ما أكثر وما أشق إبتلاءات الأمراض التي يبتلي بها الله سبحانه وتعالى عباده ويمتحن بها ثبات إيمانهم. واحدة من هذه الإبتلاءات مرض الإعاقة العقلية التي يُصاب بها أطفالنا خصوصاً الإناث منهن، حيث تتعامل بعض الأسر السودانية مع هذا الإبتلاء وهذه المحنة كعار أو وصمة بدلاً من التعامل العقلاني مع الأمر من منظور أنه مرض يمكن أن تعاني منه أية أسرة وأية طفلة أو فتاة، لذلك يلجأ هذا البعض من الأسر إلى تقييد حرية هذه الطفلة أو الفتاة ذات الإعاقة العقلية الكاملة بحيث تصبح سجينة جدران المنزل، بل ويتم إخفاؤها كلما جاء للمنزل ضيف أو ضيفة. هذه القضية الحرجة والمحزنة في نفس الوقت كانت موضوع برنامج (نقطة حوار) عبر إذاعة ال بي بي سي العربية ، إذ كان محور النقاش في الحلقة حول ما أقدمت عليه وزارة الصحة الأردنية بإباحة إستئصال الرحم بالنسبة للفتيات المصابات بهذه الإعاقة العقلية، وجاء هذا القرار مدعوماً بفتوى شرعية من بعض علماء الدين في الأردن. حسب ما ورد في الحلقة الإذاعية فإن نسبة الإستجابة كانت فوق المتوسط من أسر الفتيات المريضات وبمعدل يقارب العشر عمليات في العام وقد تركزت معظم دفوعات هذه الأسر التي تقدم على هذه العملية في المتاعب التي تعاني منها الفتاة المريضة في فترة الدورة الشهرية، أو بالأصح المتاعب التي تعاني منها أسرتها جراء المحافظة على نظافة الفتاة المريضة ودفع الحرج عن الأسرة من التصرفات اللاواعية التي يمكن أن تقدم عليها الفتاة المريضة في هذه الأيام الحرجة من كل شهر، مما يجعل كل الأسرة في حالة معاناة وكدر إجتماعي بالغ القسوة. وقد تحاشت معظم هذه الأسر أن تذكر أن دوافعهم في اللجوء لهذه العملية هو ما يمكن أن تتعرض له الفتاة المريضة والتي لا حول لها ولا قوة من تحرش جنسي يمكن أن ينتج عنه حمل غير مرغوب فيه بالتأكيد، مما يزيد في أزمة هذه الأسر الاجتماعية والنفسية. تحدث في الحلقة الإذاعية كبير اخصائيي النساء والتوليد بوزارة الصحة الأردنية حيث أكد أنهم يقومون بهذا العمل إستناداً على فتوى شرعية إذ يقومون بإستئصال الرحم فقط بينما يبقون على (المبايض) لعدم حرمان المريضة من الهرمونات الأنثوية اللازمة لعملية النمو.. كذلك إستضافت الحلقة أحد كبار علماء الأزهر الذي أفتى بعدم جواز هذا الإستئصال. ترددت أكثر من مرة وأنا أهم بطرح هذه القضية الشائكة والحرجة والمحزنة عبر الإعلام، وآخر الأمر وجدت نفسي ميالاً لطرحها لنقاش عام، فمواجهة الواقع بشجاعة والبحث عن الحلول أجدى من دفن الرؤوس في الرمال. أعلم جيداً أن بعض القراء سيصدمون من هذه (المعالجة) التي أباحتها حكومة الأردن سواء لنفور إنساني أو وازع ديني يدور حوله جدل فقهي، ولكن بحكم معايشتي لكثير من الأسر التي أُبتُليت بمثل هذه المعاناة النفسية والاجتماعية، فإنني أدرك حجم المأساة التي يعيشونها ومدى الفزع الذي ينتابهم تجاه فلذات أكبادهم المريضات وحرصهم على توفير حد أدنى من الحماية لهن، وأيضاً تجاه الحرج النفسي والاجتماعي الذي يعيشون قسوته، وهي قسوة في نظرهم لا يدرك آلامها إلا من يعايشها!