نهار أن حزبه يمضي بالعزيمة والإرادة ولن يخضع للإغراءات المادية، مشيراً إلى أن توكلهم على الله سيوصلهم إلى نتيجة تدهش الآخرين. وتوجه نهار وأنصاره بعد انتهاء اللقاء إلى منطقة الشفاء، وهنالك خاطب أنصاره على موعد بلقائهم مساء اليوم التالي عند موقع التدشين بساحة قلعة الامام المهدي. وحتى موعد اللقاء انطلق موكب الفيدرالي في جولة غطى بها أرجاء الجزيرة، شهدت تجاوباً ملحوظاً من داخل الأحياء التي اخترقها، وكانت فرصة لنا لنزور «غار» الإمام المهدي الذي كان يتعبد فيه قبل أن يجهر بدعوته، وفيه حدثت أول معركة، ودفن به من استشهد من أصحابه والبالغ عددهم «12»، وكانت فرصة أخرى للدخيري أن يسأل البركة من دارسي القرآن هنالك، والدعاء بالنصر في المرحلة القادمة. واختتمت زيارة الجزيرة بليلة سياسية دشَّن فيها الحزب حملته الانتخابية بالولاية ككل، وقال رئيس الحزب أحمد بابكر نهار إن حزبه جاهز لخوض الانتخابات القادمة لإعادة تشكيل السودان، وتقسيم السلطة والثروة من جديد، قائلاً: نريد أن تقوم الانتخابات اليوم قبل غدٍ، ولا نخاف النتيجة أياً كانت. وأكد أن حزبه لن يُباع ولن يُشترى ولن يقبل التبعية، قائلاً: «قالوا لينا حزبكم ما بمشي لي قدام لانو ما فيه سيد، قلنا ليهم نحن سادة عند الله، والرسول لم يورث أحداً» مشيراً إلى أن حزبه لا يشبه أي حزب سواء في الحكومة او المعارضة، ولن يقبل بأن يستمر السودان بوضعه الحالي، قائلاً: «لا بد من إعادة «الوزنة» حتى يشعر كل سوداني بأنه جزء أصيل في هذا البلد». وقال الأمين العام للحزب موسى آدم إن السلطة والثروة أصبحت في يد فئة قليلة استحوذت عليها، مما جعل الشعب السوداني في دائرة المهمشين وتحت المهمشين، متسائلاً: «أين مشروع الجزيرة والمشاريع الكبرى التى أقامها الأوائل؟»، قائلاً: «نحن مع التنمية والعدل والمساواة، ومع الفيدرالية التى تقول لا لحكم المركز ونعم لحكم الولايات وأبناء الولايات». ومن جانبه قال مرشح الحزب لمنصب الوالي: «إن معالجة قضايا التنمية والعدالة ومشكلات العاطلين من الخريجين لن تحل في الولاية إلا بمعالجة دستورها وقانونها المحلي ليتطابق مع الفيدرالية. وأكد أن حزبه سيوحد الأنصار ويحيي قيم الأنصارية في الولاية.