ما انفك الاعلام السوداني منه اسار القبضة السياسية المحكمة التي تكبله وتقيده، فاينما ادرت مؤشر الاذاعات السودانية او يممت صوب القنوات الفضائية، الا وداهمتك برامج نمطية اعدت في ما يبدو على عجل.. وهي تلوك اسئلة بائسة حول «الوحدة الجاذبة» والثقافة الواحدة التي تظلل كل مساحة السودان، وما الى ذلك من المفاهيم التي وعاها الاعلام السوداني من الساسة، دون ان يعمل فيها للبصر برؤية ثقافية بصيرة. وهذا القول عن ثقافة سودانية واحدة تسود كل المناطق السودانية، هو من نوع ذلك القول الذي تنفر منه الافئدة الواعية بحقائق التنوع الثقافي، وانه نعمة وليس نقمة، ان احسنا ادارته، اي التنوع الثقافي، وعلينا في هذا الوقت القصير أن نسعى الى «الخبراء الحقيقيين» في شأن الثقافات السودانية، وان نترك هذا الكلام الاجوف الجالب لسخرية المتلقي في الشمال والجنوب.. وأن نركز على أن هذا السودان بتنوعه الثقافي وثرائه الابداعي قادر على انجاز وحدته وتقبل الآخر، وان نبشر الناس بتحول ديمقراطي حقيقي يتسع فيه المجال لحديث النشر وحرية الرأي وحرية الفكر والتنظيم والتعبير، واحترام حقوق الإنسان دون النظر الى عرقيات وجهويات، فهذا خير من ترديد عبارات مستهلكة ونمطية وإنشائية عن الوحدة. وهل استقطبت هذه الأجهزة الإعلامية أهل الاختصاص من المثقفين وعلماء الاجتماع وعلم النفس وأهل الفلكلور حتى يسددوا خطاها على الطريق المستقيم؟.. أم تركت الامر لمحترفي الكلام عبر كل العهود لترديد هذه المقولات التي تنفر الناس. حقيقة نحن نحتاج إلى ثورة ثقافية إعلامية، ولتنوير أدواتنا الاعلامية وتبصيرها بدورها التاريخي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة من تاريخ الأمة. والله من وراء القصد.