«أسأل مجرب ولا تسأل طبيب» قول عقيم ومتداول قد يصلح في بعض مناحي الحياة إلا في أمور الصحة والعافية والتداوي. أحد الأصدقاء عاتبته لأنه ما أن يصاب هو أو أحد أفراد الأسرة بعارض صحي كالحمى مثلاً، الا ويهرع نحو المعمل لفحص الملاريا، فإن لم يجدها شخص بنفسه الحالة، ومن أقرب صيدلية يتناول ما تيسر من المضادات الحيوية. تقبل عتابي بصدر رحب إلا أنه مضى يقول« ماذا تريدني أن أفعل.... أنا لا أملك مائة جنيه وربما أكثر لأنفقها للذهاب لعيادة طبيب وما يتبعها من فحوصات وأدوية، وإذا توافرت لدي المائة جنيه فأولى بها طعام أولادي وبيتي، لأن هذا الاختصاصي لن يتجاوز في علاجه، بعد كل المال المهدر، ما توصلت له بالتجربة! ولما سألته لماذا لا تذهب للمستشفيات الحكومية والمراكز الصحية، أجابني بأنه وبحكم خبرته باعتباره تربويا أصبح يدرك أن الشباب من أطباء الامتياز لا يملكون التأهيل الأكاديمي أو الخبرة، وأضاف أنه يلتمس العذر لهؤلاء «الدكاترة الصغار» لأنه يعلم جيداً ضعف الإمكانيات الأكاديمية والعملية في معظم الجامعات التي تخرج فيها هؤلاء الشباب. صباح الجمعة الماضية كنا نتناول إفطاراً أسرياً، ودخل علينا الدكتور كمال أبو سن جراح الكلى الحاذق، وكعادة معظم السودانيين لم نفوِّت الفرصة في الظفر باستشارة «ملح»، وفي معرض حديثه حذَّر الدكتور أبو سن من الإفراط في تناول المسكنات القوية «مثل مسكنات آلام المفاصل والعظام» حيث أوضح لنا أن لها تأثيراً مدمراً على الكلى، ورأيت أن أنقل هذه النصيحة المجانية لكافة القراء خصوصاً «الأطباء بلا حدود» الذين لا يخلو منهم بيت، ويتطوعون بتقديم الوصفة الطبية وفق تجاربهم. أكاد أجزم أن معظم البيوت السودانية أصبحت تمارس هذا النهج من التداوي في الوعكات العارضة.. الذهاب للمعمل «إن تيسر حق المعمل» ثم الصيدلية دون المرور بالعتبة الأساسية وهي الطبيب. والناس معذورون في هذا السلوك، فالجيوب خاوية للدرجة التي أصبح فيها الذهاب لعيادة الطبيب ترفاً في نظرهم لا يملكون كلفته. ما الحل إذاً؟ الحل يكمن في أن تقوم وزارة الصحة وكافة أجهزة الدولة بمراجعة وتقويم هذا الكم الهائل من كليات الطب التي انتشرت في كل الولايات، وأنزلت لافتات المدارس الثانوية وحولت مبانيها إلى كليات طب، دون أن تملك المال أو الكادر البشري المؤهل أو التقانة. إن تقليص ودمج هذه الكليات ربما يساعد في استعادة المواطن لثقته في شباب الأطباء من الخريجين.