حذر خبير بارز في الشأن السوداني الحكومة من مغبة الفشل في قبول اقتراح الاتحاد الإفريقي القاضي بإنشاء محاكم مختلطة للبت في قضايا الجرائم المرتكبة في إقليم دارفور. فقد قال أليكس دي وال في تصريحات حصرية لصحيفة سودان تربيون من الخرطوم الجمعة الماضية إن هذا الفشل سيكون سخيفاً وسيجعل الحكومة السودانية تفقد الدعم في إفريقيا. وقال دي وال أيضاً إن قضية العدالة في دارفور لم تخدم خدمة جيدة من قبل المحكمة الجنائية الدولية وألقى باللوم على مدعي المحكمة لويس مورينو أوكامبو لسعيه لاعتقال الرئيس عمر البشير. جدير بالذكر أن أليكس دي وال هو باحث بريطاني ومدير برنامج مجلس البحوث العلمية الاجتماعية في نيويورك، وقد ألف إصدارات كثيرة حول السودان وخاصة حول دارفور وهي تشمل «المجاعة القاتلة: دارفور، السودان» و»الحرب في السودان: تحليل للصراع» و»دارفور: تاريخ قصير لحرب طويلة» وذلك بالاشتراك مع جولي فلينت. وهو يعمل حالياً مستشاراً للجنة الإفريقية رفيعة المستوى لدارفور التي تم تفويضها في يوليو 2008م من قبل مجلس الأمن والسلم الإفريقي لتقصي الوضع في دارفور ولتقديم توصيات حول كيفية حل أزمة دارفور من خلال العناصر التوفيقية للسلام والعدالة والمصالحة حيث يرأس هذه اللجنة الثمانيَّة الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثامبو مبيكي. وبعد أكثر من عام من تفويضها وفي أكتوبر 2009م قدمت اللجنة تقريرها النهائي للاتحاد الإفريقي وتوصلت إلى أن استجابة المحكمة الجنائية السودانية لدارفور كانت «غير فاعلة ومربكة» وبالتالي فقد «فشلت في نيل ثقة أهل دارفور». ولذا وصت اللجنة بإنشاء المحاكم المختلطة التي «تتكون من قضاة سودانيين وقضاة من قوميات أخرى» لكي تمارس سلطة ابتدائية واستئنافية حيال الأفراد الين يبدو أنهم يتحملون مسؤولية معينة عن الجرائم الخطيرة التي ارتكبت أثناء الصراع في دارفور. ولكن الحكومة السودانية ومستوياتها العليا رفضوا الاقتراح حيث أبلغ النائب الثاني للرئيس السوداني علي عثمان طه قمة مجلس الأمن والسلم الإفريقي التي عقدت في أبوجا في نوفمبر 2009م أن القانون السوداني وكفاءة جهازه القضائي «يوفران الإطار الضروري لتحقيق العدالة». وفي ديسمبر قال الرئيس عمر حسن البشير الذي يواجه أمريْ اعتقال بواسطة المحكمة الجنائية الدولية لدوره المزعوم في صراع دارفور في مقابلة مع تلفزيون «روسيا اليوم» إن بلاده ترفض فكرة قضاة أجانب يجلسون على كراسي القضاء لعقد محاكمات دارفور حيث قال: (نحن عبَّرنا عن تحفظنا حول هذا الموضوع [المحكمة المختلطة] لأن لدينا جهاز قضائي مستقل وأن المؤسسة القضائية لديها الكلمة [النهائية] في تأسيس أية محاكم داخل الحدود لتحاكم أي [شخص] سوداني، وأن مبيكي يتفهم تحفظاتنا). ولكن حسب إفادة دي وال أن أعضاء لجنة الاتحاد الإفريقي الخاصة بدارفور ورئيسها «يطرحون هذه القضية المتعلقة بالحكومة مراراً وتكراراً حيث قال دي وال إن الاتحاد الإفريقي «أعطى السودان فرصة لحزمة سياسية شاملة تشمل العدالة». وحذر دي وال قائلاً: «إذا فشلت الحكومة السودانية في انتهاز تلك الفرصة ستكون حمقاء وستفقد كثيراً من الدعم والتعاطف اللذين قد تجدهما في إفريقيا». وكان دي وال متحمساً لأن يشير إلى أن تفويض اللجنة من المفترض أن ينتهي في شهر أكتوبر القادم وأن اللجنة عليها أن تقدم في ذلك الحين تقريرها إلى الاتحاد الإفريقي إذ قال لي في إشارة إلى أن تقرير اللجنة قد