كثير من مؤتمرات الصلح القبلي التي انعقدت بدارفور ما قبل تفجر أزمتها الحالية في (2003)، كانت تنتهي فيما تنتهي إليه من توصيات لوضع حد ليس للمشكلة موضوع المؤتمر فحسب بل لدرء أي صراع قبلي قادم قبل أن يقع، تنتهي هذه المؤتمرات إلى توصيتين ثابتتين تتكرران في كل مؤتمر، هما دفع الدية ورفع الوعي الديني، وأظن حسب ما قرأنا أن هناك الآن مجموعة كبيرة من الدعاة الدينيين تتأهب للسفر إلى دارفور ربما بعد عيد الفطر لاقامة منابر دعوية في مختلف مناحي الاقليم باعتبار أن نقص الوعي الديني أو ربما رقة الدين في تلك الديار هو أحد أسباب أزمتها المتطاولة حتى الآن، والمعروف عن بعض قبائل دارفور انها لظروف تاريخية وبيئية وعملية قبائل مقاتلة وأنها حتى في أمور الدين وعباداته تجيد الجهاد أكثر من غيره، وفي ذلك يقال أن قائد وزعيم إحدى هذه القبائل احتج لدى المهدي أو خليفته عبد الله ود تورشين لا أذكر - فقد تقادم العهد على اطلاعي على هذه الرواية أول مرة - قال الزعيم القبلي «الجنة دي صوم وصلاة غلبتنا سوّى لينا دواس يدخلنا الجنة»، والواقع أن بعض الصراعات القبلية الطاحنة التي تروح ضحيتها عشرات الأنفس في الغالب تقع لأبسط وأتفه الأسباب وأحياناً بين شخصين وفي أمور شخصية، ولكنها عقلية غزّية التي قال شاعرها وما أنا إلا من غزّية إن غوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد، فرغم أن الموضوع بسيط وشخصي لكنه يمكن ببساطة أن يجر القبيلة كلها إلى حرب ضروس، وفي ذلك لا شك استرخاص للنفس التي حرّم الله قتلها إلا بالحق، ومن هنا فإن البعض يضفي على أزمة دارفور بعداً دينياً يلخصه في استسهال حمل السلاح وسهولة تصويبه على الآخرين.... الآن خرجت علينا (اليونميد) البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي بدارفور ببعد آخر هو البعد الاجتماعي، وهذا آخر ما تفتقت عنه عبقريتها حتى قبل أن تكتمل عمليات حفر الخندق حول مدينة نيالا وهو العبقرية ما قبل الأخيرة التي يبدو أنها وجدت ما هو أنجع منها لوقف عمليات الاختطاف التي تكررت بشكل مزعج على منسوبيها فتركت الخندق وطفقت تبحث عن مصلحين اجتماعيين توسمت فيهم خلاصها من الخاطفين، وظني أنها الآن تبحث عن مصلحين اجتماعيين في قامة مارتن لوثر كنج وعبد الرحمن الكواكبي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، تبحث من بين المصلحين الاجتماعيين المحدثين من هو في قامة هؤلاء الأفذاذ ليخلصوها من جحيم الخاطفين ولن تعدمهم فستجد ضالتها من المصلحين الاجتماعيين دون شك في خريجي علم الاجتماع وأساتذته وخبرائه والباحثين فيه وهؤلاء جميعاً وبحكم الدراسة والتخصص قد تزودوا بمناهج دراسة المجتمع الانساني والمجموعات الاجتماعية والظواهر والمشكلات الاجتماعية والنظم الاجتماعية من النظام الأسري والتربوي وإلى النظم السياسية والاقتصادية وتفاعلاتها والمشكلات الناجمة عن تطبيق أي نوع من هذه الأنظمة ...الخ ...الخ مما يعرفه المصلحون الاجتماعيون، ولن تعدم أيضاً بعض الخبرات المحلية التقليدية في الاصلاح الاجتماعي والتي سيكون لها دور تعزيزي لجهود المصلحين المتخصصين الحداثويين... دعاة دينيون من هنا ومصلحون اجتماعيون من هناك، وكلمة من هنا وكلمة من هناك وإن شاء الله دارفور موعودة بحل عاجل وناجز ونهائي على يد هؤلاء وأولئك والذين غالباً ما يبدأون مهامهم عقب عيد الفطر المبارك والأمر لله من قبل ومن بعد....