يشير إلى فشل الحكومة في الامتثال لتوصيات اللجنة حيث قال بالنص «يجب أن تنظر وترى ما في ذلك التقرير». إن لجنة مبيكي بدت حتى الآن تحول اهتمامها من دارفور إلى الاستفتاء القادم في جنوب السودان، الشيء الذي يعتبر جزءاً من تفويضه وفقاً لقرار الاتحاد الإفريقي. لقد واجه مبيكي نكسة كبيرة أثناء محاولته ترتيب اجتماع بين أحزاب المعارضة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم قبل الانتخابات التي أجريت شهر أبريل الماضي، ففيما بعد انتقد قادة المعارضة مبيكي بشدة حيث قالوا إنه خضع للضغط الذي مارسه عليه المؤتمر الوطني مشيرين إلى أنه موقفه يتفق مع موقف الاتحاد الإفريقي الداعم للخرطوم. لقد كسب دي وال سمعة من معارضته القوية لأمر اعتقال المحكمة الجنائية الدولية الصادر بحق الرئيس البشير وانتقاده الشديد لمدعي المحكمة لويس مورينو أوكامبو. فلقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمر اعتقال للبشير، وظل دي وال يقول باستمرار إن أمر الاعتقال ضد البشير يضر بقضية السلام والعدالة في دارفور وهو أمر مشابه لطلب «تغيير النظام» في الخرطوم. وحول هذه القضية عبَّر دي وال عن رأيه في فشل الحكومة في معالجة مشكلة العدالة في دارفور، الشيء الذي قاد إلى تدخل المحكمة الجنائية الدولية في القضية بيد أنه أثار الشكوك حول فاعلية المحكمة وأهلية مدعيها حيث قال: (لقد ارتكبت الجرائم المروعة في دارفور خاصة خلال عامي 2003 2004م، ولكن الحكومة لم تتخذ إجراءات جادة من أجل العدالة والمحاسبة خلال كل هذه السنين). وقال لاحقاً: (وبسبب ذلك الفشل دخلت المحكمة الجنائية الدولية السودان، وليس على الحكومة إلا أن تلوم نفسها). ولكن دي وال يقول إن المحكمة الجنائية الدولية لم تخدم قضية العدالة بالنسبة لأهل دارفور خدمة جيدة لسببين: السبب الأول هو أن المحكمة الجنائية الدولية ستحاكم فقط عدداً صغيراً جداً من الناس، فهي لن تقدم للعدالة أكثر من خمسة أو ستة أشخاص وحتى لو كانت هذه المحكمة محكمة فاعلة ومهنية فإن الأغلبية التي ستقدمها للمحاكمة ستكون في حدود عشرة أشخاص أو اثني عشر شخصاً. أما السبب الثاني فهو لويس مورينو أوكامبو، حيث قال دي وال عنه: (إذا كان أهل دارفور أو السودانيون يعتقدون أن لويس مورينو أوكامبو هو الرجل الذي يأتي بالعدالة لدارفور فإنهم سيُحبطون لأنني لا اعتقد أنه رجل مهني). وأضاف لاحقاً: (أظنه [أوكامبو] قد ارتكب أخطاء جمة ونحن نرى أن القضية التي لديه في المحكمة قضية فاشلة وأن الطريقة التي بنى بها قضيته ضد الرئيس البشير كانت ضعيفة). جدير بالذكر أن دي وال نشر في يناير 2009م مقالة نقدية عن قضية مدعي المحكمة الجنائية ضد البشير منتقداً فيها بشدة تطبيق المدعي لأمر اعتقال البشير واصفاً إياه بأنه «ملئ بالعيوب». وقال دي وال في مقالته النقدية إن أسلوب المسؤولية القانونية التي اتبعها المدعي الإعداد غير المباشر للجرائم على أساس سيطرة البشير الكاملة على أية مؤسسة ذات صلة بالدولة غير موضحة في الأدلة المقدمة ولا تؤيدها نماذج العمل السابقة. وقال دي وال: (إن الذين يريدون العدالة لدارفور عليهم انتقاد مورينو أوكامبو، ويجب عليهم أن يقولوا إن هذا الرجل غير قادر على المهمة وبالتالي إننا نريد محكمة جنائية دولية أكثر مهنية). ويقول دي وال (إن خيار أوكامبو «ذا الصبغة السياسية» بملاحقة البشير هو خيار ضعيف لأن نتيجته جعلت الرئيس يحشد الناس حول القومية وغيرها).